الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كوشنر ومعالم صفقة القرن / بقلم: ناجح شاهين

2019-02-16 09:10:57 PM
كوشنر ومعالم صفقة القرن / بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

 


أعرب الرئيس ترامب أكثر من مرة عن دعمه للمستوطنات الإسرائيلية، ومعارضته لقرار مجلس الأمن 2334 الذي يشير إلى عدم شرعية الاستيطان في الضفة الغربية. فضلاً عن ذلك يبدو أن نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس، والموافقة على التوسع الاستيطاني قد تكون علامات واضحة على أن ترامب يوافق على فكرة إسرائيل الكبرى. ومن الجلي للعين أن حكومة ترامب قد وصلت إلى موقف مفاده أن قرارات مجلس الأمن 242 و 338 قد أصبحت "كادوك، أوت ديتد" وأن الدهر قد أكل عليها وشرب.

وهكذا تم تفويض صهر الرئيس الشاب القليل الخبرة في السياسة بتولي ملف الصراع "الإسرائيلي/العربي." جاريد كوري كوشنر رجل أعمال ومستثمر أمريكي يهودي. وهو المالك الرئيس لشركة «كوشنر بروبرتي» وصحيفة «نيويورك أوبزيرفر»، التي اشتراها في العام 2005 وهو نجل رجل الأعمال البارز في قطاع العقارات تشارلز كوشنر، كما أنه متزوج من إيفانكا ترامب، ابنة رجل الأعمال دونالد ترامب الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة. ولد الشاب في العام 1981، وهو ما يؤشر إلى أنه ما يزال صغيراً بالقياس إلى لعبة السياسة الأمريكية ناهيك عن الصراعات المعقدة خارج الولايات الممتحدة مثلما هو الحال مع القضية الفلسطينية.

كان جاريد منذ نعومة أظفاره موالياً للحزب الديمقراطي، ولم يتغير هذا الوضع إلا مع دخول صهره ترامب معترك السياسة منذ وقت قصير. وقد تبرع الفتى بما يزيد على عشرة آلاف دولار لحملات الانتخابات للحزب لديمقراطي بدءاً من الزمن الذي كان عمره فيه لا يتجاوز 11 سنة.

وفي العام 2008 ساند هيلاري كلينتون وتبرع لها، ثم ساند باراك اوباما ضد جون ماكين، وحتى العام 2014 كان ما يزال يتبرع للحزب الديمقراطي. ولكنه انحاز بشكل تام لصهره عندما رشح نفسه للرئاسة في العام 2015 ودخل في حملته الانتخابية واقتحم ميدان السياسة مشاركاً بنشاط وفاعلية كأنه رجل سياسة مخضرم، مع أنه لم يسبق له أن كان على اتصال بالسياسة الفعلية أبداً. وذلك يعني أنه انطلق من الصفر ليتسلم من والد زوجته منصباً رفيعا، هو منصب كبير مستشاري البيت الأبيض، وملفاً ضخماً جداً هو ملف "الشرق الأوسط."

نشط الشاب في عمله، وأعد بإلهام من قريبه ترامب وبالتعاون مع جيسون غريينلات خطة "جريئة" على ما يبدو لحل/تصفية القضية الفلسطينية في سياق "تفاهم" إقليمي واسع. ويبدو أن نقطتي الارتكاز السياسي في خطته هما الانتهاء من حق العودة، والاحتفاظ بالوضع القائم جغرافياً في مناطق الضفة. بالطبع نستطيع أن نتخيل أن كل مما تتمكن إسرائيل من قضمه، يصبح وفق هذه الرؤية حقاً مشروعاً لها.

نشطت الخطة مطلع هذا العام بعد خمول دام قرابة السنة. فقد أعلن البيت الأبيض بأن كبير مستشاريه جاريد كوشنر ومبعوث الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، سيزوران خمس دول عربية على الأقل هي: قطر والسعودية والبحرين والإمارات وسلطنة عمان نهاية شباط الجاري. وتهدف الزيارة التي ستستغرق أسبوعا إلى اطلاع الأطراف العربية على الجزء الاقتصادي من الخطة المقترحة لعملية السلام المعروفة باسم "صفقة القرن،" وحشد الدعم لها.

