الإثنين  23 كانون الأول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المخطوطات.. كنز فلسطيني نادر مهدد بالاندثار

2019-02-21 09:32:40 AM
المخطوطات.. كنز فلسطيني نادر مهدد بالاندثار
مخطوطة المصحف " القرأن"

إبراهيم أبوصفية

"مَن يكتب الرواية، يرث أرضها"

عاشت فلسطين في حقب تاريخية حملت أوضاعًا سياسية صعبة، وخصوصا في المائة العام الأخيرة، وتعرضت للانتداب البريطاني، والاحتلال "الإسرائيلي"، وفي هذه الفترات الزاخرة بالتطورات، فقدت كنزا معرفيا كبيرا، يساهم في تمثيل الرواية الأصلانية لهذا الشعب.

حيث كانت تزخر بمخطوطات عمرها مئات السنين، تحوي كنوزا من تراثنا الثقافي والمعرفي، إلا أن القدر الذي عايشته جعلها لم تنعم في أي فترة من  الفترات بالهدوء، لذك لم تكن هناك محاولات مهمة وكبيرة لجمع وحفظ الموروث الثقافي، رغم وجود بعض الشواهد على هذه المحاولات، إلا أنها أيضا تعرضت للسرقة والمصادرة، كما حصل في متحف فلسطين الذي حول الى متحف " إسرائيلي" باسم " روكفلر".

وفي هذا الخصوص كذلك بين مدير "معهد المخطوطة العربية " فيصل الحفيان في يوم المخطوط العربي أن في حوزة المكتبة  الوطنية "الإسرائيلية" ما يقارب ثلاثون ألف مخطوط سُلبت بين عامي 1948 و1967، موضحّاً أن عدد المخطوطات في فلسطين قبل الاحتلال بلغ حوالي خمسين ألفاً، إلا أن هذا العدد تقلّص اليوم لثمانية آلاف.

.وفلسطينيا وصلت فكرة جمع هذه المخطوطات في أرشيف فلسطيني متأخرا، لأن الحركة الصهيونية كانت متيقظة لجمع هذه المخطوطات وسرقتها، وما بقي إلا القليل الذي تنبهت له بعض المؤسسات وبدأت العمل على تخزينه وحمايته والحفاظ عليه، أبرزها مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية –بيت المقدس، كأكبر وأهم دار من دور الأرشيف المختصة في تراث وتاريخ فلسطين بشكل عام، والقدس بشكل خاص، والتي بدورها جمعت 600 مخطوطة أصلية، وكذلك تصوير أكثر من 5000 مخطوطة، بالاضافة الى جمعها قرابة مليوني وثيقة وسجل وكتاب من نوادر الكتب وأوائل المطبوعات بالإضافة لأرشيف صحفي لكل ما صدر  في فلسطين من صحافة كما يبين مدير المكتبة والمخطوطات خالد عليان.

وقال عليان لـ" الحدث" إن التراث يُقسّم إلى مادي وغير مادي، موضحا أن غير المادي كالقصص والأمثال الشعبية والعادات والتقاليد، أما المادي الملموس يتمثل بأشكال عدة منها  التراث المعماري والأزياء كما يعتبر  التراث الثقافي المخطوط والمطبوع من أهم أنواع التراث المادي .

ويعرف خالد عليان المخطوطات على أنها  :" كل ما خط باليد، وجمع بين دفتي كتاب، وكان ذات قيمة علمية" فهي عبارة عن كتب كتبت باليد في عهد ما قبل الطباعة كمجموعات فتاوى ابن تيمية أو مقدمة ابن خلدون وغيرها، مشيرا إلى أن هناك أيضا ما خط باليد  ولا يندرج تحت مسمى المخطوطات مثل  (المراسلات، والوثائق، والسجلات وهذه تسمى باسمها) ومن أهم هذه السجلات والوثائق سجلات محكمة القدس الشرعية والتي توثق لكل الأحداث في مدينة القدس منذ بداية العهد العثماني لغاية الآن ( قرابة 500 عام)، والتي كانت تعالج كافة القضايا في مدينة القدس التي كانت تمتد حينها من جبال نابلس إلى قرى  الخليل.

ويضيف عليان أن الاحتلالات المتتالية وفترة عدم الاستقرار في فلسطين أدت الى فقدان العديد من المخطوطات والوثائق والتي كشف فيما بعد أنها استقرت في ( المكتبة الوطنية الإسرائيلية ) كما أفاد بذلك  الكاتب الإسرائيلي ( جيش عميت ) ، وقد استطاع الفلسطينيون الحفاظ على ما تبقى  من خلال مكتبات العائلات التي  حافظت على موروثها الثقافي واحتفظت به، مثل المكتبة الخالدية والبديرية والأوزبكية وإسعاف النشاشيبي في القدس، وكذلك مكتبات المساجد كمكتبة المسجد الأقصى، ومكتبة المسجد الإبراهيمي، ومكتبة مسجد النمر النابلسي.

كما أوضح أن أهمية المخطوط تستمد بدرجة الأولى من عمره بمعنى  أنه كلما كان المخطوط قديما، تصبح قيمته أعلى، بالإضافة إلى ندرة الموضوع الذي يتناوله بين دفاته، لأن الموضوع يعكس حضارة وثقافة الشعب الذي أنتج هذه المادة، وكلما كان المخطوط مكتوبا بيد صاحبه فهذا يعبر عن النسخة الأصلية والاهتمام بها يجب أن يكون أكبر.

