الحدث – ياسمين أسعد
خلصت دراسة كمية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من الناحية الاقتصادية، أن الوضع الاقتصادي في فلسطين يتناسب طرديا مع زيادة حدة أعمال المقاومة، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأكدت الدراسة التي عنوت بـ"أبعاد اقتصادية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، للباحثين سامي ميعاري، وبلال فلاح، أن قضايا التشغيل والأجور وارتفاع مستوى التعليم شكلوا كابحا ضعيفا للعنف في المنطقة، وأن العنف الفلسطيني ليس سببا في العنف الإسرائيلي بل نتيجة له، وهذا ما يتوجب علينا استخدامه قي المحافل الدولية، واستغلاله لفضح ما تدعيه إسرائيل "إجراءات أمنية".
وفي هذا السياق، قال الباحث بلال فلاح خلال عرض الدراسة في معهد ماس، إن "الدراسة بحثت مدى تأثير التطور في النشاط الاقتصادي على تصاعد وتيرة العمليات ونشاطات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف الباحث وهو محاضر في جامعة البوليتكنيك لـ"الحدث" أن الهدف من الدراسة يكمن في إمكانية استخدام النظريات الاقتصادية في تفسير النشاط النضالي ضد الاحتلال، وهذا ما تمكنت الدراسة فعلاً من اثباته".
وحول أبرز المحاور التي شملتها الدراسة، قال فلاح إن "البحث يدرس التأثير في توسع القطاع العام في الاقتصاد الفلسطيني خلال الانتفاضة الثانية، حيث شكّل آنذاك البديل التوظيفي في ظل ارتفاع معدل البطالة، الأمر الذي أثر في ازدياد وتيرة الانتفاضة".
وعن النتائج الأسمى للبحث، بيّن الباحث أن "النتجة كانت مفاجئة لأنها جاءت على عكس ما هو متوقع نظريا، النتيجة كانت ايجابية في مساهمة النشاط الاقتصادية في زيادة المقاومة والسبب الأساسي وفقا للبحث، هو توسع القطاع العام الذي زاد من صمود المواطنيين وشكل البديل الاقتصادي الذي حمى الاقتصاد الفلسطيني في ظل انخفاض مستواه، ومنع انهياره كان النتيجة الأساسية لأن القطاع العام والعوائد التي كانت تجري منه عززت لحد كبير من صمود المواطنين وارتفاع وتيرة النضال والمقاومة.
وفي سؤال لمراسلة "الحدث" عن مدى فعالية النشاط الاقتصادي على تطور أدوات المقاومة الفلسطينية، قال فلاح: "للأسف أن جودة البحث وتحقيق أهدافه يعتمدان على الأسلوب وتوافر البيانات اللازمة؛ وهذه مشكلة كبيرة واجهتنا خلال الدراسة من محدودية البيانات التي كان من المفترض أن تشمل الصراع من كافة جوانبه".
وحول أهمية الدراسة وكيفية توظيفها، قال الخبير الاقتصادي في البنك الدولي الباحث سامي ميعاري إن "أهمية الدراسة تكمن في قضية وقف عمليات الاستيطان والاستيلاء على الأراضي، خاصة أننا نعلم أنها أراض تابعة للفلسطينيين، وعمليات الاستيلاء غير قانونية كما وصفتها المحكمة الدولية، وبذلك هذه الأراضي تتبع بملكية كاملة للفلسطيين، كما وأن سياسة الاستيطان تشكل فعليا العائق الأساسي في تعطيل استمرار المفوضات وإحلال السلام".
وأضاف: "من شأن الدراسة مساعدة أطراف الصراع والمجتمع الدولي على حد سواء، في صنع خيارات مدروسة حول الجهات التي يجدر دعمها في سبيل النهوض بأجندة السلام".