ويبدو أن كوشنر وغرينبلات لن يطلعا الدبلوماسيين العرب على "المكون السياسي" لخطة السلام الذي يشمل القضايا الأساسية في النزاع المستمر منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين.

وهذا ما يشير بوضوح إلى ان الأمريكيين ما زالوا يتخوفون من أن تسبب الصفقة صدمة لدى الجانب العربي، وإن يكن هذا الجانب هو الخليج الذي يبدي الكثير من الانفتاح على الدولة العبرية بغرض تشكيل تحالف معاد لإيران.

في هذا السياق يبدو أن الجزء المغري من الخطة هو مقدمتها الاقتصادية المتوقع أن تشمل مزيجا من الهبات والاستثمارات لمساعدة الشعب الفلسطيني، ودول أخرى مهمة مثل مصر والأردن.

وكان الأمريكيون قد أعلنوا أكثر من مرة أن خطتهم لن ترضي "أذواق" الجميع. ولذلك فليس من المدهش بالنسبة لهم أن يرفضها الرئيس الفلسطيني وغيره من القادة الفلسطينيين، ولكن المسؤولين في البيت الأبيض يأملون أن يتغير ذلك. ويعولون على ما يبدو على الدعم الخليجي والإغراء المالي على السواء. وقال أحد المسؤولين "نأمل أن يقرأ عباس الخطة، وأن يحكم عليها بصورة موضوعية، وأن يجلس إلى الطاولة لإجراء المفاوضات بعد أن نعلن الخطة، شعبه لا يستحق شيئا أقل" من ذلك. لكن في حال ظل عباس متمنعاً فإن المسؤولين الأميركيين يعقدون اجتماعات في الوقت ذاته مع فلسطينيين "من المشارب المختلفة" لإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة. ولعل من الأشياء ذات الدلالة في الخطة أن كوشنر تحدث عن العمل على مساعدة شعب غزة عبر تطوير الوضع هناك. وبهذا المعنى يلعب الرجل بحذق على الانقسام الفلسطيني معتبراً أن ملف الضفة ليس هو هو ملف غزة.

والواقع أن كوشنر قد تحدث صراحة عن أن الفلسطينيين منقسمون بالفعل، وأنه يتعامل معهم على هذا الأساس. لكنه أشار بثقة تذكر بوعود "سنغافورة" عشية "أسلو"، إلى أن الفلسطينيين قد يصبحون من "قادة العصر الصناعي القادم" بفعل وصول عدوى التقدم إليهم من إسرائيل إليهم، ومن ناحية أخرى سوف ستترابط المنطقة بفعل التعاون بين فلسطين و"سيليكون فالي" اسرائيل.

من الواضح أن رؤية شمعون بيرس يتم استعارتها هنا بحرفيتها، لتتكرر الأكاذيب البيرسية حول الجيران السعداء في سنغافورة غزة وهونغ كونغ رام الله. ومرة أخرى يعول على الخليج لكي يقدم المال للفلسطينيين والإسرائليين على السواء.

من الناحية السياسية يدعو كوشنر الفلسطينيين الى الانضمام لخطة السلام التي يبدو أن أهم جانب فيها هو التنازل عن حق العودة (أليس ذلك ما فعله الرئيس عباس في خطابه الموجه الى الشبان الإسرائيليين؟) كذلك هناك دولة فلسطينية في غزة وحكم ذاتي في بعض مناطق الضفة. وفي هذا السياق حذر وزير الخارجية الروسي لافروف يوم الثلاثاء في مؤتمر اختتام الحوار الفلسطيني في موسكو من أن صفقة القرن ستجب ما قبلها، وستلغي فكرة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وتقوض جهود روسيا ودول أخرى الرامية إلى تطبيق حل الدولتين. لكن ماذا يقترح لافروف على الفلسطينيين؟ قبل عام أخبرنا لافروف أن الفلسطينيين قد قدموا تنازلات كثيرة خلال السنوات الأخيرة، ولكنهم لم يحصلوا على أي شيء مقابل ذلك. بالطبع أراد لافروف من ذلك أن يستنتج بأن الفلسطينيين يجب "أدبياً" و "منطقياً" وربما "أخلاقياً" أن يحصلوا على "ثمن" لقاء تنازلاتهم.

