الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

" التوازن بين السُّلطة والمسؤوليَّة "/ بقلم: رائد دحبور

2019-03-02 09:19:23 PM
رائد دحبور

 

في المفهوم الإداري العام للسلطة نجِدُ أنَّها تقومُ على أُسُسٍ من القوَّة والقدرة المُكْتَسَبة والمنوطة بجهاتٍ معيَّنة تقودُ جماعة من النَّاس وتطَّلِعُ بإدارة الأشياء أو الموارد أو الوسائل أو الأفكار المتصلة بتنظيم وتوجيه شؤون تلك الجماعة؛ فلا إدارة بدون وجود جماعة تمتثل للمعايير الإداريَّة وما تفرضه تلك المعايير من سُلْطة تتصل بمبدأيْنِ أساسِيَّيْنِ من مبادىءِ تطبيق النَّظريات الإداريَّة وهما: البُعد القانوني – شرعيَّة السُّلطة وما تأتي به من قوانين، ومبدأ وحدَة مصدر الأمر، بمعنى عدم تلقِّي الأوامر والتَّعليمات من أكثر من مصدرٍ في ذات الوقت وفق التراتبيَّة الإداريَّة.

وفي ذات السِّياق؛ لا يمكن تنظيم سلوك وأداء جماعة ما بحيث يصبح ذلك السُّلوك مفيداً ومنهجيَّاً وهادفاً بدون إدارة. والإدارة بالإجمال هي ظاهرة إنسانيَّة عاقلة راشدة واعية هادفة – برغم كون مسألة العقلانيَّة والرُّشد مسألة نسبيَّة - وهي تتضمَّن أو تقوم على جملة أساسيَّة من الوظائف أهمُّها، التخطيط والتنظيم والتوجيه والتنسيق والتوظيف والرَّقابة ومن هنا ربما يمكننا فهم أهميَّة وجود سلطة الدُّول ومؤسساتها الإداريَّة المختلفة؛ كما يمكننا ومن هذا المدخل بالذَات إدراك أهميَّة احتكار امتلاك الدَّولة أو السُّلطة المُعاصرة لوسائل وأدوات القوَّة، وكذلك احتكار استخدامها داخليَّاً وخارجيَّاً كتوكيدٍ لوجودها ولنفوذها الرَّسمي وكمُعْطىً من معطيات السِّيادة على إقليم جغرافي محدد بما فيه من سكَّان وموارد اقتصاديَّة وبما فيه من أنشطة اجتماعيَّة وثقافيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة وماليَّة وإنتاجيَّة وفق قوانين خاصَّة. فهي التي ينبغي لها – بل يجب عليها - القيام بالتخطيط وتنظيم وتوجيه وتنسيق وتوظيف الموارد البشريَّة والاقتصاديَّة وتوفير آليَّات الرَّقابة التي تكفل الوصول إلى الأهداف وفق مبدأ إداري عام آخر وهو تقديم العام على الخاص.

وفي مفهوم إدارة الأعمال وكذلك ضمن مفاهيم الإدارة العامَّة الأشمل فأنَّه يمكن تفويض السُّلطة من المستويات الأعلى للأدنا ضمن الهرميَّة الإداريَّة في منظَّمات الأعمال والمؤسسات على سبيل المثال وذلك فيما يتصل بتطبيقات مفاهيم إدارة الأعمال؛ وكذلك يجري تفويض السُّلطة في الدُّول أو الحكومات وفق مبادىء الإدارة العامَّة؛ كما أنَّه يمكن نقل السُّلطة ونقل بعض الصلاحيَّات المتصلة بها من مستويات إداريَّة أعلى إلى مستويات إداريَّة أدنا؛ وهذا هو أحد تجلِّيات المفهوم البيروقراطي في الأداء الإداري في مؤسَّسات ومنظمات الأعمال أو فيما يتعلَّق بالأداء الحكومي في الدُّول ولدى الأمم والمجتمعات بالإجمال؛ فثمَّة إجراءَانِ إِذاً يكفَلانِ التَّغَلُّب على الصُّعوبات والتَّعقيدات المتصلة بالأداءِ الإداري العام لأيِّ سلطة مركزيَّة وهما: تفويض السُّلطة، ونقل السُّلطة. والهدف الأساسي منهما هو التَّقليل من الجمود والتَّعقيد البيروقراطي والصُّعوبات الفنيَّة والإجرائِيَّة التي يفرضها واقع المركزيَّة المُطلَقة للسلطة.