وأشار الباحث وهو محاضر في جامعة تل أبيب، إلى أن الدراسة توصي المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل من أجل إيقاف الاستيطان على الأراضي الفلسطينية لأنها الوسيلة الأمثل لحل الصراع واحلال السلام في المنطقة، أما السلطة الفلسطينية فنأمل أن تأخذ مثل هذه الدراسة على محمل الجد وتنقل تلك المعطيات للمحافل الدولية لما لها من أهمية في دعم الموقف الفلسطيني هناك، وتوثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي أمام العالم.
من جهته، قال مدير معهد البحوث الاقتصادية "ماس" سمير عبد الله لـ"الحدث": إن الدراسة بأوراقها الثلاث ترمي من ناحية تطبيقية إلى محاولة لقياس بعض المؤشرات التي لها علاقة بالمواجهات الفلسطينية مع الاحتلال، وربطها بالوضع الاقتصادي الفلسطيني كقضية التشغيل والأجور وغيرها، وتحصيل نتائج مفاجئة وغير متوقعة تبعاً للنظريات الاقتصادية".
وناقشت الدراسة "أبعاد اقتصادية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية والدور الذي حققته في التأثير على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسلّطت الضوء على السياسات الاستيطانية وانعكاساتها على مواقف الفلسطينين تجاه الصراع.
وفيما يتعلق بالجزء الأول من الدراسة الذي ركز على العلاقة بين عوامل النشاط الاقتصادي وازدياد وتيرة الصراع والعمليات النضالية أو تناقصها، في فترة الانتفاضة الثانية عام 2000 حتى عام 2004، آلت النتائج إلى أن أسواق العمالة الفلسطينية تعرضت لصدمات اقتصادية سلبية في الانتفاضة الثانية الأمر الذي رفع من مستويات العنف وشكل محفزاً للمقاومة. حيث أن تقليص التشغيل في القطاع الخاص، والقيود التي فرضها الاحتلال على العمالة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة أدت إلى التراجع في الدخل وبالتالي تزايد الانخراط في الصراع.
وأوضحت الدراسة أن تزايد معدل التشغيل في القطاع الخاص شكّل كابحا ضعيفا لعمليات العنف، وفي الوقت الذي خشي فيه موظفو القطاع الخاص من فقدان وظائفهم، ارتبط التشغيل في القطاع العام بمشاركة أكبر بالصراع خلال الانتفاضة الثانية.
ووفقاً للدراسة، فإن الفترة الحالية التي تبعت الانتفاضة الثانية لم يكن للتشغيل في القطاع الخاص أو العام سوى تأثير ضئيل على عمليات العنف المتواصل، بل كان التأثير الأبرز لعوامل غير اقتصادية.
أما الورقة البحثية الثانية؛ تناولت مدى تأثير سياسة الاستيطان الإسرائيلية على الموقف الفلسطيني على امتداد الخمسة عشر عاما الأخيرة، التي من أبرز نتائجها أن إقامة المستوطنات وتوسيعها وكذلك مصادرة الأراضي، وممارسات المستوطنينن العنيفة ضد الفلسطينين، عززت من تطرف المواقف الفلسطينية تجاه الصراع، كما أنها أثرت على نسب التصويت في الانتخابات التشريعية عام 1996 وعام 2006، حيث تضاءلت نسبة التوصيت لـ "فتح" في الفترة الثانية لصالح "حماس".
وأوضحت الدراسة أن التشغيل في إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية ساعد في التخفيف من حدة التذمر لدى الفلسطينيين، تحديداً أن التشغيل قلص من دعم الأعمال المسلحة ضد أهداف الاحتلال الإسرائيلي في صفوف الفلسطينيين.
أما فيما يتعلق بإقامة جدار الفصل العنصري، بيّنت الدراسة أنه شكّل الرابط الأقوى مع العنف في الفترة ما بعد الانتفاضة، حيث ولّد موجات من الاحتجاجات والمظاهرات لمعارضي الحل السلمي للصراع.