سلامة فهمك لافروف. إن كنت جاداً فيما تقول فلا بد أنك مخطئ تماماً: التنازلات لا تحقق إنجازات في أي نوع من أنواع الصراع. التنازلات المجانية تظل مجانية، بل إنها تدفع "طرف" الصراع الاخر إلى تصليب مواقفه، وربما الى التراجع عما كان قد قبله أو "تنازل" عنه سابقاً. هكذا قادت التنازلات الفلسطينية التي يتحدث عنها لافروف إلى تشكيل قناعة تامة في السياسة "الإسرائيلية" والأمريكية بأطيافها المختلفة بأن الوقت ربما يكون قد حان لاستكمال ما لم يستكمل في 1948، ونعني بذلك الاتجاه نحو التطهير الكامل لفلسطين. التنازلات هي التي أدت إلى "رفس" الدولة العبرية لاتفاقيات "أوسلو" التي يظن بعضنا اليوم أننا من يريد إلغاؤها. اتفاقيات "أوسلو" أصبحت "سيئة" وغير منصفة للدولة العبرية باعتبار ميزان القوى الراهن وقدرة هذه الدولة على إنجاز اتفاقية جديدة اكثر عدلاً أو فرض الواقع "العادل" على الأرض الفلسطينية بالقوة.

من ناحية أخرى فإن من المؤسف القول إنه على الرغم من كلمات الوزير الداعمة لفلسطين، إلا أنه ليس مستعداً لفعل شيء عملي فيما الملف الفلسطيني. ويرجع ذلك إلى أن روسيا تتمتع بعلاقات طيبة مع إسرائيل ليس من السهل تفسيرها، لكن يمكن الإشارة بالطبع إلى الشراكة الروسية الإسرائيلية في محاربة "الإرهاب الإسلامي،" وكذلك كون نسبة تقترب من خمس سكان إسرائيل حالياً من اليهود الروس، بل إن نسبة من هؤلاء هم من المسيحيين الروس الأرثوذكس.

ولا بد أن هذا كله يلقي بظلاله على حدود الموقف من إسرائيل التي تبدي السياسة الروسية تجاهها تسامحاً واضحاً يجعل مشروعها في سوريا ناهيك عن فلسطين متوتراً وقلقاً ومتردداً. وقد بين كوشنر أن الخطة ستضمن أمان الشعب الاسرائيلي ومستقبلهم المزدهر ولكنها ستعطي الفلسطنيين فرصة حقيقية وأملا حتى يتمكنوا من العيش حياة أفضل، مركزاً على أن حياة الناس في غزة والضفة حاليا غير مقبولة، وأن هناك الكثير مما يمكن فعله لدعمهم .

إذن لا يتجاهل كوشنر معاناة الفلسطينيين ويفكر في تحسين أوضاعهم المعيشية. والحقيقة أن ح وكان ترامب قد بين أنه بينما يحب كوشنر إسرائيل فإن ذلك لا يعني انه لن يكون عادلاً مع الفلسطينيين. لكن هذه العدالة بشقيها إنما تستند إلى "الكرم العربي الأصيل" لأن الدول العربية ستدفع 250 مليار دولار تعويضاً لليهود عن الأملاك التي فقدوها في سياق حرب "الاستقلال،" بينما يتوقع أن ينال الفلسطينيون مئة مليار دولار، ولا بد من وصول بعض المال إلى الأردن ومصر بسبب دورهما الهام في نجاح الصفقة. ومعنى ذلك أن خطة كوشنر في حقيقتها هي تصفية للقضية الفلسطينية لقاء ثمن مالي تدفعه دول النفط العربية، وهو ما استغرب الكاتب الإنجليزي المشهور روبرت فيسك من تفاهته مبيناً أن الفلسطينيين لا يمكن أبداً أن يوافقوا على التفريط بحقوقهم السياسية الأساسية مقابل بعض المنافع المادية الفجة.