قرأت كثيرا عن تعبير الحوتسباه، وإنه تعبير خاص بإسرائيل، ولم أستطع عمليا أن أفهم أنه خاص بإسرائيل حيث الترجمة العربية له هي وقاحة أو الوقاحة الزائدة، ومع ذلك لم أستطع أن أفهم لماذا يوجد تعريف خاص للوقاحة الإسرائيلية؟ في إطار تفسير الوقاحة الإسرائيلية كتب (اعتقد إدوارد سعيد، لم أعد أذكر الآن) أقرب تفسير للحوتسباه هو "مثل الذي قتل والديه وتضرع للقاضي باليتم"!
عندما سألت أحد الأصدقاء اليهود إذا يوجد تفسير للحوتسباه في الديانة اليهودية؟ أجابني باختصار شديد إنه لا يوجد، وإن الحوتسباه شيء خاص بإسرائيل فقط.
تصرفات بنيامين نتنياهو الخاصة وسياسات إسرائيل بشكل عام وخلال الفترة الأخيرة؛ وفرت تفسيرا واضح المعالم لمعنى الحوتسباه، والتي قضيت وقتا في إيجاد تعبير مترجم للعربية أو حتى الإنجليزية (اللغتان اللتان أجيدهما) حيث الوقاحة أو الوقاحة المفرطة أو حتى قلة الأدب أو السفالة أو... الخ، لم تعط المعنى اللازم وهو كما تفسره سياسة نتنياهو وإسرائيل لحشد التأييد لسياساتها الخارجية:
السياسة الإسرائيلية تعتمد بشكل رئيس على تشكيل تكتلات من أنصارها الصهاينة سواء كان ذلك داخل الكتل الاقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي أو الأحزاب السياسية كما يحدث الآن داخل الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة مثل ابياك، أو داخل حزب العمال البريطاني والذي يتعرض لموجة استقالات من قبل أعضاء له بمجلس العموم (البرلمان) أغلبهم من مخلفات ما يسمى أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، وتأتي هذه الاستقالات في إطار حملة من أصدقاء إسرائيل في الحزب وبريطانيا ضد رئيس الحزب جرمي كربون نظرا لموقفه الواضح والمؤيد لإقامة دولة فلسطينية وضد السياسة الإسرائيلية العنصرية في المنطقة. تعتمد هذه السياسة بشكل رئيس على التضليل والكذب والتخويف والترهيب.
قامت بولندا وهي دولة انتمت بالسابق لحلف وارسو وبعد انهيار الحلف بانهيار الاتحاد السوفيتي بالانضمام للاتحاد الأوروبي وكذلك حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة وأصبحت من أكبر مؤيدي السياسة الإسرائيلية، قامت بولندا وبتدخل أمريكي كبير بتنظيم اجتماع لبعض الدول العربية مع إسرائيل وبمشاركة دول أخرى (شُهّاد زور) تحت ذريعة تنسيق المواقف ضد إيران، وبدل أن يشيد نتنياهو ببولندا لقيامها بكل الجهود من أجل التنسيق لتطبيع علني غير مسبوق مع هذه الدول؛ صرح نتنياهو أن بولندا شاركت النازية في إبادة اليهود، وبعد الاحتجاج البولندي صرح مكتب نتنياهو أن أقواله تم تحريفها بشكل خاطئ.
أثناء تواجده في بولندا لحضور الاجتماع التطبيعي، وأعتقد جازما أن الموضوع الإيراني شكلي الآن لأن التنسيق الخاص بإيران عمليا حاصل منذ فترة؛ قامت إسرائيل بتصوير فيلم فيديو لمدة نصف ساعة للاجتماع والنقاش الخاص والمفروض أن يكون بغاية السرية بين نتنياهو وخمس دول عربية خليجية وفيه يقول وزير خارجية البحرين إن الأولوية ليس القضية الفلسطينية وإنما التصدي لأطماع إيران، سرّب مكتب نتنياهو الفيديو فور الانتهاء من الاجتماع واستخدمه لغايات حملته الانتخابية الإسرائيلية وغير مكترث بحساسية الأمر لشركائه العرب والذين اجتمعوا معه.
يوم أمس 19 فبراير 2019 كان من المفترض عقد اجتماع سعت له إسرائيل جادة وبمساعدة أمريكية حثيثة تحضره بالإضافة لإسرائيل كل من بولندا وتشيكيا وسلوفاكيا والمجر وهي تكتل داخل الاتحاد الأوروبي، مرشحة هذه الدول وهي أشد الدول تأييدا للسياسة الإسرائيلية؛ لنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، سبق هذا الاجتماع تحضيرا له تصريح للقائم بأعمال وزارة الخارجية الإسرائيلية المعين الجديد يسرائيل كاتس ورد على احتجاج بولندا على تصريحات نتنياهو بالقول وهنا اقتبس "البولنديون يرضعون معاداة السامية مع حليب أمهم"، وأضاف متهما جميع البولنديين "بإيواء اللاسامية بالفطرة"، طبعا أثار هذا التصريح حفيظة الساسة البولنديين مرة أخرى مما أدى لإلغاء الاجتماع.
هذه هي الحوتسباه