الحدث الثقافي
عرفت فلسطين العروض السينمائية منذ بداية القرن الماضي؛ حيث تشير الكتابات التاريخية إلى أن أول دار عرض سينمائي ظهرت في فلسطين هي "أوراكل"، وذلك في مدينة القدس عام 1908م. وفي عهد الانتداب البريطاني، شهدت فلسطين زيادة ملحوظة في ظهور دور العرض السينمائي، بالتزامن مع صدور القانون الخاص بالأشرطة السينمائية عام 1927، وكان يتضمن تعليمات بشأن شروط العرض والرقابة واستيراد الأشرطة السينمائية والدعاية للعروض.
وفي الثلاثينات، انتشرت في المدن الفلسطينية الرئيسية مجموعة من صلات السينما المجهزة التي كانت تعرض الأفلام التجارية المصرية بشكل خاص على الجمهور؛ حيث عرضت أفلاماً عربية وأجنبية، ناطقة وصامتة. وكانت في القدس صالات عديدة منها: صالة ركس، وأديسون، وأوريون، وريون؛ وفي حيفا: سينما الكرمل، ويافا، وعين دور، وآرمون؛ وفي يافا سينما الحمراء، وفاروق الصيفي، ونبيل، وسينما الشرق، وسينما رشيد، وسينما أبولو؛ وفي عكا: صالة الأهلي، وسينما البرج.
سعت حكومة الانتداب البريطانية في تلك الفترة عبر قوانينها الصارمة إلى منع أي نشاط سينمائي يمكن أن يعطي صورة عن فلسطين وما يجري فيها بشكل لا يتوافق مع وجهة النظر السائدة في الغرب، والتي كونتها النزعة الاستشراقية المرتبطة بالاستعمار من جهة، والدعاية الصهيونية الناشطة آنذاك من جهة ثانية.
وبالرغم من وجود ظاهرة العروض السينمائية في وقت مبكر نسبياً في فلسطين، لم يقدر للسينما أن تتحول إلى ظاهرة ثقافية اجتماعية ومن أسباب ذلك:
1- سيادة بعض المفاهيم الاجتماعية والأخلاقية التي كانت ترى في ظاهرة السينما بدعة غربية مفسدة للأخلاق.
2- قوانين الانتداب البريطاني التي ضيقت الخناق فيها على صناعة ودور السينما الفلسطينية.
3- حالة الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي والأمني وسوء الاحوال المادية، التي أسهمت في غياب الوعي الجماهيري بأهمية السينما.
في اعقاب نكبة 1948 حل بدور العرض السينمائي ما حل بالشعب الفلسطيني نفسه، فقد غابت السينما عن الحياة لفترة زمنية طويلة.
وفي عام 1967 تلقت ضربة أخرى لم تستطع معها أن تستعيد أنفاسها إلا في أواخر السبعينات ومطلع الثمنينيات. وتمركزت صالات العرض السينمائي خلال هذه الفترة في كبريات المدن الفلسطينية؛ ففي مدينة القدس كانت سينما النزهة، والحمراء؛ وفي مدينة جنين كان هناك سينما جنين، وسينما الهاشمة؛ وفي نابلس سينما العاصي، وغرناطة، وروفلي؛ وفي رام الله سينما الوليد، ودنيا والحمراء؛ وفي طولكرم سينما الأندلس، والفريد؛ وفي مدينة بيت لحم سينما بيت لحم، وسينما الأمل ؛ وفي قطاع غزة سينما السامر" الخضراء" ، والجلاء، والنصر، وعامر في مدينة غزة وسينما صابرين والسلام والحريّة في مدينة رفح، والحريّة في مدينة خانيونس، وسينما الشاطئ بالقرب من معسكر الشاطئ للّاجئين.
بعد عام 1967 ضيقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الخناق على دور العرض السينمائي؛ ما اضطر العديد منها في مدينة القدس إلى إغلاق أبوابها؛ في حين اتجهت معظم دور العرض السينمائي في باقي المدن الفلسطينية لعرض الأفلام الاجنبية التي لا تتوافق مع ثقافة شعبنا، مبتعدة عن تقدم العروض التي تتناول تاريخه وحاضره وقضاياه المصيرية؛ لتحمي نفسها من اجراءات الاحتلال، ولتجني الارباح المادية باعتبارها مؤسسات ملكية خاصة؛ ما دفع أبناء الشعب الفلسطيني إلى مقاطعتها وفي مقدمتهم الفئة المثقفة.
وفي أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م، تعطلت دور العرض السينمائي في كافة المدن الفلسطينية لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية؛ فتحول معظمها الى صلات للأفراح وقاعات للاجتماعات، أو كراجات أو أغلقت أبوابها أو هدمت لتختفي عن الوجود، كما حدث لبعضها في قطاع غزة.
