الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

يوم إبادة الفلسطيني المنتظر في الضفة - المستوطنون يصعدون

2019-01-29 07:06:28 AM

 يوم إبادة الفلسطيني المنتظر في الضفة - المستوطنون يصعدون
اليوم الأسود الذي يعدّه المستوطنون للفلسطينيين في الضفة

الحدث - إبراهيم أبوصفية

لم ينته يوم السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، كأي يوم على قرية المغيّر شمال شرق رام الله، حيث هاجمها المستوطنون من أصحاب العقيدة الصهيونية الدينية الذين يرون بقتل الفلسطيني وطرده من أرضه ترجمة أساسية للفكر الذي يتبنوه، ويعتقدون باختيار الله لهم " شعب الله المختار" وبالوعد الذي منحهم " أرض الميعاد" ، وذلك ما ورد في النص التوراتي بحد زعمهم "ولنسلك أُعْطِي جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ"، وعلى تحقيق ذلك يعملون.

استشهد الشاب حمدي النعسان، وأصيب آخرون بجراح مختلفة في حدث أشبه بمجزرة في هذا الهجوم، ولولا "الفزعة" من أهالي المغير والقرى المجاورة التي وصلت مناطق الاقتحام للتصدي للمستوطنين الذين حازوا على حماية من جيش الاحتلال والذي كان على مقربة منهم، لحدث ربما أكبر من ارتقاء شهيد وإصابة العشرات.

وإذا ما ربطنا بين هذه الحادثة وغيرها من الحوادث التي تصاعدت مؤخرا، نتأكد أكثر من اقتراب اليوم الذي ستتعرض القرى الفلسطينية للإبادة على أيدي المستوطنين، وهو ما أشار إليه الكاتب رازي النابلسي في مقاله "فلسطين السيناريو الأسود"، مؤكدا أنه سيأتي يوم يهاجم فيه مستوطنو "حلميش" قرية "النبي صالح" بأسلحتهم الأوتوماتيكيّة، فيبطشون بالأهالي، وتتوسع دائرة الهجوم لتقع كل القرى القريبة من المستوطنات رهينة هذا اليوم الأسود.

وقد فعلها المستوطنون سابقا في 25-2-1994 عندما دخل المتطرف باروخ جولدشتاين من مستوطنة "كريات أربع"  المسجد الإبراهيمي وقت صلاة الفجر، وقد وقف خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران سلاحه الرشاش على المصلين وهم ساجدون، فيما قام مستوطنون آخرون بمساعدته في تعبئة الذخيرة التي احتوت على رصاص الدمدم المتفجر، واخترقت شظايا القنابل والرصاص رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم لتصيب أكثر من 350 منهم.

وأغلق جنود الاحتلال أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، وفي وقت لاحق استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد أثناء تشييع شهداء المسجد.

إلا أن في المجازر المنتظرة سيعمل الاحتلال على فتح طريق للهروب، حيث أشار  النابلسي أن في النظريات العسكرية يتوجّب دائماً على المُهاجم ترك طريق هروب للضحيّة، منوهاً أن طريق أريحا - الأردن هي غالباً غير مفتوحة، وما زالت هناك 25 ألف شقة فارغة في رام الله وحدها، وغيرها في المُدن المركزيّة الفلسطينيّة، وسيكون الهرب إليها من قبل أبناء المُدن الصغيرة والقرى مستمر، ليتوسّع الاستعمار أكثر وأكثر حول المعازل الفلسطينيّة الخمسة: أريحا، بيت لحم، الخليل، جنين، ورام الله.  

وتعتقد الصهيونية الدينية الاستيطانية أن جيش الاحتلال يحافظ على الوجود الفلسطيني لأنه لا يقوم على تهجيرهم، لذلك تسعى من خلال عمليات القتل لأن تحل محل الجيش في القضاء والسيطرة على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، كما أنها تسعى لتوسيع عمليات القتل والحرق لتحويل حياة الفلسطينيين إلى رعب وجحيم، تحديدا في القرى الفلسطينية البعيدة، خاصة أن قاعدة هذه الجماعة أصبحت قوية وكبيرة، كما بين المحلل السياسي عادل شديد في مقاله "ما لا يعرفه كثيرون عن قتلة عائشة الرابي".  