لكن تفويض السلطة ونقلها لا يعني تفويض المسؤوليَّة – بمعنى عدم خُلُو الجهات الأعلى من المسؤوليَّة عمَّا تقوم به الجهات الأدنا عندما يتم تفويض السلطة أو جزءٍ منها لها - حيث تبقى المسؤوليَّة منوطة تماماً بالجهات التي قامت بتفويض السُّلطة أساساً؛ وهذا يعني أوَّل ما يعني أنَّه لا ينبغي أنْ تكون السُّلطة واسعة ومُطْلَقة والمسؤوليَّة محدودة؛ إذْ ينبغي أنْ يكون مقدار المسؤوليَّة مُوازِيَاً لمقدار السُّلطة تماماً؛ والآليَّة التي تُتيح هذا التَّوازن هي المُساءَلة وأداتُها هي الرَّقابة على أداء السُّلطة المركزيَّة والسُلُطات المتفرِّعة عنها عبر التَّفويض والنقل والإحالة؛ ولذا فإنَّ المُساءَلة هي أساس الحفاظ على تحقيق مفهوم التَّوازن بين السُّلطة والمسؤوليَّة.

وقد يجري تفويض السُّلطة بشكلٍ عكسيٍ - من أدنا إلى أعلى – حيث يقع ضمن هذا التصنيف النَّظري ما يمكننا التعبير عنه بتطبيقات مفهوم العقد الاجتماعي المُبْرَم بين السُّلطة والمجتمع في التطبيقات السِّياسيَّة لمفهوم السُّلطة على المجتمع في الأنظمة السياسيَّة التي تستند إلى شرعيَّات ومفاهيم ديمُقراطيَّة، وهي تلك الأنظمة التي تكفل حق المشاركة الفرديَّة والجماهيريَّة في صياغة وتنظيم الحياة العامَّة وفق مبادىء أو دساتير مُتَفق عليها وعبر مؤسسات تضطَّلِعُ نيابَةً عن الجماعة أو الجمهور بمهمة إدارة الرَّقابة على عمليَّة تفويض أو نقل السلطة أو تداولها من مستوىً إلى آخر أو من جهةٍ إلى أخرى.

ونجد مثيلاً لذلك التفويض العكسي في تطبيقات إدارة الأعمال وذلك فيما يتصل بالتفويض العكسي للسلطة في التطبيقات الإداريَّة البيروقراطيَّة التراتبيَّة بين المستويات الإداريَّة المختلفة ضمن الهرم الإداري في المؤسسات ومنظمات الأعمال؛ حيث تقوم المستويات الأدنا بالتَّخلِّي عن صلاحيَّاتِها أو عن جزءٍ مهمٍّ من تلك الصَّلاحيَّات وذلك لصالح المستويات الإداريَّة الأعلى منها؛ والتي هي مصدر التَّفويض أصلاً. وفي هذه الحالة فإنَّ المسؤوليَّة ترجع إلى – وتقَعُ على عاتق - الجهة المُفَوَّضة بشكلٍ كامل. وهذا يعني أنَّه عندما يتم تفويض السُّلطة بشكلٍ عكسي من قاعدة الهرم الإداري أو الجماهيري إلى قمَّة الهرم أو المستويات اللصيقة بقمَّة الهرم الإداري أو القيادي فإنَّ المسؤوليَّة – الإداريَّة والأخلاقيَّة – المُلقاة على عاتق المستويات الإداريَّة والقياديَّة العُليا تصبح تامَّة ودون تجزئة أو انتقاء.

وبالإجمال؛ فإنَّ انتفاء مبدأ التَّوازن بين السلطة والمسؤوليَّة والذي تكفله آليَّات المُساءَلة وأدوات الرَّقابة هو من يُوفِّرُ مناخ الاستبداد في ممارسة السُّلطة، وهو من يجعل السلطة مُطلقة واسعة والمسؤوليَّة عن الأخطاء والأداء المرتبك والمتعثِّر محدودة؛ وهو من يدفع باتِّجاه الارتجال والعشوائيَّة بدل التَّخطيط المنهجي، وهو من يجعل، وعلى نحوٍ فادِحٍ من الرَّغبة في التمسك بالسلطة والارتجال في سبيل تكريس ذلك، من الظَّاهرة الإداريَّة ظاهرة حمقاء مُعْوَجَّة فاسدة بدلاً من أنْ تكون ظاهرة إنسانيَّة عاقلة راشدة هادفة.