لم يؤدِّ إغلاق دور العرض السينمائي إلى هجرة السينما والأفلام؛ حيث ظهرت في الضفة وغزة والقدس أندية ومراكز ثقافية متعددة تعرض الأفلام حديثها وجديدها، مثل: "مركز بلدنا"، و "مركز الفن الشعبي"، وصالات أخرى واظبت على عمل عروض سينمائية حديثة، وأسابيع ومهرجانات تكاد تكون شهرية ومتواصلة. وفي غزة تمت العديد من العروض في مواقع ومراكز متعددة، مثل: "مركز الشوا"، وأندية شبابية ومراكز ثقافية أخرى؛ وفي القدس قدم العديد من العروض السينمائية لتغطية العجز في دور العرض في مسرح الحكواتي. ومن جهة أخرى، تم تداول أشرطة الفيديو والـ (دي في دي) كأدوات بديلة وتعويضية.
في مطلع العام 2000، وبعد إغلاق دام 13 عامًا، بدأت بعض دور العرض السينمائي تستعيد أنفاسها، أو تولد من جديد، خاصة في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية، لتأخذ مكانها الطبيعي ودورها الطليعي في عروض تليق بثقافة وواقع الشعب الفلسطيني؛ لكن هذه العودة لم تستمر طويلًا؛ إذ تعرضت بعض دور السينما، لا سيما التاريخية منها، لضربة موجعة تمثلت بهدم مبانيها العريقة، لتعلو مكانها الأبراج والمراكز التجارية؛ فقد هدمت سينما بيت لحم، وشيد مكانها عام 2007 مركزًا تجاريًا؛ وهدمت سينما جنين نهاية عام 2017 رغم إعادة ترميمها 2010، لينشأ مكانها مجمعٌ تجاريٌ حديث؛ وكذلك الحال هدمت سنما العاصي في مدينة نابلس عام 2017 لصالح مشروع تجاري.
ويمكن تقسيم أبرز دوار العرض السنمائي الفلسطينية إلى أربع فئات، حسب واقعها، وهي:
1- دور عرض سينمائي قائمة ومغلقة: مثل سينما روفلي في نابلس، والهاشمية في جنين، والأندلس في طولكرم، وسينماتيك ومسرح القصبة (سينما الجميل سابقًا) في رام الله، وسينما سامر وسينما عامر وسينما النصر في غزة.
2- دور عرض سينمائي قائمة وتستغل في مجالات أخرى: "مجمعات تجارية وقاعات أفراح ومناسبات أخرى" مثل سينما الأمل في بيت لحم، والفريد في طولكرم.
3- دور عرض سينمائي هدمت مبانيها وأقيم مكانها مشاريع استثمارية مثل: سينما جنين في مدينة جنين؛ وسينما العاصي في مدينة نابلس؛ وسينما بيت لحم في مدينة بيت لحم؛ وسينما دنيا في مدينة رام الله؛ وسنما الوليد في مدينة البيرة.
4- دور عرض سينمائي عاملة: ومن أهم دور العرض السينمائي العاملة في فلسطين نهاية 2017:
- سينما سيتي:
تقع وسط مدينة نابلس في مجمع بلديتها التجاري، افتتحت في 20 حزيران 2009م، بتكلفة بلغت 2 مليون دولار، وهي متطورة جدًا تواكب تطور السينما العالمية، وتتسع، كمرحله أولى، إلى 175 شخصًا، بدأت سينما ستي بعرض الأفلام بالتقنية ثلاثية الأبعاد "3D"، التي تعد أحدث التقنيات التي توصل لها العلم الحديث في مجال السينما وصناعة الأفلام؛ وتستخدم كاميرات خاصة من أجل تصويرها، ونظارات خاصة عند مشاهدتها.
- سينما البرج:
افتتحت إدارة برج فلسطين التجاري عام 2014 ست دور عرض للسينما في الطابق الأرضي من مبنى برج فلسطين التجاري في مدينة البيرة، يعرض من خلالها أفلام عالمية ومحلية تناسب جميع فئات المجتمع الفلسطيني، دور العرض في سينما البرج تتميز بوجود أماكن لذوي الاحتياجات الخاصة، وأجهزة خاصة لذوي الإعاقات السمعية من أجل تحسين الترددات الصوتية، وتتمتع السينما بتقنية متطورة جدًا؛ فهي مزودة بأجهزة حديثة ونظارات مريحة الاستعمال في العروض ثلاثية الأبعاد"؛ حيث يتم عرض أفلام ثلاثية الأبعاد وثنائية الأبعاد في نفس اليوم الذي يتم فيه عرضها في شركة بوكس الولايات المتحدة، وهو امتياز قليل من السينمات تحظى به.
لم يقتصر عرض الفلم السينمائي على دور العرض الرئيسة؛ فهناك العديد من المراكز والجمعيات الفلسطينية التي تعنى بالشأن الثقافي، وتقدم عروضاً في مراكزها، مثل: قصر الثقافة، ومؤسسة "شاشات"، و"عشتار" في رام الله، ومركز "يبوس" في القدس، وغيرها.
المصدر: (وكالة الأنباء والمعلومات الرسمية وفا )