الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل دخلت "إسرائيل" مرحلة الهزيمة؟

2019-02-28 09:33:21 AM
هل دخلت
جيش الاحتلال الإسرائيلي (أرشيفية)

الحدث - سجود عاصي

ما بين عامي 1948 وعام 2019، حصلت الكثير من المتغيرات التي أدت إلى تحولات استراتيجية واضحة في قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومنهجية وسياسة التعامل مع المعطيات الجارية، وانعكست بعض التغيرات والتحولات الهامة على "العقيدة القتالية الإسرائيلية".

تمكنت الحركة الصهيونية من احتلال 70% من الأراضي الفلسطينية من خلال العصابات الصهيونية، والتي كانت العامل الأهم في السيطرة على الأرض من خلال ارتكاب المجازر وخطط تهجير معدّة مسبقا، وبعد اكتمال احتلال معظم الأراضي الفلسطينية، أصبحت "إسرائيل" (الدولة الناشئة بفعل هذه العصابات) تعاني من أزمة في العمق الاستراتيجي بين المناطق المسيطر عليها وتلك التي بقيت في أيدي الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، الأمر الذي جعلها تتبنى استراتيجية توسعية استيطانية شاملة، وقامت بدمج العصابات الصهيونية لتشكل من خلالها ما عاد يسمى بالجيش الإسرائيلي.

وعن التحولات في عقيدة المقاتل الصهيوني الذي تحوّل من رجل عصابة إلى "جندي"، قال علاء الريماوي مدير مركز قدس للدراسات، إن الاحتلال بدأ في تكوين ذاته وبنيته على شكل عصابات، ثم انتقل إلى دمج "العصابات الصهيونية" مع الجيش لتشكيل بنية عسكرية، حيث خاض هذا الجيش عددا من الحروب حقق فيها انتصارات كان أبرزها حرب عام 1967 حيث تمكن من الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية وأجزاء من الأردن، وأصبح بفضلها قادرا على إثارة الرعب في المنطقة، حتى تمكن من بناء ما يعرف بالتمحور في المنطقة حتى عام 1973، والهزيمة التي مني بها حينها، حيث برز عنصر تحول إضافي باعتماد جيش الاحتلال على ما يعرف بذاتية التعبئة، والتي أدت بالجيش إلى بناء بنية وفلسفة وقواعد ورؤية خاصة.

وأضاف الريماوي لـ "الحدث"، أن جيش الاحتلال وقع في أزمة ومطب أخلاقي عام 1982، حين ارتكب مجزرة صبرا وشاتيلا، ولكنه أخذ شرعية بعدم العقاب الدولي بفضل اللوبي الصهيوني في العالم. ثم انتقل في أواخر الثمانينات إلى غمار خوض الانتفاضات الشعبية الفلسطينية.

ووفقا للريماوي، فإن جيش الاحتلال يعتمد على التجنيد الإجباري الذي ينبثق منه النخب والوحدات الخاصة التي تمكنت من تشكيل شبكة اتصالات ما بين الأذرع العسكرية المختلفة، وعزز من حضوره بامتلاك الأسلحة المتطورة ومنظومة التجسس عالية المستوى.

عقد جيش الاحتلال

ورغما عما سبق، إلا أن الريماوي أكد، أن جيش الاحتلال يعاني من العديد من العقد، أبرزها، بنية الجيش التي يغلب عليها الإجبار "الخدمة الإجبارية" وليس جيشا نظاميا، وهذا أعطاه ضعفا واضحا في المواجهة مع قطاع غزة، وبالتالي فإن الجيش أصبح غير مؤهل لخوض حرب برية قادمة وتردده الكبير في إدارة أي معركة مقبلة على أي جبهة. إضافة إلى دخول المتدينين على خط الجيش الأمر الذي تسبب في نقاش مجتمعي سياسي كبير، إلى جانب المفارقة ما بين امتلاك الجيش لقدرات كبيرة وغاية في الأهمية والجنود غير المقاتلين.

وأوضح الريماوي، أن الجندي الإسرائيلي يريد دبابة محصنة وأسلحة قوية ويريد أن يدير المعركة والحرب بدون مواجهة فعلية مع جنود ومقاتلين حقيقيين، ويريد أن يقاتل بطائرة بدون طيار وتحويل الحرب إلى تقنية، الأمر الذي من شأنه أن يفقد الجيش القدرة على المباغتة في الميدان والقدرة على المواجهة، وهو ما يشوش عقل المقاتل الإسرائيلي بعد أن كان قادرا على الوصول إلى بعض الدول العربية والتمدد فيها كلبنان وسوريا والأردن، وأصبح غير قادر على التمدد في أي من الأراضي العربية.

