لست في معرض الدفاع عن رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت د. نشأت الأقطش حول مشاركته في برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة مع المعلق اليميني من دولة الاحتلال أيدي كوهين؛ فلدي موقف مبدئي من كل صهيوني مستوطن جاء إلى فلسطين غازيا ليحتلها أو ولد فيها ما بعد عملية التطهير العرقي عام 1948 وقيام دولة الاحتلال؛ أن لا حوار مع محتل أو ممثليه، من نفس منطلق أن الإعلام معركة، وفي المعارك، فإنك لا تسمح لعدوك حتى بالتقاط النفس، لأن أي حوار معه لا يسهم إلا في دعم البروباغندا السياسية للطرف الأقوى وهو في هذه الحالة المحتل.
ولكن،
قبل جر الرجل إلى متاهات التخوين والتطبيع، وتسجيل المواقف والمزايدة، علينا النظر أولاً إلى المنظومة الوطنية والشعبية ككل، ففي المقابل بينما يُهاجم عناصر من حركة فتح وآخرون من فصائل يسارية الأقطش باعتباه منتمياً لـ "حماس" لكونه قاد حملتها الدعائية خلال فترة الانتخابات التشريعية عام 2006، وقيام الطلبة من الجامعة بالتظاهر احتجاجاً داخل الجامعة على مسألة تطبيع رئيس دائرة مهمة في جامعة عريقة مثل بيرزيت، فإنه علينا أخذ مجموعة من الحقائق في عين الاعتبار:
- لا يمكن فهم مسألة التهجم لجهة التطبيع من عدمه على الشخوص بينما القيادة السياسية الفلسطينية لديها لجنة تواصل مع المجتمع الإسرائيلي، ونظمت لقاء إعلامياً مع الرئيس محمود عباس قبل أيام قليلة حين استضاف في مقر الرئاسة رجال أعمال إسرائيليين وقبلها إعلاميين.
- عدم وجود موقف وطني مجمع عليه بشأن التواصل مع "الإسرائيلي" ضمن البرنامج السياسي المتبنى من قبل القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية القائم على التفاوض والاعتراف، قد خلق حالة من اللُبس، فبينما يُدلي العديد من القيادات السياسية الحالية بتصريحات لراديو إسرائيل "مكان" ويمنحون التصريحات الحصرية والسبق الصحفي لوسائل الإعلام الإسرائيلية، تشن الحملات التحريضية ضد نخب أخرى تحمل أو لا تحمل ذات التوجه، لكنها ليست من نفس الصف السياسي، في حال شاركت في برنامج حواري على قناة يفترض أنها عربية مع ضيف إسرائيلي.
- بينما تتفاوض القيادة السياسية وستتفاوض- إن أتيحت لها الفرصة- وجلست وستجلس مع المحتل، دون ذرائع مقنعة ومقبولة للشارع الفلسطيني، وبينما هنالك الكثير من النخب السياسية والاقتصادية الفلسطينية التي تتواصل مع إسرائيليين سراً وعلناً، ولديها شراكات من الباطن، نجد أن الأجهزة الأمنية لا تُسائل ولا تسأل عن طبيعة تلك الشراكة أو تلك الحوارات، بل وفي كثير من الأحيان تساهم في التستر عليها وتخفيها، في المقابل نجد أنها تقوم باعتقال واستجواب من يتواصلون مع ممثلين عن الاحتلال ولو دون أدنى شبهة عمالة.
- ما هو الموقف من أولئك الذين تستدعيهم ما تسمى بالإدارة المدنية في بيت إيل لتدعوهم عبر الهاتف لشرب فنجان قهوة للدردشة والتحدث في الشأن الفلسطيني، كثر هم من وصلتهم اتصالات ومن بينهم صحفيين معروفيين وناشطين وأكاديميين واقتصاديين قد شربوا فنجان قهوة مع مجندة اسرائيلية أو مع جندي يرتدي البزة العسكرية وينظر عن السلام والأمن بينما يغرف الفلسطيني من معلوماته له أو لها ومن ثم يمنح تصريحاً كمكافأة على حسن قدومه وتعاونه.
- ما هو الموقف من الإعلانات الممولة لبعض المتاجر الفلسطينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي للبضائع الإسرائيلية والترويج لها ولأسعارها الزهيدة مقابل المنتج الوطني.
حالة القبول والرفض للمستعمر الإسرائيلي لا تنطوي فقط على مسألة رفض الحوار معه من عدمه وإنما هي حالة عامة شاملة، هي حالة وعي بالدور الوطني وقرار المشاركة فيه.
وللدكتور نشأت الأقطش أقول: ليس هناك ما يبرر هذا الظهور، ولكن وفي ظل منظومة وطنية مشوشة وغير متصالحة مع نفسها أولاً، يصبح التقييم الذاتي للأمور والوعي الفردي لكل منا والقناعات الوطنية المبدئية الأصيلة هي البوصلة للتحرك فوق حقل الألغام المرصوف لكل منا.