الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

شارع نزار قبّاني

قصة قصيرة

2013-12-24 00:00:00
شارع نزار قبّاني
صورة ارشيفية

ناصر الريماوي- قاص فلسطيني مقيم في السعودية

أسوار غرناطة، تطوّق ساحة القصر، كل بني الأحمر توافدوا إلى هناك حيث الشاعر الأمير، تطوعت عيوننا قسراً على اختلاس النظر أنا وأنتِ، حين عبر الشاعر منشداً، فهل تذكرين؟

كان سحر المكان يفصح عن نفسه، يصدح من تلقاء ذات الشاعر المفتون فوق خرائب الزمن المنسي، لكنني لم أعد أذكر، أكان هذا بحضور فتاتهِ، تلك الإسبانية التي «صحت قرون سبعة من خلال عينيها، بعد رقاد»؟ تخونني الذاكرة رغم حصص التاريخ المدرسي، فعذرا.

كل بني الأحمر كانوا هناك، أذكر هذا جيداً، أنتِ وأنا فقط كنا نتلمس الطريق نحو بوابة القصر، ألا تذكرين كم نعياً قرأنا على بوابة التاريخ الأخيرة، قبل عبورنا؟

( لم يبق من أسبانية منّا ومن عصورها الثمانية، غير الذي يبقى من الخمر بجوف الآنية)

الحرس لم يفسحوا لنا الطريق! فتدثرتِ أنتِ بثوب « ولادة» وتعلقت أنا برداء « إبن زيدون» وقفزنا فوق نوبة الحراسة، ولما لم يستوقفنا أحد غير « نزار»، أخرجنا من جيوبنا بقايا حضارة، ومن حقيبتكِ النسائية، رتوشاً قديمة وسجلَّ جروح لم تندمل، ألقينا كل ما لدينا فوق طاولة الحضور، ولم نبقِ لنا شيئاً لنعود به نحو قرننا العشرين، غير تلك السهرة المزمنة في ساحة القصر القديم، وعبير ورد، ونارنج حملناه كهدايا لمن عاد من كل الحروب منتصراً بوهم الحضارة !

سكتت آلة التسجيل في السيارة، فصمت “نزار”، وترجلنا بانتظار عودة الروح بين أعمدة المكان، انتظرنا ولم تدنُ منّا قصيدة، مشينا بضع خطوات وسط السكون، لقد كنّا وحدنا وبضع شواهد رممتها ريشة حديثة لفنان لم يعد يزاول المهنة، وساحة فارغة لقصر “الحمراء”، إلا من بعض النقوش القديمة، طوقتُ كتفيكِ حين مسحتِ عبرةً وحيدة تسللت أمام اليافطة الرمادية” شارع نزار قباني”.
ثم عبرنا وحيدين، لنغيب في عتمة الشارع الدمشقي الطويل حتى هذه اللحظة