بقصد أو بدون قصد... فقد تحول الانقسام من حال إلى حال آخر... كان فصائليا وسلطويا وها هو يتجسد شعبيا.
وللحقيقة فإن هذا التحول هو الأخطر والأشد تأثيرا حتى على الجذور والمقومات الأساسية للقضية والشعب والنضال الوطني.
على امتداد التاريخ الفلسطيني، حدثت انقسامات وانشقاقات وأحيانا اقتتالات اتسمت بالمحدودية ولم تكن طويلة الأمد.
ظهور عقلانية ما، وحدث قوي ما، ينهي الانقسامات أو يخفف من حدتها ويحاصر تأثيرها السلبي على المجتمع أولا ثم على أسس الكفاح الوطني والاصطفاف الشعبي وراءه، بعبارة أوضح – كنا كباقي خلق الله.. ننقسم وننشق ونمتد– لم نكن نصل إلى حد الانهيار والتلاشي، إلا أننا كنا بفعل ذلك نعيق مسيرتنا الوطنية حد بلوغ أهدافها.
انقسمنا حين كانت مؤسساتنا القيادية تعمل بعلانية خارج الوطن، غير أننا كنا نجد صيغة نحجّم فيها الانقسام حين يقع، وننهيه إما في الوقت المناسب أو قبل ذلك أو بعده.
وفي كل الانشقاقات والانقسامات التي حدثت في حقبة ما قبل تجربة السلطة على أرض الوطن؛ كان هناك أطراف نافذة تعمل ليل نهار كي يستمر الانقسام ويستفحل ويتحول إلى اقتتال، وكانت ترصد ملايين الدولارات لتغذية ذلك، وتفتح مستودعات السلاح على مصراعيها لدعم طرف ضد الطرف الآخر، إلا أن كل ذلك كان يفشل في تكديس الانقسام الفلسطيني كحقيقة نهائية، فكان الجسد الفلسطيني الوطني يصاب بجراح، ولكن لم يصل يوما إلى حد الموت، لماذا؟
كلمة السر، هي أن أي انقسام أو انشقاق كان يقع ونحن خارج الوطن، لم يكن ليصل بمفاعيله إلى الشعب الفلسطيني الذي كان وحده من يعزل الانقسام وينصر القوة المعتدى عليها والمستهدفة، وحين يكون الانقسام والانشقاق معزولا على الشعب ومن قبل الشعب؛ فمصيره الانتهاء حتى لو وقفت وراء الانقسام كل القوى الخارجية بكل ما لديها من قدرات مالية وتسليحية.
المؤسف، أن ما نجحنا فيه خارج الوطن نفشل فيه على أرض الوطن، لا أتحدث عن محادثات القاهرة العقيمة وفضيحة موسكو، التي رسمت صورة مشوهة للشعب الفلسطيني وعجز قواه السياسية عن التوحد، وإنما عن التظاهر والمظاهرات المضادة والتحشيد والتحشيد المضاد.
وإذا كان الدرس الذي تعلمناه ومؤسساتنا الشرعية خارج الوطن هو أن أي انقسام لا ينجح ما دام لم يتغلغل في أعماق الشعب؛ فإن ما يجري الآن يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من أن ما نجحنا فيه خارج الوطن لن نفعله على أرض الوطن.