كما أن احتواء المخطوط على زخارف و نقوش يجعل منه  تحفة فنية وجمالية، وبعض هذه الزخارف تطلى  بماء الذهب ولها أشكالها ورسمها الذهبي أو الأصفر الجميل. فهذه العوامل أيضا ترفع من قيمة المخطوط وقد لا يقدر بثمن .

وأضاف عليان، أن هذه المخطوطات تلقى اهتماما خاصا في الحفاظ عليها من التلف والضياع، خصوصا مع التقادم الذي يحدث للورق نتيجة عوامل بيولوجية وكيميائية وفيزيائبة، وأن إنشاء المؤسسة بشكل أساسي كان يهدف لهذه المهمة، مبينا طرق الحفاظ على هذه المخطوطات وعلاجها:

أولا: عملية التنظيف الجاف من الأتربة وعادة ما تكون فرشاة ناعمة و"أجهزة سحب الهواء"، بهدف التخلص من كل العوالق في المخطوط من أتربة وغبار وغيره .

ثانيا: تعقيم المخطوطات  والقصد هنا بتعقيم المخطوط  ( قتل كل أشكال الحياة التي تسبب التلف ) مثل الحشرات، الميكروبات. والفطريات  وغيرها، من خلال تعريض المخطوط للمواد الكيميائية عبر أجهزة خاصة بكميات محسوبة، أو عن طريق الأجهزة الحديثة التي تستخدم غاز النيتروجين أو غاز الأوزون، أو التفريز كأسلوب من أساليب التعقيم الحديثة ،

ثالثا : معالجة العوامل الكيميائية  التي قد توثر على سلامة المخطوط  وسلامة أوراقه من خلال غسل المخطوط بمحاليل ومواد كيميائية خاصة لمعادلة  حموضة الورق أو تثبيت الحبر وإزالة  آثار التأكسد الناتجة عن الحبر المصنع من مواد غير عضوية .

رابعا: ترميم الثقوب والشقوق التي تشكلت في الورق نتيجة عوامل الزمن وذلك من خلال إضافة الياف سلولوزية تكون مناسبة لورق المخطوط من حيث الكثافة واللون، وتعتبر هذه العملية عملية  فنية دقيقة تحتاج لصبر وحس فني مرهف، وقد تحتاج بعض الأوراق المتكسرة لدعمها بواسطة الورق الياباني الشفاف ويستخدم في ذلك لاصق طبيعي  يصنع يدوياً من  النشاء او المثل سيلولوز  .

خامسا: تتم عماية جمع الأوراق في دفتي الكتاب بنفس الأسلوب العربي القديم الذي يواكب العصر الذي كتب فيه المخطوط وذلك  من خلال تجليده وخياطته  وتثبيت الجلد الطبيعي لتغليفه .

وأخيرا  :فان من أساليب الحفاظ  على هذه المخطوطات يكون بإحيائها بحثا وتدقيقا وتحقيقا، وهذا يطلق عليه اسم علم تحقيق المخطوطات، من خلال دراستها والتأكد من نسبتها لأصحابها، والتأكد من النص الأصلي بالمقارنة مع نصوص أخرى متناقضة بذات الموضوع، وكذلك تحليلها ونشرها.

وأردف أن الحفاظ على المخطوطات بالصيغة النهائية يحتاج لشروط حفظ مناسبة، حتى يعيش المخطوط مئات السنين، بدءا بدرجات حرارة مناسبة وثابتة لا تقل ولا تزيد عن 20- 25 درجة مئوية، ووضعها في غرفة مجهزة بعوامل التدفئة والتبريد، إضافة إلى الحفاظ على نسبة الرطوبة ( أي نسبة الماء في الهواء) يجب أن لا تزيد ولا تقل عن 50-60%، وكذلك منع الملوثات والمؤثرات البشرية كالدخان وعوادم السيارات والغبار  ،  ومحاولة تقليل الضرر الفيزيائي الذي قد يتسبب فيه التعامل الخاطئ معها من قبل الباحثين  لذلك فإن المؤسسة عمدت على نسخ نسخ الكترونية من هذه المخطوطات واتاحتها للباحثين ق.

وحول الوسائط التي كانت تستخدم للكتابة، أوضح عليان أن بعض الكتابة كانت على الورق، وبعضها على جلد الغزال، والفخار والعظام وألواح معدنية رقيقة مثل النحاس، وورق البردي وهو عبارة عن نبات بجوار المياه عرضه 5 سم، ويقطع إلى شرائح رفيعة بسكاكين أعدها المصرييون القدماء.

أما المواضيع التي تناقشها هذه المخطوطات، بين عليان: في الترتيب الأول المواضيع الدينية، كالمصاحف، وعلوم القرآن، والحديث وعلومه، وكتب المذاهب، والتصوف، أما الموضوع التالي، اللغة العربية وعلومها، وكذلك كتب التاريخ، بينما مواضيع الفلك والسحر والطب تأتي في المراتب الأقل تدرجا.

ودعا عليان كل من يمتلك مخطوطة أو وثيقة أو مراسلات الاحتفاظ والعناية بها، وأن يعي أهمية ما يملك، أو ينقلها للمؤسسات المختصة .