وبحسب الريماوي، فإن جيش الاحتلال تحول من عقائدية على الأرض إلى عقائدية الدفاع والقتال بالوكالة، وهو يسعى لإيجاد من يقاتل عنه ويدافع عنه.

وفي السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية وحل النزاعات في الجامعة العربية الأمريكية د. أيمن يوسف، إن العقيدة القتالية لها مضامينها العسكرية والأمنية وتأخذ طابعا شموليا، بحيث تحدد قدرات الجيش وقدرات العدو والخصم والأهم أن العقيدة العسكرية لأي بلد أو دولة هي من يحدد العلاقات ما بين المستوى السياسي والعسكري، لأن قرار الذهاب إلى حرب هو قرار سياسي بامتياز والجيش هو أهم أدوات السياسة لأي دولة.

التحولات التي طرأت على عقيدة المقاتل الإسرائيلي منذ 1948 وحتى اليوم

وبما يتعلق بالتغييرات الحاصلة على العقيدة القتالية الإسرائيلية، أوضح د. يوسف لـ "الحدث"، أن مجموعة من التغيرات الهامة حدثت في العقيدة القتالية الإسرائيلية بدءا من 1948 وحتى العام الجاري 2019. أولى هذه التحولات تشكلت ما بين عامي 1948 و1982، حيث كان الجيش الإسرائيلي فيها مؤهلا بشكل واضح لمهاجمة الجيوش التقليدية العربية. أما المرحلة الثانية فتمثلت ما بين 1982 و2000، وخلالها كان الخطر المباشر الذي يتهدد "إسرائيل" من وجهة نظرها هو الانتفاضات الشعبية التي استخدمت مجموعة من الأدوات والتكتيكات غير المعهودة بالنسبة لجيش الاحتلال، وبالتالي كان الجندي الإسرائيلي يخرج إلى الشارع ليقمع المظاهرات والاحتجاجات ويفرق المظاهرات التي كان يقوم بها الفتية والشباب، الأمر الذي طور نمطا جديدا من التفكير لدى الاحتلال في طبيعة المعركة مستقبلا.

أما التحول الثالث بحسب د. يوسف؛ فهو ما بين عامي 2006 وحتى 2019، حيث تمكنت "إسرائيل" خلالها من تطوير عقيدتها القتالية بعد ما جرى في الضاحية الجنوبية خلال الحرب على لبنان من خلال تدمير بعض مقرات حزب الله، الأمر الذي استخدمته في الحروب التي وقعت لاحقا على قطاع غزة، وهي تحاول دوما خلق حالة من الردع النفسي والمعنوي في صفوف "الخصوم" على مبدأ قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وتدمير أكبر عدد من المباني والمنشآت والبنية التحتية.

كما وحاولت "إسرائيل" تطوير نمط جديد من المواجهة القائمة على أساس قصف مواقع مختارة في سوريا مثلا، من خلال العمل العسكري المباشر العسكري والاستخباراتي، كما أنها دخلت في مرمى اللعب مع القوى الإقليمية والدولية.

وأشار أستاذ العلوم السياسية وحل النزاعات، إلى أن الاعتماد على التكنولوجيا لدى جيش الاحتلال يعتبر تحولا هاما في العقيدة القتالية الإسرائيلية، وهي القوة الناعمة التي تسهل عمليات الاختراق والحصول على المعلومات، مستبعدا أن تكون التكنولوجيا قد أثرت على العقيدة القتالية الإسرائيلية بشكل سلبي، حيث إنها مكنت الاحتلال من سهولة الوصول لبعض الخصوم، تصل أحيانا بها التكنولوجيا إلى حد تجنيد عملاء وعناصر تحت إمرته.

وأكد د. يوسف، أن "إسرائيل" تستعد حاليا إلى مواجهة جديدة وتتخوف من تطور أشكال المقاومة في مسيرات العودة والخان الأحمر، محاولة الاستفادة من التكنولوجيا قدر الإمكان من أجل احتواء الفلسطينيين مستقبلا.

وشدد، على أن العقلية القتالية الإسرائيلية ما زالت عقلية هجومية قائمة على أساس رفض الخصم في كل مواقعه، وهي تراقب وتتجسس وتبادر دوما إلى الهجوم، محاولة إبقاء "الخصوم" في مواقع الدفاع.

وأضاف د. يوسف، أن "إسرائيل" هي دولة حرب واقتصاد حرب، وأن المستوى السياسي خرج من رحم المؤسسة الأمنية، وذلك ينطبق على كافة الأشخاص الذين شغلوا منصب "رئيس وزراء الاحتلال" باستثناء بنيامين نتنياهو وإيهود أولمرت وهذا له تبعاته السلبية والإيجابية.