الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بنِي غانتسْ.. يخرجُ عن صمته ويَشُنُّ حرباً خاطفة على جميع الجبهات بقلم: رائد دحبور

2019-02-01 08:52:34 PM
بنِي غانتسْ.. يخرجُ عن صمته ويَشُنُّ حرباً خاطفة على جميع الجبهات
بقلم: رائد دحبور
رائد دحبور

على مايبدو أنَّ الفلسطينيين الرَّسميين جدَّاً غير مشغولين كثيراً بِصَخَبِ دراما افتتاحِ الحملات الانتخابيَّة الإسرائيليَّة كما كان عهدهم في السَّابق؛ فالشَّريك السِّياسي التقليدي مُمَثَّلاً باليسار عموماً وبحزب العمل تحديداً هو أقرب الآن إلى الاندثار – أشارت آخر استطلاعات الرَّأي وخصوصاً بعد الخطاب الانتخابي الأوَّل لبِني غانتس، رئيس الأركان الأسبق وزعيم حزب " حوسِم ليِسْرائيل – المَنَعة لإسرائيل " إلى تراجع حزب العمل بزعامة " آفي غاباي " إلى حدود من 5 إلى 6 مقاعد فقط في الكنيست القادمة، فيما لن يتجاوز حزب " تنوعاه – الحركة " بزعامة تسيبي ليفني نسبة الحسم؛ فيما أعطت تلك الاستطلاعات 31 مقعداً لحزب الليكود و22 مقعداً لحزب " المنعة لإسرائيل " الجديد بزعامة بني غانتس. وقد خرجت استطلاعات الرَّأي عن طورها في اليوم التالي لخطاب غانتس لتضعه كمنافس محتمل جدَّاً لبنيامين نتنياهو على رئَاسة الحكومة القادمة.

لكن – ومع ذلك - يبقى المنحى الإجمالي الأكثر ثباتاً لاستطلاعات الرَّأي يُعطي " نتنياهو " الحظ الأوفر لتشكيل الحكومة القادمة؛ في حال نَجاتِه من المحكمة ومن قبضة المستشار القانوني – وهو الأمر الأرجح حتَّى الآن – حيث سيعمل اليمين كل ما في وسعِه لإنقاذ " نتنياهو " من مصيرٍ كمصير رئيس الحكومة الأسبق " إيهود أُولمرت " الموجود في السِّجن حاليَّاً على خلفية قضايا فساد؛ وذلك لحاجة الليكود واليمين عموماً وربَّما بعض قواعد الوسط التقليدي إلى الاحتفاظ بآخرِ الشُّيوخ في قبيلة الليكود لمواجهة صعود نجم الجنرالات الَّذين من غير الواضح كونهم يميناً مُتَطَرِّفاً أم وسَطاً مُتَطَرِّفاً نحواليمين، وحيث لم يبقَ من شُيوخٍ أو أَحْصِنَة رهان لدى قبيلة اليسار مُطْلَقاً في المقابل.

حتَّى أيام قليلة قبل الخطاب كان صمت بني غانتس يُقلق الجميع؛ يقلق بقايا أحزاب اليسار والوسط، لكنه كان يُقلق الليكود أكثر. وحتَّى أيَّام قليلة كان من غير المعروف يقيناً مَنْ الَّذي سَيَذهَبْ إلى الآخر. هلى سيذهب " بني غانتس " رئيس الأركان الأسبق إلى رئيسِهِ " موشيه بوغي يعلون " وزير الدِّفاع الأسبق أمْ أنَّ وزير الدِّفاع هو الذي سيذهب وراءَ مرؤوسِه ؟!. في النِّهاية، ذهبَ " يعلون " وراء مرؤوسِه " غانتس " وربَّما من ورائهما الجنرال " غابي أشكِنازي " و " أورلي ليفي " وهو ما يعني تحويل 5 مقاعد إضافيَّة من كُتَلة اليمين في الكنيست إلى قاعدتهم بحسب صحيفة هآرتس.

أطَلَّ " بني غانتس " في الثَّامنة من مساء يوم الثلاثاء الماضي وألقى خطابَه الأوَّل، وشَنَّ حربه الكلاميَّة الخاطفة على كلِّ الجبهات بافتراضِ أنَّه سيكون رئيس الحكومة المقبل؛ إذْ بدا كلامه بالقول: إنَّني وكرئيس حكومة قادم وكقائد عسكري سابق، وكرجلٍ نظيف اليد واللسان ولا فضل لأحد عليَّ سوى عائلتي ونفسي؛ سأفعل كذا وكذا.

