الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الشهيدان أشرف نعالوة وصالح البرغوثي خطان فاصلان بين هويتين

2019-01-30 09:16:51 AM
الشهيدان أشرف نعالوة وصالح البرغوثي خطان فاصلان بين هويتين
الشهيدان صالح البرغوثي وأشرف نعالوة

 

الحدث - فيروز سلامة

بقيت الهوية الفلسطينية حية نتاج ارتباطها بفكرة "وجود فلسطيني مُستعمَر تم اضطهاده وسلب الأرض التي يعيش عليها منه ويُعاني من القمع والعنف الجسدي والنفسي"، فهذا الارتباط هو الذي مكن الهوية الفلسطينية من البقاء حية مُنذ استعمار فلسطين التاريخية لليوم، ولولا ذلك لتم صهر الفلسطينيين ضمن الواقع الاستعماري واختفت فكرة الأرض وأفرادها المسلوبين من حقهم الطبيعي بالحرية، ولكن نشهد خلال الفترة الأخيرة حالة تشرذم واسعة للهوية الفلسطينية، وهذه الحالة هي نتاج قلة الوعي ومحاولات التأقلم بوهم الدولة المُشكلة من كيان أوسلو، فقلة الوعي هذه هي إرادة البعض ومفروضة على البعض الآخر نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المُجتمع الفلسطيني، فالفئة الأولى أصبحت اليوم ضحية نظام استهلاكي يسعى لخلق نمط حياة طبيعي يؤدي إلى جعل الهدف الأساسي لهؤلاء هو كيفية الحصول على المورد المالي والتصرف به، فهذا النظام يشمل الاستهلاك في كُل جوانب الحياة من الجانب التعليمي والمعرفي إلى الجانب الاجتماعي، فيستهلك هؤلاء الأفراد التعليم والمعرفة للحصول على الشهادة من أجل العمل في المُجتمع ومُراكمة الأموال لاقتناء كل ما يودون وكل ما يحقق لهم الرفاهية والسعادة، فأهداف هؤلاء أصبحت مُقيدة بشروط وقواعد النظام الاستهلاكي، فاستحلوا قواعد هذا النظام وتخلوا عن كُل ما قد يضر بهم بداخله، والفئة الثانية هم من أصبحوا بداخل هذا النظام ويُعانون من صراع البقاء بداخله ليستطيعوا العيش والاستمرار في الحياة أو الخروج منه، فيجدون أنفسهم يعملون ويتحركون بداخله دون أن يجدوا الوقت ليقرروا إن كانوا يودون البقاء أم الخروج.

ونتاج ذلك دخلت الهوية الفلسطينية حالة من الضياع بسبب الانشغال بالوهم الذي يُغطي أعين الفلسطينيين ويصور الاستعماري بأنه شخص يمتلك القدرة على إدارة أمور الحياة والتنظيم والقيام بالمشاريع الخدماتية الجيدة، أو بسبب وضع التنظيمات الفلسطينية فهنالك الانقسام بين حركتي حماس وفتح في كُل من الضفة وغزة، فكُل طرف يصور نفسه الأفضل والأنسب لقيادة الوضع الفلسطيني وتحسين أوضاعه مع تناسي كُل طرف ما في داخله من عيوب، وأما الجبهة الشعبية فأصبحت تُعلق آمالها على المُنقذ خارج حدود فلسطين التاريخية، فأصبح بشار الأسد وحسن نصرالله هما بوصلة الشعبية لتحرير فلسطين، مُتناسين أن كُل من الأسد وحزب الله لديه قضاياه الخاصة والتي يُعطيها الأولوية على الوضع الفلسطيني، فهما كجبهات مُمانعة يُمكن التعويل عليهما للدعم والمساندة للقضية الفلسطينية ولا إنكار حول ذلك، ولكن على الشعبية إدراك ذلك أيضا وأن تتكيف مع مُعطيات الواقع لا مُعطيات الوهم وأن تبدأ بالداخل ثم الخارج وليس العكس.

رُغم ذلك، تأتي العمليات الفدائية الفلسطينية لكي توحد بين الأطراف الفلسطينية وتجعل التوجه صوب الاستعمار ومقاومة أساليبه المُتبعة، فعقب اغتيال أشرف نعالوة وصالح البرغوثي ومجد مطير، تصاعدت حدة الأحداث بالضفة الغربية جراء العمليات الفردية المُنفذة ضد الاستعمار الإسرائيلي، فكان الرد بإغلاق الطرق وعزل القرى والمدن الفلسطينية عن بعضهم البعض بالحواجز، وحملات اعتقال وتفتيش ومداهمات عديدة، فتوحد الصف الفلسطيني لمُقاومة هذه الإجراءات ووضعت الخلافات بين الأطراف الفلسطينية جانباً، فشكلت حالة التلاحم هذه حالة من التكافل عكست صورة مختلفة للهوية الفلسطينية في هذه الفترة بصورة مُختلفة عن حالة ما قبل الأوضاع.

فأصبحت العملية الفدائية تٌشكل الخط الزمني الفاصل لحالتين مختلفتين من الهوية الفلسطينية، ما قبل العملية الفدائية وما بعدها، فقبل العملية الفدائية تعكس الهوية الفلسطينية صورة الفلسطيني وفق القرية أو المدينة التي يعيش فيها ثم وفق الانتماء الحزبي والنسب العائلي، أما بعد العملية الفدائية تبرز الهوية الفلسطينية بصورتها ومفهومها الذي يعكس صورة الفلسطيني المُستعمَر والفاقد لحقوقه وأرضه ويعيش حالة من اللجوء والشتات، ويسعى لاستعادة مكانه. فهل تُشكل هذه الحالات المُتناقضة من التلاحم تارة والنزاع تارة أخرى وضعاً جيداً لاستمرار بقاء الفكرة الأساسية من الهوية الفلسطينية التي تؤمن بوجود وضع فلسطيني قابع تحت استعمار يجب مقاومته أم ستكون سبباً في تلاشي الهوية الفلسطينية مُستقبلاً وصهر الفلسطيني ضمن المنظومة الاستعمارية؟