الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الزخرفة فولكلور الفلسطيني أكثر من قيمة "جمالية" و"تزيينية" و"رمزية"!

2019-02-14 10:23:16 AM
الزخرفة فولكلور الفلسطيني أكثر من قيمة
الزخرفة في قبة الصخرة و المسجد الأقصى في فلسطين

 

الحدث الثقافي 
تعد الزخرفة من أكثر جماليات الفولكلور الفلسطيني حضوراً في الحياة الفلسطينية. وتعود جذورها إلى أقدم الحضارات الفلسطينية؛ فقد استخدمت لتجميل الحياة منذ عدة آلاف من السنين قبل الميلاد؛ أي منذ حضارة الأجداد الكنعانيين العرب؛ فقد ظهرت بأشكالها البدائية على الأواني الفخارية التي كانت تستخدم لتخزين الزيوت التي اشتهرت بها فلسطين، ثم شملت مختلف الأواني، وأخذت طريقها إلى الأزياء الشعبية بما في ذلك أزياء الرجال والأطفال، واتسعت رقعتها فيما بعد لتشمل العمارة والصناعة والفن الشعبي. وهكذا أصبحنا نرى الزخرفة على جدران المباني وصفحات الكتب والنسيج والخزف والنحاس والخشب وغيرها.
ولم تستخدم الزخرفة كجمالية على صلة بالمنفعة "تزيين وتجميل الصناعات اليدوية والعمارة" فقط؛ بل استخدمت أيضًا كرموز تعبيرية ارتبطت بالعادات والتقاليد والمعتقدات والمقدسات منذ عصر الأساطير إلى فجر الحضارة الإسلامية مروراً بالمسيحية.
وتؤكد الدراسات والبحوث الأثرية والجمالية أن المسيحية قد استعارت جماليات الفولكلور الفلسطيني ولم تطمسها؛ فعلى سبيل المثال: يمكن أن نشير إلى الزي الرسمي للبابا، والذي يقترب إلى حد كبير من الأزياء الكنعانية بتكويناته وزخارفه؛ وحين انتشر الإسلام لم يبدل في الزخارف، وظلت حافظة هويتها الفلسطينية؛ وهذا يعني أن نميز بين الزخرفة العربية والزخرفة الإسلامية.
وللزخرفة حضورها المتميز عبر مختلف قنوات الفولكلور الفلسطيني، فهناك الزخرفة على جدران المباني، والزخرفة في الكتب، والزخرفة على الازياء والسجاد والبسط، والزخرفة على الأدوات النحاسية والخشية والخزفية.. . الخ
أخذت الزخرفة في الفولكلور الفلسطيني أكثر من قيمة "جمالية" و"تزيينية" و"تعبيرية" و"رمزية"؛ أي إن وظائفها ودلالاتها ومعانيها قد تنوعت؛ ما يؤكد أخيراً أصالتها في تجذرها في الحياة الفلسطينية واستمراريتها عبر مختلف الأجيال والعصور.
لقد استخدمت الزخرفة في الفن الفلسطيني المعاصر في مختلف المراحل، من تجارب الرواد والأوائل مرورا بتجارب جيل الستينات "جيل الثورة"، بحيث يمكن أن نتحدث عن اتجاه زخرفي للفن الفلسطيني ضمن الاتجاهات التراثية السائدة، وحين نستخدم مصطلح "اتجاه زخرفي" فهذا يعني مدى تأثير الزخرفة في الفن الفلسطيني؛ فقد شكلت التجارب الفنية المعنية باستخدام الزخرفة -وعلى اختلاف أساليبها وتقنياتها- اتجاهًا من أكثر اتجاهات الفن الفلسطيني المعاصر إشكالية؛ فقد تنوع الإنجاز كتعبير؛ فكشف عن التباين في الرؤية. وهذا لا يعني أن اشكالية التعبير تكمن في هذا العنصر الجمالي الفولكلوري؛ بل في طريقة معالجتنا، وفي مواقفنا ورؤيتنا، وقدراتنا التشكيلية والتعبيرية والأهداف التي ننشدها؛ ذلك أن «الزخرفة» يمكن أن تكون «تزيينا» بمفهوم الديكور ويمكن أن تصبح تعبيرا عن واقع، وعن حدث أو فكرة أوقضية، وقد استطاع البعض أن يشحن الزخرفة بطاقات تعبيرية لا حدود لها؛ وقام بعضهم بتوظيفها توظيفًا رمزيًا؛ أي بما يتلاءم مع المحتوى الذي يستدعي شكله، والعلاقة، بالتأكيد، علاقة جدلية. وفي بحثنا في هذا الاتجاه لن نحيط بكل ما ظهر من أعمال، لكننا سنتناول نماذج تمثل الاتجاه خير تمثيل، وسنقف عند التجارب التي أكدت على الزخرفة في كل ما طرحته من موضوعات.
في مطلع الخمسينات؛ كانت "التسجيلية" الصيغة السائدة في تجارب الرواد، وحين تناولوا موضوعات النكبة استخدموا الخيام والعائلات المشردة، وعملوا على تسجيل مظاهر الواقع بما في ذلك الازياء الشعبية المتميزة بتكويناتها وزخارفها الفلسطينية؛ وهكذا ظهرت الزخارف الفلسطينية في اللوحات التي استمدت موضوعاتها من الحياة الشعبية.