وأوَّل تلك الجبهات التي شنَّ من خلالها حربه الخطابيَّة كانت الجبهة الدَّاخليَّة؛ وأوَّل أهدافها كان هدفاً مُزْدَوَجاً هو الفساد الذي يتمثل برئيس الحكومة " نتياهو " – بحسب غانتس -  وإصلاح الصَّدع في البيت بين العلمانيين والحريديم وبين المُهمَّشين والمحظوظين بالامتيازات، وبين الغربيين والشَّرقيين. وثاني تلك الجبهات كانت إيران؛ حيث وجه رسائل تهديد - وبالإسم - إلى كلٍّ من الرَّئيس روحاني وقائد الحرس الثوري جعفري وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، ومن ثمَّ وجه رسائل تحذيرٍ وتهديد إلى كلٍّ حسن نصر الله في لبنان والسِّنوار وإسماعيل هنيَّة في غزَّة؛ وقال وعلى اعتبار أنَّه وكرئيس أركان كان صاحب عمليَّة الجرف الصَّامد على غزَّة عام 2014 حيث انطلقت تلك العمليَّة بعد اغتيال أحمد الجعبري: إنَّ مصير الكثيرين هنا وهناك لن يكون بعيداً عن مصير الجعبري. وأضاف: إنَّني ومع ذلك مُقتَنِعٌ بضرورة تحقيق السَّلام الإقليمي ولكن دون التَّنازل عن الجولان ودون التَّسليم بأنْ يتمكَّن بضعة آلاف من الفلسطينيين خلف الجدار من تهديد دولة إسرائيل، مع الاحتفاظ بغور الأردن كحدٍّ شرقيٍّ لإسرائيل، ومع الاحتفاظ بالقدس عاصمة أبديَّة موحَّدة لدولة إسرائيل.. إنَّني مُقتنع بما فعله رئيس الوزراء الوطني جدَّاً " مناحِم بيغن " عندما وقَّعَ معاهدة السَّلام مع مصر، وكذلك ما فعله رئيس الوزراء الوطني جدَّاً " إسحق رابين " عندما وقَّع معاهدة السَّلام مع الأردن – وهنا لَمْ يأتِ غانتس عمداً على ذكر اتفاق أوسلو الذي أَبَرَمه رابين مع الفلسطينيين – بل كان من اللَّافت أنَّه وبعد هذه العبارة مباشرة انتقل للقولِ وبشيءٍ من السُّخريَة التي تأتي في سياق الكلام الانتخابي عادَةً - حيث قال: وكذلك ما فعله رئيس الوزراء الوطني جدَّاَ، جدَّاً " بن يامين نتنياهو " عندما وقَّع اتِّفاق " الخليل " واتِّفاق " وايْ بلانتيشن " مع ( السَّفاح القاتل !! ) ياسر عرفات. واستمرَّ غانتس في خطابه بعد ذلك مُسْتأْنِفاً هجومه على فساد رئيس الحكومة ومركَّزاً الإشارة إلى التحقيقات القضائيَّة التي تُلاحقه.

بعد خطاب " غانتس " مباشرة وتناغُماً مع ما قاله قام " موشيه يعلون " بالتَّغريد على حسابه على تويتر قائلاً: " إنَّ معركتنا الآن هي على البيت؛ إنَّ المنزل يتفكك من الدَّاخل؛ وهو بحاجةٍ إلى الأقوياء " وهو هنا بالتَّأكيد وبطبيعة الحال يقصد نفسه ويقصد حليفه بني غانتس.

وللتذكير فقط؛ فقد عمل " بني غانتس " كرئيس للأركان حتى نهاية عام 2014 تحت إمرة " موشيه بوغي يعلون " كوزير للدفاع وتحت ولاية رئيس الحكومة " بن يامين نتنياهو "، وهو من قال لدى مغادرته رئاسة الأركان عام 2014 : الوضع القادم والدَّائم في الضِّفة الغربيَّة هو إدارة الاحتلال، أمَّا الوضع القادم والدَّائم أيضاً في غزَّة فهو إدارة الهدوء مقابل الهدوء.

وتعقيباً على استطلاعات الرَّأي – التي خرجت عن طورها وأعطت غانتس و يعلون وأشكنازي – كل هذا الزَّخم من التَّوقُّعات كتبَ " يوسي فيرتر " يوم أمس الجمعة 31/01/2019 في صحيفة هآرتس يقول:

( بعد لحظة من حرب غانتس الخاطفة، حيث الإنتباه يتركز عليه، والتغطية الإعلامية في الذروة ووسائل الإعلام منشغلة فقط بخطابه، فإن التغيير في الإستطلاعات لصالحه هو أمر طبيعي. يجب الإنتظار أسبوع أو أسبوعين كي نكشف إذا كانت معطيات الأمس حقيقية بالنسبة لمناعة إسرائيل أو هي السقف الزجاجي لها. لقد سبق ومرت علينا هذه القصة؛ ففي 1999، حزب الوسط >> نوحا عيدن<<  برئاسة الجنرال أسحق مردخاي والجنرال أمنون لبكين شاحك ودان مريدور وروني ميلو بدأت الحملة ب22 مقعدا ً في الاستطلاعات وانتهت ب6 مقاعد في صناديق الإقتراع ).

بكل الأحوال؛ ربَّما ما قاله بني غانتس في افتتاح حملته الانتخابيَّة لا يختلف كثيراً عمَّا اعتدنا سماعه خلال مناسبات مُشابهة؛ لكنَّه يعكس التأكيد على مزيدٍ من الانزياح نحوَ خياراتٍ سياسيَّة واستراتيجيَّة إسرائيليَّة أكثر تطرُّفاً وتجاهلاً تجاه الآخرين على قاعدة ما تفرضه معادلة علاقات القوَّة إنْ على صعيد علاقات إسرائيل بجوارِها الإقليمي أو على صعيد مستقبل علاقتها بالفلسطينيين. ومثل هذا الجنس من الخطاب الذي يمزج الآيديولوجيا بالأمن بالسِّياسة بالقضايا الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة هو الخطاب الطَّاغي الآن في إسرائيل، وهو مضمار التَّنافس والمزايدة الانتخابيَّة بين مختلف ألوان الخارطة الحزبيَّة هناك.