الحدث - إبراهيم أبوصفية
في الثلث الأخير من عام 2015، برزت ظاهرة العمليات الفردية المتمثلة بتنفيذ عمليات الطعن والدهس وإطلاق نار، إلى جانب بعض العمليات المنظمة بنسبة أقل، وشكلت هذه العمليات ضربة للمنظومة الأمنية "الإسرائيلية" رغم قلة إمكانياتها بسبب أن القرار والتوقيت غير معلوم للجهات الأمنية.
وشهد عام 2018 عمليات نوعية صنفتها أجهزة أمن الاحتلال على أنها عمليات منظمة، مثل عملية الشهيد أحمد جرار والشهيد أشرف نعالوة وصالح وعاصم البرغوثي، وخلية علار.
وأخيرا جاءت عملية سلفيت المزدوجة على "مفرق أرائيل"، والتي قتل فيها جنديان وأصيب 5 من المستوطنين.
وتساهم هذه العمليات في انعدام الأمن في الشارع "الإسرائيلي"، وفي ضرب السياحة واقتصاد المستوطنات "الإسرائيلية"، ودفعت عمليات المقاومة وتحديدا في الانتفاضة الثانية والفترة التي تلتها، اليهود المقيمين في فلسطين المحتلة إلى الهجرة العكسية إلى الخارج، فقد شهدت سفارات الدول الأجنبية لدى "إسرائيل" إقبالاً غير مسبوق من الإسرائيليين الذين ينشدون الرحيل هرباً من أجواء التوتر والقتل والدمار. كما بين الكاتب الفلسطيني علي بدوان في دراسته "الانتفاضة الفلسطينية تزيد من إقبال الإسرائيليين على الهجرة المعاكسة".
وأوضح بدوان في دراسته، أن النصف الأول من عام 2001 كان هناك انخفاض بحوالي 50% في بيع الشقق الاستيطانية في مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة مقارنة مع النصف الأول من العام 2000. وتراجعت عمليات البناء في المستوطنات إياها بنسبة 5. 9%.
وأضاف أنه ووفقا لبيان السفارة الألمانية في "تل أبيب" فإن أكثر من 60 ألف "إسرائيلي" قدموا طلبات منذ مطلع العام 2002 للهجرة إلى ألمانيا والحصول على الجنسية الألمانية، وأن الطلبات تضاعفت ثلاث مرات شهرياً.
وفي السياق، قال الخبير والمحلل العسكري الفلسطيني واصف عريقات، إن تحرير فلسطين عملية تراكمية، ومنفذي العمليات ليسوا جيشا يقتحم ويحرر، إلا أن هذه العمليات لها تأثير آني وبعيد المدى، أما الآني فهي أنها تمس بجيش الاحتلال ومعنوياته، وتعتبر رسالة مستمرة للمستويات الأمنية والسياسية "الإسرائيلية" أن المعركة شاملة ومفتوحة بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين، وهي عملية تراكمية في صد جرائم الاحتلال.
وأوضح عريقات لـ"الحدث" أن تأثير هذه العمليات على المدى البعيد يكمن في أنها همزة وصل بين الحاضر والمستقبل، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني لا يستطيع تحرير فلسطين وحده ولكن صموده على أرضه هو جزء من التحرير؛ لأن الاحتلال يريد لهذا الشعب أن يهاجر.
و أضاف، أن هذه العمليات تعزز الصمود الفلسطيني وتضرب المزاج الجماهيري "الإسرائيلي"، وهي رسالة للعالم على أن هناك شعبا يتواجد على أرضه ويقاوم الاحتلال، ولن ولم يقبل بالتسليم لهذا الاحتلال.
وأشار إلى أن المجتمع "الإسرائيلي" غير مستقر وغير آمن مثل مجتمعات العالم، وهذا إنجاز حقيقي للفلسطيني أن يبقى هذا المجتمع غير مستقر، لافتا إلى أنه ما دام المزاج "الإسرائيلي" غير مستقر فإن هناك هجرة عكسية. وهنا يكمن فشل الخطاب "الإسرائيلي" ليهود العالم ودعوتهم للقدوم إلى فلسطين.
وتابع عريقات أن هذه العمليات جزء من عملية التحرير الشاملة، وأن الاحتلال يدرك أنه لا يمكن له الاستمرار في احتلاله إلى ما لا نهاية، وأنه فشل في إذابة وتهجير الشعب الفلسطيني، لأن وجود الشعب الفلسطيني يشكل خطرا وجوديا عليه.
بدوره قال المختص في الشأن "الإسرائيلي" عامر خليل، إن العمليات تلعب دورا مهما في التصدي لسياسات الاحتلال وتحقق عددا كبيرا من الإنجازات المهمة في سياق الصراع.
وأوضح خليل لـ "الحدث"، أن هذه العمليات تعزز من وجود الشعب الفلسطيني، كشعب يقاوم ولا يمكن أن يقبل بالاحتلال. مؤكدا على أنها تشكل عبئا أمنيا وسياسيا على الحكومة وجيش الاحتلال. مشيرا إلى أن كل عملية تكلف الاحتلال ثمنا باهظا على كافة المستويات.
وأشار خليل إلى أن هذه العمليات تطرح علامات استفهام كبيرة أمام الاحتلال عن مدى جدوى الاستمرار بالمشروع الاستيطاني، وكذلك تطرح أسئلة أمام الجمهور "الإسرائيلي" عن مدى أهمية توجيه الأموال للمستوطنات وإهمال أراضي 1948 المحتلة.
وأكد أن التجارب في مسيرة القضية الفلسطينية تثبت مدى أهمية هذه العمليات، مشيرا إلى انسحاب الاحتلال من قطاع غزة عام 2005 في أعقاب تنفيذ عمليات ضد جنوده ومستوطنيه، وكذلك الانسحاب "الإسرائيلي" من جنوب لبنان عام 2000، مبينا أن استمرارية وتراكمية هذه العمليات تؤثر على المؤسسة الأمنية والسياسية "الإسرائيلية".