بداية أستنكر وأشجب بشدة قرصنة الاحتلال الصهيوني وسرقته أكثر من نصف مليون شيقل من أموال المقاصة بحجة أن السلطة قد أنفقتها خلال العام 2018 على الأسرى وأسر الشهداء والجرحى، بالإضافة إلى حجزها أيضا لأكثر من 14 مليون شيقل كتعويضات للعملاء عما أصابهم من (ظلم وقسوة) مارسته عليهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
لم يكن قرار حجز الأموال مفاجئا، خاصة وأن إسرائيل قد لوحت بذلك منذ مدة طويلة وأخضعت القرار للنقاش الداخلي وعلى كافة المستويات السياسية والأمنية حتى توصلت إلى البدء والتنفيذ؛ إنما المفاجأة هي ردة الفعل الفلسطينية على المستوى الرسمي وغير الرسمي والتي تعاملت مع القرار الإسرائيلي فقط من خلال تفسيره وإظهار مخاطره من حيث عدم قدرة السلطة على دفع الرواتب أو انعكاس ذلك بالسلب على الأوضاع الداخلية عموما، والبدء بإطلاق التصريحات وطرح الحلول من قبل بعض المسؤولين دون دراسة أو تحضير مسبق كما يحدث دائما في إطار الدور المرسوم والمحدد للحكومة والسلطة ولكل مؤسسات البلد الحزبية والأهلية...الخ، مما يعني زيادة في التسخيف والتقليل من أهمية الحدث على الرغم من أن حجم المخاطر على القضية والشعب يزداد بتواتر يومي وبما يتماهى مع جوهر صفقة العصر.
على السلطة وكافة الفاعلين في القرار الداخلي الفلسطيني أن يكونوا أكثر جدية ومسؤولية من أجل لجم إسرائيل وغيرها ووضع السياسات الكفيلة بالتخفيف من حدة وتفاقم الأزمة المالية للسلطة، وذلك باتخاذ إجراءات سريعة على شكل مراسيم أو قرارات رئاسية للتخفيف من حجم الأزمة والكارثة المستقبلية وللحفاظ على ما تبقى لنا من كرامة وطنية.
ولكي لا يكون المواطن البسيط هو من يدفع فاتورتها لوحده وذلك بزيادة الضرائب كما بدأ البعض بالتصريح، فمن الممكن أن تبدأ السلطة بالتخفيف من حجم نفقاتها غير اللازمة والتي تستنزف جزءا كبيرا من ميزانيتها السنوية ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
تجميد أو إلغاء كافة السفريات الخارجية والاستعاضة عن الحضور المباشر لممثلي فلسطين في المؤتمرات أو ورش العمل بالمشاركة التكنولوجية من خلال الإنترنت وغيره من وسائل التواصل، وإلغاء بند نفقات بدل السفر المكلفة، حيث توجد آلاف السفرات السنوية والتي لم تنجز ما يستحق الذكر.
الابتعاد عن كافة أشكال البهرجة الزائدة وغير الضرورية في مواكب المسؤولين بدءا من سيادة الرئيس ورئيس الوزراء ومرورا بكافة المواكب سطحية الشكل والمضمون.
إعلان حالة التقشف وربط الأحزمة على البطون في كافة مؤسسات السلطة، من خلال تجميد كافة الأنشطة والفعاليات التي لا معنى لها ولا جدوى منها، وإيقاف نفقات الضيافة وفواتير الهواتف والإنترنت لكبار الموظفين وكل موظف يتحمل هذه النفقات من راتبه الشخصي، والبدء الفوري بتصويب بند بدل المواصلات التي تدفع للموظفين خاصة وأن فاتورة هذه النفقات تقدر بمئات الملايين من الشواقل سنويا.
إجبار أصحاب رؤوس الأموال والمصالح الاقتصادية الكبرى على تحمل جزء من المسؤولية الوطنية، وذلك برفع نسبة الضرائب عليهم والتخفيف من حجم أرباحهم، الاتصالات الفلسطينية والبنوك مثال ذلك.
تخفيض رواتب كبار الموظفين في السلطة ومؤسساتها بنسبة تتساوى مع نسبتهم من عدد الموظفين العموميين، وأعتقد بأن النسبة ستكون كبيرة وموفرة جدا.
قد يكون لهكذا إجراءات يتم العمل بها على وجه السرعة دور مهم في التخفيف من حدة الأزمة المالية الحالية العاصفة بالسلطة الفلسطينية، ومن المؤكد هي وغيرها من الإجراءات والسياسات المالية ستكون الحصن والدرع المنيع أمام كافة أشكال الضغط التي تمارس وستمارس مستقبلا بهدف تمرير مخططات الاحتلال وأعوانه من الدول الغربية والعربية والتي في جوهرها تتمحور حول شطب كافة الحقوق والثوابت الوطنية المتمثلة بالدولة والعاصمة والعودة.