الحدث الثقافي
متى يبدأ العام عند الفلاح الفلسطيني؟ إنه يبدأ مع الأيام الأولى لبداية الموسم الزراعي الجديد، وبعد أن ينتهي الخريف، وتنتهي أيام العطلة، وبعد حصاد المحاصيل، ومع بداية أولى المجهودات البدنية لخدمة الأرض.
فصل الشتاء: تهب رياح شرقية يسميها الفلاح الفلسطيني "شراقي الصليب"، وهي علامة فاصلة بين الصيف والشتاء، "وتأتي هذه الشراقي مع أواخر أيلول - أيلول ذيله مبلول"، ومع هطول أولى مراحل الأمطار، التي يسميها الفلاح "الموسم البدري"، يبدأ العام الجديد. وقد تسمى تلك الشراقي "شراقي الخريف"، ويعتقد الناس أنه إذا بدأت "الشرقية" قبل النهار، فإنها سرعان ما تتلاشى، لكن إذا بدأت بعد طلوع الشمس، فسيستمر تأثيرها ثلاثة أيام. ويتشاءم الناس من الشرقية لأنها تجفف الوجه، وتسبب ظهور القشور في الأماكن الظاهرة من جسم الإنسان، ويقولون عن سنة الشراقي: "سنة الشراقي بتدور ما بتلاقي" أي أنك تبحث عن الخير فيها فلا تجده، ويبدأ المطر بـ(شتوة) مبكرة يسمونها شتوة المساطيح، وقد أورد دالمان هذه التقسيمات للأيام الأولى لنزول المطر:
أول يوم وثالث يوم افتوح، رابع يوم وخامس يوم وسادس يوم اذبوح، سابع يوم وثامن يوم وتاسع يوم امتوح وسعد الذابح عاشر يوم للظهر.
ونجد في روزنامة الفلاح الفلسطيني تحديداً لبداية العام، وهو يوم 14 أيلول - عيد الصليب - والذي يعتبر بداية الشتاء. وفي هذا الموعد يبرد الجو، ويقول الناس: (مالك صيفيات بعد الصليبيات) وإن (أبرقت على الصليب ما بتغيب) و(برق الصليب ما يغيب)، وفي هذا الوقت يلاحظ الناس في شمال فلسطين برقاً وكأنه قادم من جهة "الزيب"، ورأس الناقورة، ويقول الناس: "البرق علامة المطر"، وعندما يحصل البرق، يقولون: "الدنيا بتتمخط" "أي تستعد للمطر، ويأتي الرعد بعد البرق، ويفسرون ذلك بالقول: بأن "فرس مار جريس بتطارد بالمسا"، ويقول الناس: "و إذا أبرقت وأرعدت اعلم أن مزاريبها طفت".
ويعتبر قوس قزح علامة توحي بأن المطر غير محتمل الوقوع "إن قوست باكر أحمل عصاتك أو سافر"، وعلى العكس "إن قوست عصرية دورلك ع مغارة دفية"، ففي هذه الحالة يكون وقوع المطر محتملاً جداً.
وهناك تحديد آخر في الروزنامة الشعبية لبداية الشتاء، ذلك هو اليوم الثالث من شهر تشرين الثاني (التقويم البولياني). ومن الأقوال المأثورة المرتبطة بهذه البداية وعيد لد:
- في عيد لد شد يا فلاح شد ما بقى للشتا تعد.
- في عيد لد كل شداد شيد وكل رماك يحد.
- المره والحيوان اللى يحمل في هذا الوقت نسله امليح.
- في عيد لد احرث وشد.
- في عيد لد يا بتحد يا بتقد يا بتطلع ع الجبال تهد.
ومن الأمثلة الشعبية على جودة الموسم أو ردائته ظهور بعض الطيور المهاجرة إلى فلسطين وشرق الأردن مع بداية الشتاء فمثلاً:
- سنة الحمام افرش ونام: دلالة على عدم جودة الموسم
- سنة الزرزور احرث في البور: دلالة على جودة الموسم
- سنة القطا نام بلا غطا: دلالة على عدم وقوع البرد والعواصف والمطر، وبالتالي عدم جودة الموسم.
