الحدث ــ محمد بدر
بعد أسبوعين على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقرار القيادة الفلسطينية مقاطعة الإدارة الأمريكية، قال مسؤول أوروبي لصحيفة "إيلاف" السعودية إن "عدنان مجلي من أهم الأسماء في بورصة الأسماء الفلسطينية لخلافة الرئيس محمود عباس"، وأشار المسؤول الأوروبي بوضوح إلى أن شخصيات أوروبية رفيعة المستوى تحدثت مع المجلي حول إمكانية انخراطه بالعمل السياسي، والذي لم يعارضه ولكن بدون إبداء حماسة بالغة للمقترح.
في اللحظات المصيرية، لا يمكن تفسير التصريحات والمقترحات والتسريبات، إلا من خلال ما حملت تلك اللحظة من مخاوف ومحاذير وإيجابيات وسلبيات، فتتحول معطيات اللحظة ضرورة فهم أو للفهم. وعلى ذلك، فإن تزامن حديث المسؤول الأوروبي ونقل السفارة، أنتج صورة أخرى للمجلي بعين السفارة، لا بعين الأدوية والاختراعات الطبية والعلوم الطبيعية، إنها عين السياسة هذه المرة والعلوم الإنسانية. وأصبح يُنظر للرجل كعراب مرحلة القبول بالشروط الأمريكية في مرحلة ما بعد السفارة، وما عزز هذا الطرح، ما قاله المجلي في مقابلة مع جريدة الأهرام المصرية في تاريخ 26 يناير 2018، حول مقاطعة القيادة الفلسطينية للإدارة الأمريكية، معتبرا ذلك خطأ كبيرا، رافضا الفكرة كمبدأ وأداة.
ظل المجلي سياسيا حالة إعلامية تتصاعد من خلال الصحف الفلسطينية والعربية والغربية، حتى أعلن في 4 سبتمبر 2018 عن تأسيس الكونغرس الفلسطيني العالمي، تحت شعارات وعناوين كان أهمها أن "الكونغرس" يسعى لتوحيد طاقات الشعب الفلسطيني في الشتات لخدمة مصالحهم في تلك البلدان وبناء جسور قوية مع الوطن". وقبل العودة للتوقيت واللحظة، فإنه من المهم التنبه إلى أن الاسم حمل أقصى درجات الاستنتساخ السياسي المعنوي والمصطلحاتي، ثم إن الإعلان عن هذا "الكونغرس" جاء بعد إعلان السفارة بعام إلا يومين، لكن المعطى الجديد في الإعلان هذه المرة هو المكان وتحديدا "ولاية نورث كارولينا الأمريكية"، ليكمل المكان الأمريكي (نورث كارولينا) على الزمن الأمريكي (إعلان السفارة) أدبيات البحث عن هذا الرجل.
وتبدو السياسة في فلسطين لها استدراكاتها الغريبة ولعلّ الشاذ في السياسة الفلسطينية أكبر وأكثر كثافة من القاعدة نفسها. ففي مقابل دعوة المجلي لتفكيك سلاح المقاومة معتبرا أن هذه السلاح مفيد لـ"إسرائيل"، كانت حركة حماس هي أبرز وأهم من احتفى والتقى به وفتح له المنابر المباشرة على الجغرافيا الفلسطينية. في المقابل، فإن السلطة الفلسطينية التي تلتقي مع المجلي في مبدأ "المقاومة السلمية"، لم تمنحه إمكانية التنظير المباشر على أرض الضفة الغربية، رغم تأكيده المستميت على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للفلسطينيين، في كل مرة يُثار السؤال حول أهداف "الكونغرس" الاستراتيجية.
وفي حين، تحاول السلطة الفلسطينية تجاهل المجلي كظاهرة، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تهتم بطرحه كبديل للرئيس محمود عباس، وقد لوحظ اهتمام كل من القناة العاشرة العبرية ومركز القدس للدراسات بشخصية المجلي، ونشرت القناة العاشرة العبرية أكثر من تقرير حوله، وفي واحد منها كانت هناك إشارة إلى أن السلطة الفلسطينية فجرت سيارته خلال وجوده في مسقط رأسه في طوباس كرسالة تحذيرية، وفي بعض التقارير يُطرح كبديل وحيد وقوي للرئيس، ويُشار إليه كرجل جامع.
وبتوقف بسيط على آخر تصريح للمجلي، والذي قال فيه إن "الفلسطينيين لا يمكن أن يجتمعوا إلا على موائد الاقتصاد"، فإنه بقصد أو بدون قصد، يُفرغ الفلسطيني من قيمه الأساسية المتمثلة بالهوية، معتقدا بالنظريات التكاملية الوظيفية، والتي ثبت فشلها، والتي أصلا لم تصمم لشعب واحد بل لشعوب مختلفة وثقافات مختلفة، وبالتالي فإن العلاقة الاقتصادية التي يتحدث عنها المجلي تكشف عن استنساخ آخر في المضمون وتأثرا شديدا بنظريات غربية لا يمكن لها أن تعيش في واقع الشعب الفلسطيني الخاضع للاستعمار بشروطه الكبيرة التي تمنع بناء الشرط التكاملي والوظيفي.