لم يغنّ لطفي بوشناق من قبيل الصدفة (ما أخاف الفقر لكن كل خوفي من الضباب ومن غياب الوعي عنكم كم أخاف الغياب)، فغياب الوعي تنكر لقوانين الطبيعة التي لا يمكن إلغاؤها لأن القانون يتمتع بسمات مميزة، الاستمرارية، الانتظام، الديمومة. ويترك آثاره وبصماته في الكون والكرة الأرضية على وجه الخصوص التي تمدها بالطاقة الحرارية كأحد أهم عوامل البقاء لكافة الكائنات الحية، فهل يمكن لكسوف الشمس أن يؤجل أو يوقف صيرورتها أو قانون وظيفتها وحدة وترابطا، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وجهان لعملة واحدة في تبادل الأدوار والمهام وتوزيعها لإقامة قاعدة ومنظومة اقتصادية متكاملة وفرض ثقافة ومفاهيم وأنظمة تتلاءم ومصالحها القادرة على سلب ونهب مقدرات الشعوب وخيراتها المادية بكافة الأساليب والأدوات ولمحة سريعة على تاريخ قيام وبناء الدولة الأمريكية ومقارنتها بتاريخ ونشأة هذا الكيان إلى أبعد درجات التماثل والتطابق، والسؤال المطروح هل من الممكن أن تكون وسيطا عادلا ونزيها في عملية الصراع على تراب فلسطين؟ وهل برامجها من خلال بعض منظمات المجتمع المدني وذات الصلة بما يعرف "بالإنجي أوز" وصالونات ومنتديات وورش العمل من خلال محاضرات ترويجية لأمريكا ودورها في إشاعة وإرساء الحرية والديمقراطية ونقل الحضارة والثقافة الغربية، ومن الضروري بمكان أن نذكر ببعض المفاهيم التي لا خلاف عليها (دول العالم الثالث، الشمال والجنوب) التطرف العرقي والديني، إلغاء الآخر، (إن الثقافة السائدة هي بالضرورة ثقافة الطبقة الحاكمة) والثقافة تراكم إنتاجي ومعرفي له خصائص مميزة تتأثر وتؤثر بالمجتمعات الأخرى فهل تمثال الحرية مشرع شعلة الحرية في واشنطن وهل من قبيل الصدفة إنشاء هيئة الأمم المتحدة بكافة هيئاتها وفروعها ومراكزها ومؤسساتها والبنك الدولي ،حتى إن العملة المعتمدة الدولار الأمريكي إلى جانب تشريعات القوانين التي تتماشى مع مصالحها.. فلماذا الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية تتحكم بمصير العالم من خلال استعمال حق النقض الفيتو الذي يخولها إبطال أي قرار يتعارض مع مصالحها الخاصة، إنها هيمنة المال وهل من قبيل الصدفة أن مثقفي الوطن العربي والذين يتغنون بالديمقراطية الزائفة ومظاهرها الكاذبة سوى عملية ترويج لمصالح موظفيها وأسيادها واستمرارية بقاء الملوك والسلاطين والأمراء ومحاربة الحركات والأنظمة والحكام سوى خدمة لمصالحهم وأهدافهم كما يتاجرون بالديمقراطية والحرية والحضارة؟ فالدول الأخرى بمثقفيها ومنظريها قالت (إن الحرية فهم الضرورة) (وإن شعبا يستعبد شعب آخر لا يمكن أن يكون حرا)، وإن من يختبئ خلف ظله لا يرى إلا نفسه ولا يعني بالضرورة أنه سيد الموقف فالقوانين الطبيعية تفعل فعلها ضمن قوانين ثابتة ومنتظمة.
فهل حرب العراق بمسوغاتها كانت عادلة والحرب على سوريا واليمن كانت مبررة؟ على مثقفي وزعماء أحزابنا أن يسألوا أنفسهم من خلال إطلالة عابرة على تاريخ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، وبادئ ذي بدء احتل الأوروبيون هذه الأراضي واعتبروها أنها خالية من السكان في حرب إبادة شنوها على الهنود الحمر مقتلعين سكانها الأصليين بتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم ودون التطرق إلى مجموع الحروب التي خاضوها ضد الهنود بأبشع الأساليب وأكثرها دموية وعنفا، اسمحوا لي أن أذكر لكم ما فعلوه بعدما أبرموا صلحا مع الهنود عندما تم الاتفاق على صك الهدنة قدم الأمريكيون للهنود أغطية من البطاطين وبعض الأدوات كانوا قد جلبوها من مستشفيات معزولة من بلادهم حاملة للأوبئة والأمراض والفيروسات مثل الطاعون، الدفتيريا، الحصبة، السل والكوليرا، لاشك بأنها حرب بيولوجية بامتياز حصدت ما يقارب من 80% من السكان ضاربة بعرض الحائط كافة القوانين والقيم الإنسانية وانتخب أول رئيس في عام 1784م السيد جورج واشنطن، الذي أقام أول اتحاد بين كافة الولايات (بعيدا عن حق تقرير المصير بل بحرب ضروس تحت شعار انشقاق بين الولايات التي صوتت ضد قانون العبودية) وتكوين دولة قوية قادرة على الاعتداءات والحروب فحاربوا الأسبان والفرنسيين، كما خاضوا حرب الستين عاما للسيطرة على البحيرات والطرق التجارية والمناطق الغنية بالخيرات المادية (ذهب، معادن، بترول ومواد أخرى ) وجندوا حملة ضد (البيرو) وهاجموا المكسيك مغتصبين جزءا من أراضيها ومن حدودها وأطلقوا عليها ولاية تكساس كم أنهم بنوا جدار (التمييز العنصري) وبحملة أخرى اقتطعوا من المكسيك أجزاء أخرى أطلقوا عليها ولاية كاليفورنيا وولاية نيو مكسيكو في عام 1846م، وعلى سبيل الذكر كانت تكاليف تلك الحروب المادية فقط ما يقارب 2.4 مليار دولار، ثم أغاروا على ميناء (أغرات تاون) في نيكاراجوا في عام 1954م كما غزو الأورجواي وقناة بنما، كولومبيا، هايتي ونيكاراجوا في عام 1873م، كما اقتطعوا خليج غوانتانامو في 1899/ من الأراضي الكوبية ثم استولوا على ستة مدن في هندوراس في عمليات حربية سقط خلالها العديد من الضحايا الأبرياء، ومن خلال أسلوب القرصنة شنوا عملية إنزال جوي على البنك المركزي في هاييتي ونهبوها واحتلوها ما بين عامين 1915م – 1943م.
