الحدث ــ محمد بدر
اختلفت تيارات الحركة الصهيونية حول الوسيلة التي يمكن من خلالها الوصول لهدف مهم يتمثل في أن يصبح الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي واقعا طبيعيا، واعتبر بعض المفكرين الصهاينة أن القوة كفيلة بصنع اليأس لدى الشعب الفلسطيني من الانتصار على الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي يضطر الشعب الفلسطيني إلى استبدال قيادته التي تدعو للكفاح المسلح. تماشيا مع مشاعر اليأس التي خلقتها القوة، وذهبت تيارات أخرى إلى اعتبار أن اتفاقات السلام تؤدي الغرض وأن القبول السياسي مدخل لكل أنواع القبول بهذا الاستعمار الإحلالي، وآخرون أمنوا بالمدخل الإعلامي وغيرهم بالمدخل الثقافي أو الاقتصادي.. الخ.
المهم في الأمر، أن نعتقد ونؤمن أن التطبيع الثقافي أو الإعلامي هو حقيقة أخرى للعمل الأمني الإسرائيلي المستمر لتحقيق الاستقرار لهذا الكيان الطارئ، وبالتالي فإن اختلاف أشكال التطبيع ليس سوى اختلافات شكلية لتحقيق هدف سياسي عسكري كبير بأقل تكلفة ممكنة. إن "إسرائيل" من خلال التطبيع لا تطمح لبناء علاقة مع المكوّن العربي أو الفلسطيني على الجغرافيا الفلسطينية أو العربية، لأنها ترى هذا المكوّن بالمنظور التوراتي المتعالي وبالمنظور الليبرالي الذي ما زال يصنفنا في خانة "المجتمعات البربرية"، وإنما تهدف لخلق واقع عملي لنظرية عسكرية وأمنية جديدة تتلخص في: "صراع البيئة مع البيئة.. بيئة العدو تحمي العدو"..
هل هذه المعايير أداة لإنتاج التخوين؟.. في الحقيقة، لا. لأن الفهم ما زال مرتبكا حول التطبيع وحقيقته وأهدافه وبيئاته، لذلك فإن الخطوة الأولى أمام هذا الواقع المرتبك، هي رفع الستار عن هذه الظاهرة، وتذكير الجميع بخطورة التطبيع بكافة أبعاده، ومن ثم ممارسة نوع من العقاب الاجتماعي ضد المطبعين بالاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة لضرورة جمع قاعدة بيانات حول المؤسسات التطبيعية والمطبعين، وتكثيف النشر بحقهم وبحق نشاطاتهم. الأهم؛ فهم الأطر الفكرية والثقافية والمرتكزات السياسية التي ينطلق منها هؤلاء، وتحليلهم لبعض التجارب التاريخية، لأن ذلك يعين على النقد وإحراج المطبعين وفهمهم؛ خاصة وأنهم يتشدقون بتجارب تاريخية وسياسية وثقافية ويحاولون إسقاطها على واقعنا الفلسطيني والعربي، رغم أن معايير فهمهم لهذه التجارب غير دقيقة وفهمهم للواقع الفلسطيني أكثر إشكالا.
من هنا، تأتي الضرورة لصياغة مشروع مساند لكل الأشخاص والمؤسسات المقاومة للتطبيع من خلال عمل ميداني (اعتصامات واحتجاجات وندوات .. الخ)، بالإضافة للعمل الإعلامي بصفته أساسيا ومساندا في ذات الوقت، وليس سرا أن الاحتلال في دراساته حول مسألة التطبيع يطرح الجهود التي تبذل على وسائل التواصل الاجتماعي لمناهضة هذه الظاهرة، كسبب مهم ما زال يواجه هذه الظاهرة ويمنعها من التفشي ويمنعها من الحياة باستقرار في الفضاء الفكري والوجداني الفلسطيني والعربي.