فإن دولة المستوطنين في الضفة الغربية قائمة على مجموعات صهيونية غالبها يعتنقون عقائد دينية كجمعية  "إلعاد" التي تأسست في العام 1986، وتنتهج سياسة الاستيلاء على عقارات الفلسطينيين من خلال التزوير وتحويل الملكية خاصة في القدس، وجمعية "عيرت كوهانيم" التي تأسست في العام 1978، ويتركز نشاطها شرقي القدس لتوطين المستوطنين في البلدة القديمة، وجمعية "هروعيه هعفري" التي تأسست في العام 2013، وتعمل على شرعنة البؤر الاستيطانية، وتبني أعضاء شبيبة التلال المتسربين من التعليم؛ إضافة إلى جمعيات نسوية، مثل "النساء ذوات القبعات الخضراء" التي تستهدف في اعتداءاتها الأراضي الزراعية في بيت لحم، خاصة أراضي بلدة الخضر، وعصابات "تدفيع الثمن" التي  نشأت في (مستوطنة) يتسهار عام 2008، ويتركز نشاطها في شمال الضفة الغربية. و"أمناء جبل الهيكل" الذين ينظمون اقتحامات متتالية للمسجد الأقصى. وجمعية "غوش إيمونيم" التي بدأت مشروعها الاستيطاني الأيدلوجي بإقامة مستوطنات "كريات أربع" في الخليل، وجمعية "ألون موريه" في سبسطية.

وهذه الجماعات تزايدت نشاطاتها العدوانية مؤخرا، فوثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بين شهري كانون الثاني/يناير ونيسان/أبريل 2018 ، قيام المستوطنين بـ 84 اعتداء تسببت في إصابات وشهداء بين الفلسطينيين. وفي المتوسط الشهري، تشكل هذه الاعتداءات أعلى مستوى من الحوادث المسجلة منذ نهاية العام 2014، ومثلت زيادة تصل إلى 50 و62 % بالمقارنة مع العامين 2017 و2016 على التوالي. وأشارت التقارير الواردة من المكتب إلى أنهم قد عززوا من تواجدهم في مناطق الاحتكاك، ولا سيما بالقرب من مستوطنة يتسهار شمال الضفة الغربية.

كما أفادت دائرة الأوقاف الإسلامية وشؤون المسجد الأقصى، بأن أعداد المستوطنين المقتحمين للأقصى وصل لـ 30 ألف مستوطن بنسبة زيادة 17% خلال 2018 مقارنة عن عام 2017. مؤكدة أن كافة المؤشرات والإحصائيات تدل على تصاعد وتيرة الانتهاكات بحق الأقصى.

ووصل عدد مستوطني الضفة الغربية لـ 824 ألف مستوطن، يعيشون في 198 مستوطنة، و220 بؤرة استيطانية، وهؤلاء ينتمون للصهيونية الدينية الاستيطانية التي تهدف لإحداث ثورة على نظام الحكم العلماني الإسرائيلي، وإقامة آخر يستند إلى حكم التوراة والشريعة اليهودية، ولا يؤمنون بأن "الخلاص سيأتي بيد السفهاء والكفّار من بني إسرائيل"، وهذا ما بينه النابلسي بأن التحقيقات التي أجرتها أجهزة الأمن الصهيونية بعد جريمة حرق عائلة دوابشة على وجود منشورات وتعليمات تدلل على ذلك.

إن سيناريو الإبادة المنتظر غلفه الاحتلال ومستوطنيه بالرؤية الدينية التوراتية، التي هيمنت على عقل "دولة المستوطنين الدينية" إذ إنهم يعبئون أبنائهم دينيا بشعارات توراتية تأمر بالقتل، ومنها على سبيل المثال "إن موسى أنّب جيش إسرائيل لأنه لم يقتل الأطفال الذكور، ثم أعطاه الأمر: اقتلوا إذن كل ذكر من بين الأطفال الصغار". ويؤكد الكاتب "الإسرائيلي" إسرائيل شاحاك "بأنه في سياق تاريخ الشعب اليهودي، كانت للإبادة الجماعية قيمة تصل إلى الأسطورة المقدسة، وقد تم احترام قدسيتها بولهٍ، كحقيقة". ويورد  موقف التوراة في إبادة غير اليهود ويقول: "إن الله يفرض على أطفال إسرائيل ألاّ يدعوا أي شخص غير يهودي يعيش على أرض إسرائيل وإنما يجب إبادته".

وقال منسق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان  صلاح الخواجا أن المستوطنين يسعون من خلال تنفيذ هجماتهم الأخيرة إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية في الضفة، والسيطرة على الأراضي الفاصلة بين المحافظات لضمها للمستوطنات، مشيرا إلى أن حجم هذه الاعتداءات تزايدت وتضاعفت هذا العام أربعة أضعاف مقارنة بالعام الماضي.  

وبين الخواجا لـ" الحدث " أن "الكنيست" أقر 12 قانونا لدعم الاستيطان، وهنالك قرار بضم 65% من أراضي الضفة الغربية، وهذا ساعد على توسيع الاعتداءات وتنظيمها، حيث كانت اعتداءات المجموعات  في السابق بشكل غير منظم، ولكن حصل تطور وصل إلى تدريب 6 آلاف مستوطن وتقديم الدعم وتفريغ معاشات لهم من الجمعيات الاستيطانية التي تحرضهم على القيام بهذه الاعتداءات.