الحدث
أثارت محاولة مجموعة من الشركات تغيير اسم رام الله وتشويهه بحجة الحفاظ على لفظ الجلالة قلق الكثيرين وانا منهم. وقد تسارعت ردود الأفعال على هذه الحملة غير الحميدة حتى بات جليا للجميع أن هناك من هو مستعد لفرض آرائه وتفسيراته الخاصة غير المستندة على المعرفة على المجتمع بأسره.
هذه الحملة هي كرة لهب ستحرقنا جميعا إذا لم نطفئها الآن ودون تردد. محاولة تحريف اسم رام الله بحجج تتستر بالدِّين تنذر بما هو أخطر فما الذي سيمنع هؤلاء من المطالبة بتغيير اسماء العائلات التي تتضمن لفظ الجلالة تحت ذات الذريعة؟ وبما أن كتب الفقه والمصاحف وغيرها تُطبع وتُخزّن في صناديق يمكن أن تلقى على الأرض أيضاً، فلا عجب أن يطالب هؤلاء بأن يعيّن حمّالٌ لكل صندوق ومراقبٌ على كل حمال حتى يطمئن هؤلاء أن المصاحف المخزنة في الصناديق لن تلامس الأرض. ثم أن كل أحرف الأبجدية تكتب بها أسماء الخالق، فما المانع إذاً أن نمنع الكتابة إلا إذا خضعت لرقابة هؤلاء؟ وبذات المنطق، لماذا لا نمنع طباعة الصحف والمجلات والكتب التي تحتوي على لفظ الجلالة والعلم والمعلومات التي يعتبر اكتسابها والحفاظ عليها أسمى طرق التقرب لله؟
لا يعقل أن يكون اسم مدننا وتاريخنا عرضة للتحريف والتشويه بهذه السهولة ودونما أي رادع. ولا يعقل أن نكون كمجتمع رهينة أهواء وتفسيرات تعكس فهماً قاصراً للدين والدنيا وعظمة الخالق. ما يحدث يمثل اعتداءاً على العقل وهو أهم وأعظم ما خلقه الله؛ وهبنا إياه لنفكر ونتأمل ونتطور وبذلك ندرك عظمة الخالق وما خلق.
مجتمعنا يواجه أزمة مصيرية تهدد هويته ومستقبله عنوانها الجهل والتشويش الفكري. وما يزيد الأزمة عمقاً هو عزوف المؤتمنين وذوي الاختصاص عن التصدي لمثل هذا الطرح. لم يصدر موقف رسمي واحد عن هذا الموضوع الذي أشعل خلافا حادا بين أبناء المجتمع الواحد وفتح الباب على مصراعيه لمن يتخذون من التجريح والتكفير والتهجم نهجا بدل الحوار العقلاني الراسخ في احترام الاخر. وحتى عندما سئل أهل العلم، اختلفوا في الرأي وزادوا الأمور تعقيداً فدافع المفتي عن اسم رام الله باعتباره لا يمثل مخالفة شرعية بينما عارضه الرأي مسؤول رفيع في وزارة الأوقاف. انعدام الرد الرسمي يعكس نأياً بالنفس غير مبرر وغير مسؤول. ننتظر من المختصين والمسؤولين الحسم في هذا الموضوع ومنع تحريف اسم هذه المدينة الجميلة الراقية والعريقة والتي تمتد جذورها الحضارية في فلسطين امتداد تاريخ هذه الارض الحبيبة. هذه المدينة اسمها رام الله وعرفها العرب والعجم بهذا الاسم وحكمها المسلمون وهي بهذا الاسم وهي جزء من ذاكرتنا الجمعية كشعب.
منذ نكبتنا عام ١٩٤٨ وحتى قبل ذلك، حرصت الحركة الصهيونية على ترسيخ قناعة عالمية بأن الفلسطيني لا ينتمي لشعب له هوية وحضارة وتاريخ خاص به وعمدت إلى تصويرنا باعتبارنا مجموعات وعائلات وقبائل مرت على هذه الارض وليس لها جذور فيها. عار أن نساهم بصمتنا أو تخاذلنا في ترسيخ هذا التشويه للتاريخ. عار أن ننشغل بنقاش يهدف لتشويه وتزوير اسم مدينة من مدننا بينما تشوه اسرائيل تضاريس ومعالم الوطن وتزرع في ثناياه مستعمرات بأسماء غريبة عن فلسطين وتاريخها. الأجدر أن ينتفض هؤلاء لهضاب وأحياء القدس التي يعيث فيها المحتلون استعماراً وتزويراً.