وإذا أردنا أن نتحدث عن الجانب التسجيلي في الاتجاه الزخرفي للفن الفلسطيني، يمكن أن نذكر تجربة الفنان عبد الرحمن المزين الذي قام بتسجيل زخارف الأزياء الفلسطينية بمنتهى الدقة، مستخدماً أزياء مختلف المناطق الفلسطينية؛ وتحققت تسجيلته كنتيجة لدراسته الفولكلور الفلسطيني دراسة جمالية تاريخية، ورغبته في ربط الحاضر بالماضي لتأكيد الهوية الفلسطينية تاريخيًا. وقد وصل في بحثه إلى الزخارف التي استخدمها الكنعانيون؛ فقام بتصويرها وتسجيلها وعبر موضوعات متنوعة مستقاة من متغيرات الحياة الفلسطينية من النكبة إلى الثورة. واستمرت التسجيلية في نتاج بعض الفنانين إلى مطلع الثمانينيات لأسباب لعل أهمها: الحرص على تسجيل وتوثيق هذه الجماليات خوفًا عليها من الضياع، وكرد على محاولات الكيان الإسرائيلي الدخيل تزويرها وطمس معالمها، خصوصيتها، ونسبها إليه.
ثم أخذت الزخرفة في الفن الفلسطيني المعاصر ما هو أبعد من القيم التسجيلية؛ وذلك حين عمل الفانون على توظيفها توظيفاً تعبيريا ورمزياً يخدم مختلف المضامين التي طرحوها.
وتمثل تجربة الفنانة سمية صبيح إحدى التجارب التي أعطت للزخرفة الفلسطينية أهمية خاصة في كل ما أنجزته من أعمال "تصوير زيتي". لقد عملت في البداية على تسجيل الزخارف عبر الثوب الفلسطيني. ورغم إمكانياتها التقنية والتشكيلية المتواضعة، إلا أنها استطاعت، عبر الاستمرارية في الانجاز واستخدام الوحدات الزخرفية، أن تصل إلى معالجة جديدة حققت لها الأبعاد التعبيرية والرمزية؛ فلم تعد الزخرفة في لوحاتها مجرد جمالية؛ بل أصبحت عنصراً تعبيرياً نراه في مساحات الأرض والجبال والأشجار وكتل الطيور والحيوانات ومختلف الأشياء، حتى السماء فرشتها بالزخارف الفلسطينية. وهكذا تجاوزت المسألة التسجيلية لتقول عبر المعالجة الزخرفية للواقع: إن الأرض فلسطينية، والأشجار فلسطينية، والمنازل فلسطينية، والسماء فلسطينية؛ وأعطت لعالمها الزخرفي الجديد ما هو شاعري؛ وذلك حين عالجت الزخارف معالجة لونية غنائية؛ وبذلك حققت محتوى الحنين وعشق الوطن والتوحد بجمالياته.
وأخذت الزخرفة عدة أبعاد في تجربة الفنان عبد المعطي أبو زيد، فحين استخدمها في الزي الشعبي؛ أراد الهوية الفلسطينية لعناصره الانسانية، وخاصة المرأة، وحين صاغها كخلفية لهذه العناصر؛ أشار إلى الجذور الأصيلة لشعبنا الفلسطيني؛ إلا أن الاستخدام المتميز الذي انفرد به «عبد المعطي» يكمن في تصويره الزخارف الي جانب المقاتلين والعمل على أنسنتها، بحيث نحس بأنها تشارك المقاتل فعله الثوري. وهكذا يمكن أن نقول بأننا أمام زخرفة مقاتلة «إن جاز لنا التعبير»، وعلى صعيد آخر؛ تبدو الزخرفة وهي تشكل الخلفية الحضارية التي تحمي المقاتلين وتربطهم إلى أرضهم وتراث أجدادهم في آن واحد.
أما الفنان كمال بلاطة؛ فقد انطلق من الزخرفة كقيمة تشكيلية تراثية تحقق لعناصره الإنسانية المقاتلة هويتها الفلسطينية المتميزة، ثم تطور باتجاه استخدام الكتابة العربية والزخرفة. وبصورة أدق: استخدم الكتابة العربية استخداماً زخرفياً، وتميز في الموضوعات التي عالجها كما في صيغة التعبير، الصيغة التي نرى جذورها الفنية في جمالية "الأرايسك"، الجمالية التي تعني لا نهائية الحركة، حركة الزخرفة ، حركة الخط واللون؛ ففي لوحة تحت عنوان "الثورة" استخدم الكلمة "الثورة" استخداماً زخرفياً تعبيريا رمزيا؛ فقام بتكرار رسم "الكلمة" على شكل زخرفي لانهائي الحركة، للدلالة على استمرارية الثورة.
وتنوعت الأفكار والمضامين بتنوع الرموز الزخرفية واستخداماتها المختلفة في تجربة الفنان سليمان منصور. والشيء المتميز هو امكانيته التشكيلية الكبيرة وقدرته على شحن الزخارف بطاقات تعبيرية، بحيث تتحول الزخرفة إلى تعبير، تمامًا كما العناصر الواقعية التشخيصية. وهكذا تميز الاتجاه الزخرفي في الفن الفلسطيني عبر المضامين والأفكار؛ فلم تعد الزخرفة وسيلة لترجمة موقف جمالي؛ بل أصبحت تعبيراً عن قضية.


المصدر: صوت فلسطين/ وكالة وفا