تقسيم السنة: إن تقسيم السنة يتم في سبعة أقسام مقدار كل منها خمسون يوماً:
الأول: (من العيد للعنصرة خمسين يوم مقدرة) وهي الفترة المقدرة بين عيدي الفصح والعنصرة، وفيها يحل حصاد العدس والكرسنة.
الثاني: (من العنصرة) أي إلى بداية نطر – حراسة – الكروم، وتنتهي بعيد مار الياس ( 20 تموز)، وفيها يحل حصاد القمح والشعير.
الثالث: (من المنطرة للمعصرة) أي إلى وقت عصر العنب، وهي تغطي فترة نضوج وقطف العنب والتين وتنتهي في الرابع عشر من أيلول، ومدتها 54 يوماً.
الرابع: (من المعصرة لعيد لد) وتنتهي في الثالث من تشرين الثاني، وفيها موسم الزيت والزيتون.
الخامس: (من اللد للميلادي) أي من عيد لد إلى عيد ميلاد المسيح (25) يوماً، وهي تصادف مع موسم الحراثة والبذار والحصاد وبدء الأمطار.
السادس: (من الميلادي للصيام) وهي فترة الشتاء الحقيقي.
السابع: فترة الصيام – قبل عيد الفصح المجيد وهكذا نجد عيداً في نهاية كل قسم من السنة.
وهناك تقسيم آخر غير مكتمل، مثل قمة الشتاء إلى أربعينية وخمسينية، وكذلك الحال في الصيف.
أربعينية الشتاء من 10 كانون أول إلى 19 كانون الثاني، وتليها خمسينية الشتاء.
مربعينية الصيف من 10 تموز إلى 19 آب وتليها خمسينية الصيف.
اليوم: ينقسم اليوم إلى خمسة أقسام غير متساوية هي: الصباح، الظهر، العصر، المغرب، والعشاء، وهذا التقسيم يتبع الصلوات التي يؤديها المسلمون، وهناك مصطلحات خاصة لتقسيم الليل بقسمته إلى اثنتي عشرة ساعة.
الساعة الأولى: دورة السراج، عندما يظهر تأثير ضوء السراج بعد نصف ساعة من مغيب الشمس، ويقال في هذا الوقت: "ظب سالرمس أي أرخى الليل سدوله بعد ساعة ونصف من المغيب".
بعد 3-4 ساعات من المغيب: عشا الرجال، لأن الغنم تكون في مكان بعيد ويحتاج أمر إحضار رأس من الغنم وطبخه لهذا الوقت، فعندما يقدم الطعام للضيوف تكون قد مرت أربع ساعات على المغيب.
الساعة الرابعة: مع (صيحة ديك الحردانة).
الساعة الخامسة: بعد (العشا بعشايين أو بعد اعشايتين ثلاثة).
الساعة السادسة: منتصف الليل وتسمى دورة الحرامي، أي عندما يبدأ الحرامي عمله.
الساعة الثامنة: ساعة السحور في رمضان.
الساعة التاسعة: وقت صياح الديك، فيقال: مع (صيحة الديك)، أو (أذان الديك).
الساعة العاشرة: عند صبح العتمة أو أول الفجر (ساعة ما تحق الكلب من الذيب) – أي عندما تميز الكلب من الذئب.
الساعة الحادية عشرة: المصابيح – بداية الصباح وتسمى أيضاً دغشة، أو (دغاليس النهار)، أو "ساعة قبل الشمس" أو "مسراة".
الساعة الثانية عشرة: طلوع الشمس.
ساعات النهار
الساعة الأولى: سرحة الغنم.
الساعة الخامسة: الضحى.
الساعة السادسة: دورة الغراب.
الساعة السابعة: دورة الظل، أو دورة الشمس.
من الساعة الخامسة للتاسعة: تقييلة الرعيان.
بعد الساعة التاسعة: العصر وتليها العصرية.
الساعة الحادية عشرة: العصير (والشمس توخذها بيدك) وهي تتهيأ للغروب.
