الحدث ــ محمد بدر
تتصدر حركة الجهاد الإسلامي من جديد عناوين الصحف والمواقع الإخبارية الإسرائيلية، واحتل اسم أمينها العام الجديد زياد النخالة حيزا كبيرا من الطرح، حتى بات الجمهور الإسرائيلي يعرف الاسم جيدا، رغم أشهر النخالة القليلة في منصب الأمانة العامة للحركة. لكن كما يبدو أن النخالة جاء "في زمن مهم" كما يقول المثل الصيني "إن أسوأ الدعوات أن تأتي في زمن مهم"؛ زمن مسيرة العودة وصفقة القرن والتطبيع العربي واستشعار "إسرائيل" للخطر الوجودي.
آخر ما نشره الإعلام الإسرائيلي عن الحركة كان يوم أمس، وجاء تحت عنوان: "الجهاد الإسلامي توسع من دائرة نشاطاتها"، وأثار التقرير افتراضات خطيرة متمثلة في أن "الحركة أنشأت وحدات مراقبة وتجسس لرصد الجيش الإسرائيلي، ولكنها تعمل كذلك على رصد تحركات الجيش المصري ونشاطاته على الحدود وفي سيناء، ومن ثم تقوم بنقل المعلومات لإيران". وبحسب مراسل الشؤون العربية في القناة الثانية "إيهود بن حمو"، فإن هذه المهمات الجديدة لوحدة الرصد، أقرّت في اجتماع بين الحرس الثوري وقيادة الجهاد، وللعلم، فإن "بن حمو" خبير في شؤون الشرق الأوسط وله أبحاث ودراسات في هذا المجال وهو ليس مجرد مراسل صحفي، وإنما شخص يعي ما يقول وما يجب أن يقول.
على مدار الأيام الماضية، أخذ التحريض ضد الحركة منحى مختلفا عن ما جاء في تقرير القناة الثانية، وكانت المضامين الإعلامية الإسرائيلية تسعى جاهدة لإظهار الحركة كذراع للحرس الثوري الإيراني وتحت إمرته، زاعمة أن "تصعيد الأوضاع في قطاع غزة واستهداف الإسرائيليين هو نوع من رد الاعتبار للإيرانيين الذين يتعرضون لهجمات مكثفة من قبل إسرائيل في سوريا"، ولم يكن هناك أي إشارات لأعمال من طرف الجهاد ضد مصر.
من المهم جدا قراءة التوقيت لمحاولة فهم المحددات الجديدة في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي بخصوص الجهاد ومصر، فهو بالدرجة الأولى يتزامن مع زيارة وفد حركة الجهاد الإسلامي برئاسة أمينها العام النخالة للقاهرة، وبالتالي فإن هذا الطرح يهدف لإرباك مسار النقاشات بين الطرفين، وإسقاط الافتراضات منهجيا على النقاش ومساره والعلاقة وطبيعتها. كما وأنه يتزامن وفتح المصريين لمعبر رفح وتقديم الجانب المصري لبعض التسهيلات، ولعله ليس من قبيل المصادفة، حديث موقع إسرائيلي آخر في نفس اليوم، عن "مساهمة غير مباشرة من قبل مصر في بقاء حماس بلا تصعيد وعلى قيد الحياة اقتصاديا" وذلك بالحديث عن إبقاء "معبر صلاح الدين" مفتوحا، وأن ذلك يثير غضب السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" على حد سواء.
وعلى المستوى الأمني فإن هذه الإشارات من شأنها أن تضاعف من العمل الأمني المصري على الحدود وهو ما من شأنه أن يحبط عمليات تهريب السلاح وتقييد سفر نشطاء الجهاد الإسلامي لبعض الدول من خلال مصر، بالإضافة لذلك يمكن الافتراض أن الإسرائيليين يعدّون لأحداث أمنية بأهداف أمنية في سيناء، بالإضافة لضرورة الوعي بالسياسة الإسرائيلية في صناعة "النجوم السوداء"، وهي عملية تكثيف للمضامين الإخبارية وحتى التصريحات السياسية حول شخص معين وقائد معين، تمهيدا لقتله واغتياله، ومن أهم النجوم على قائمة النجوم هذه؛ النخالة بشكل أساسي والسنوار بشكل ثانوي وبهاء أبو العطا مؤخرا.
الأهم من كل ما تقدّم، هو أن الإسرائيليين فنانون في إظهار المقاومة الفلسطينية كمرتزقة يعملون لمصالح غيرهم، وهذا يعيدنا لأشهر خلت، حينها كانت حماس تتصدر مشهد "التصعيد" مع باقي الفصائل، وكان لحن الأغنية نفسه يغنى في الإعلام الإسرائيلي لحماس مع اختلاف بسيط في بعض الكلمات والمفردات. إن هذا الضخ الإعلامي الإسرائيلي يهدف لإخراج مبدأ "المقاومة" من معادلته الموضوعية التي أهم أركانها وجود الاحتلال الإسرائيلي وإفرازاته العملية، ومن جهة أخرى يهدف لتفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة من خلال تصويرها على أنها تعمل خارج نطاق مصالح الشعب الفلسطيني وإنما بأطر إقليمية كبرى، وأخيرا هندسة الحجج وإنتاجها لتبرير أي تصعيد إسرائيلي مستقبلي.
الجديد الذي يمكن أن يقال في موضوع العلاقة بين إيران والجهاد الإسلامي، هو أن الإيرانيين تعهدوا بالمشاركة عمليا في أي عدوان كبير تتعرض له غزة، من خلال الجبهات التي يتواجدون فيها أو يتواجد فيها حلفاؤهم. وهو ما لا يخفيه بعض القادة من كل الأطراف ذات العلاقة، فقد أشار النخالة في مقابلة مع فضائية إيرانية قبل أسابيع، إلى أن "حلف المقاومة" وضع خطة كاملة للدخول في مواجهة مع "إسرائيل" على كل الجبهات، في حال حاولت "إسرائيل" التفرد بجبهة معينة من جبهات الاحتكاك أو "التوتر". وليس مستغربا، أن تثير هذه المعلومات إذا ما وصلت للإسرائيليين وبالتأكيد وصلت، حفيظتهم ومخاوفهم وخطابهم.