إعلم أخي المتلقي والقارئ أن مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى كانت كلفتها المالية (334 مليار دولار) أما مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية فكانت كلفتها ( 4 تريليون ) والحرب على كوريا ( 341 مليار ) وكان نصيبهم في الخسائر البشرية في تلك الحروب ما يقارب مليون جندي. أين الديمقراطية في تيتم الألوف من الأبناء وترميل الألوف من النساء عدا المصابين بإصابات إعاقة جسدية وعقلية!.
كان من الممكن السيطرة السياسية والاقتصادية على مقدرات العالم بأسره والانتشار في العديد من بقاع الأرض دون ثمن مع العلم أنهم استخدموا المعرفة والتكنولوجيا وأدمغة العلماء واستنفذوها في صناعة أدوات القتل والإبادة، فالقنبلة النووية المخصبة التي ألقيت على هيروشيما كان الهدف منها خلق الرعب والذعر من أجل السيطرة على هذا العالم وبعد ثلاثة أيام فقط ألقوا قنبلة نووية مخصبة على ناجازاكي بقوة تدميرية تصل إلى 22 ألف طن من مادة (TNT) شديدة الانفجار التي خلقت أكبر مأساة إنسانية عرفها التاريخ قتل فيها في المرحلة الأولى 70 ألف إنسان ثم ازداد العدد إلى 242 ألف إنسان أمام بصر العالم وسمعه، ودليل على العنجهية والتسلط فقد سميت القذيفة الأولى بالطفل الصغير فماذا سميت القذيفة الثانية، إن العلماء والعسكريين الأمريكيين مارسوا تلك التجارب على الإنسانية والأرض في آن واحد، وبعد 10 سنوات في عام ( 1955م) شنوا عدوانا على فيتنام مخلين بالمعاهدات والأعراف الدولية التي وقعوا عليها وهي ميثاق الأمم المتحدة والتي نقلوها من عصبة الأمم إلى هيئة الأمم لتكون قادرة على أخذ القرارات الفعلية من أجل حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي كانت ضريبتها بعد مظاهرات حاشدة في بلادهم بكلفة بشرية تقدر بـ 58 ألف جندي ضحاياهم و 15 ألف جريج ومعاق والعديد من الأسرى بكلفة مادية تصل إلى 738 مليار دولار، وقتل وذبح ما يعادل 12 مليون في صفوف الفيتناميين.
ولم تكتف بذلك، فكانت السياسة العامة العسكرية والاستعمارية تقوم على أساس بناء أكبر إمكانيات عسكرية من تطوير المعدات والآلات الحربية والصواريخ وإقامة البوارج الحربية لغزو العالم وإقامة المعسكرات والانتشار في العالم، مع العلم أن المعاهدات العالمية لم تكبح جماحها عن الاستمرار في عملية الإنتاج الحربي حتى إنه يقال إنها تتميز بين الدول الصناعية الكبرى في أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم، مع العلم أنها قامت بأكثر من 143 حربا سرية من خلال دعم الأنظمة القمعية والعميلة وافتقار العالم إلى سياسة السلم العالمي على أسس الديمقراطية بل إنها كانت ثقافة العنصرية والتسلط ونهب الخيرات المادية فإن دعم الأنظمة الدكتاتورية وحروب الإنابة وكافة العنوانين والمصطلحات (الربيع العربي، الفوضى الخلاقة، حرب الإرهاب، خلق الاضطرابات، وصفقة القرن) ورغم كل ذلك فلم يثنيها القانون الإنساني الدولي عن غزو أفغانستان، العراق، لبنان، بنما، وكذلك سوريا وليبيا واليمن، التي عملوا على تدميرها وتدمير إمكانياتها العلمية والتكنولوجية والثقافة.
دعوة لكم جميعا أيها الزملاء دعونا نراجع قانون لاهاي الذي يستجوب الدراسة والتمحيص فماذا يعني استمرار أمريكيا بفرض العقوبات المالية وانسحابها من المعاهدات والاتفاقيات وعلى رأسها معاهدة الصواريخ والتلوث المناخي وشملت عقوباتها المفروضة على العالم (الأنظمة، الدول، الأحزاب، الأشخاص)، بل سمحت لنفسها بأن تكون شرطي العالم لتفرض على العالم أجمع عقوبات لمن يخلق العقوبات التي فرضها، إنها الاستعمار بامتياز والعنصرية بامتياز في تطابق لا مثيل له مع دولة الكيان والدفاع عنها وتسليحها وفرض أوسلو ومدريد وعربة يتبعها نقل السفارة إلى القدس وإعلانها عاصمة الكيان. وأكمل لطفي بوشناق (أنا حلمي بس كلمة آن يظل عندي وطن لا حروب لا خراب لا مصايب لا محن…).