الساعة الثانية عشرة: المغرب، جيبة الشمس ترويحة الغنم، ترويحة السرح.
وبواسطة النجوم: كان الفلاح الفلسطيني يحدد الوقت والجهات من هذه النجوم.
وتحدد المسافة الزمنية بمصطلحات مثل: ساعة وقتي، بسرعة، برمشة العين، شرب سيكارة، وهلة (وقت كاف).
وهناك أقوال تتحدث عن الزمن منها:
أجت ساعته: مات.
ستين سنة وسبعين يوم: بمعنى عدم الاكتراث.
بالسنة مرة: للتقليل.
شيخ متسعن: عمره تسعين سنة، هرم.
من سنة آنست ربكم: منذ الخليقة.
جمعة مشمشية: وقت قصير (ينصح فيه أن تستغل الفرص).
يوم الطحنة يوم: يوم حافل بالتعب.
وحول التفاؤل أو التشاؤم بالأيام تتفاوت وتختلف المرويات الشعبية، ونحس بذلك من خلال الأقوال المأثورة.
كل بالدين ولا تسافر يوم الثنين.
يوم الثلاثا شماتة
يوم الأربع فيه ساعة من النحس.
بيع يوم الخميس ولا تسافر يوم الخميس.
يوم الجمعة جمعة (اجتماع).
يوم الحد عيد.
أطوَل من يوم الجمعة.
الروزنامة البدوية: تضم ثلاثة أشهر تحمل اسم (صفر)، وثلاثة تحمل اسم (قيظ)، واثنين يحملان اسم كانون، و أما الأربعة الباقية فهي: شباط، آذار، شهر الخميس، وجمادى، وليس في هذه الروزنامة سوى فصلين: الصيف والشتاء.
أعياد الروزنامة الشعبية:
عيد مار الياس: 20 تموز، عيد الصليب: 14 أيلول.
عيد لد: 3 تشرين الثاني.
عيد الميلاد: 25 كانون الأول.
عيد الغطاس: 6 كانون الثاني.
عيد التجلي: 6 آب.
عيد بربارة: عيد رمضان، عيد الظحية.
عشورة: أول عاشورة كما هي التسمية في جنوب فلسطين.
التاريخ: يؤرخ الناس في الوسط الشعبي ناسبين الأحداث لسنة مشهورة، أو حادثة بارزة مثل:
* سنة الكوليرا: الكوليرا التي وقعت في مطلع القرن العشرين واجتاحت مصر وجنوب بلاد الشام.
* سنة الثلجة: السنة التي وقع فيها الثلج.
* سنة الستة وثلاثين: سنة الثورة الفلسطينية والإضراب.
* سنة طبلت الطبلة: عام 1914 عندما دق الأتراك الطبول استنفاراً للحرب، وتسمى سنة (دق الطبل).
* حرب الألمان: الحرب العالمية الثانية.
* سنة المهاجرة: 1948م.
* سنة النزحة: 1967م.
* سنة مالجينا: 1948م.
* سنة المجاعة: أثناء الحرب العالمية الأولى.
* سنة الكرامة: معركة الكرامة 21 آذار 1968م.
* سنة أيلول: 1970م.
وتقول النساء: (سنة ما حملت بفاطمة)، (سنة بنينا البيت)، (سنة ما أجوز اخوى).. الخ
الجذور الدينية والتاريخية للتقويم الشعبي: إن جذوراً إسلامية ومسيحية وتاريخية تضرب في أعماق الذاكرة الشعبية، وعن هذه الجذور انبثقت تلك المعالم الزمنية، كما أن الأعياد الدينية هذه تعود في جذورها إلى أعياد وثنية وبدائية سابقة؛ فالأولياء الذين يحتفل الناس بهم تمثل مواقعهم مواقع شخصيات دينية موغلة في القدم، والبيوت التي تقدسها الديانات السماوية الحالية، كانت ذات يوم بيوتاً لعبادات وثنية وبدائية. أما الظواهر الطبيعية التي اعتبرها الإنسان معالم على قيام حركة الزمن، فهي خالدة خلود هذه الأرض.