استبعد خبراء في الشأن القانوني أنّ يؤثر قرار انضمام السلطة الفلسطينية لـ"محكمة الجنايات الدولية" على قادة المقاومة، وإمكانية ملاحقتهم "قانونيًا".
وقال قانونيون إنّ الذهاب إلى محكمة الجنائية الدولية، التي أعلنت السلطة الفلسطينية، أمس الأول، اعتزامها الانضمام إليها لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب "جرائم حرب"، لن يعني بأي حال معاقبة "قادة المقاومة".
ووقّع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، على وثيقة للانضمام إلى 18 منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية أبرزها المحكمة الجنائية الدولية، الميثاق الممهد لعضوية فلسطين في ميثاق روما، فضلاً عن رسالتين تحملان التزامات من قبل السلطة الفلسطينية، بحسب بيان لصائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الخميس.
وسلّم عريقات، أمس الخميس، الوثائق الدولية التي وقع عليها الرئيس محمود عباس، إلى مندوب الأمم المتحدة في مقر الرئاسة برام الله.
وفي تصريحات للأناضول، قال الحقوقي الفلسطيني، راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ورئيس مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان (مستقل)، إنّه "لا خوف على قادة فصائل المقاومة من الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية".
وأضاف الصوراني: "من ناحية قانونية، القانون بيد الفلسطينيين، فحق مقاومة الاحتلال، كفلتّه كافة المواثيق الدولية، وفي المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هناك نص صريح وواضح، على حق الشعوب في تقرير مصيرها، أي في مقاومة الاحتلال بكل أشكال النضال السلمية والعسكرية".
وأشار الصوراني إلى أن إسرائيل ارتكبت في حربها الأخيرة "جرائم ضد الإنسانية"، ما يرقى إلى درجة "جرائم حرب"، مضيفا أن المقاومة الفلسطينية لم تمس أي أهداف مدنيّة إسرائيلية.
وشنّت إسرائيل حربًا على قطاع غزة، في السابع من يوليو/تموز الماضي، واستمرت لـ"51" يوما أسفرت وفق أرقام فلسطينية عن مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، وإصابة أكثر من 11 ألفا آخرين.
فيما أفادت بيانات رسمية إسرائيلية بمقتل 68 عسكريا، و4 مدنيين إسرائيليين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً، بينهم 740 عسكريا.
وأكد الصوراني على أن "المقاومة في نظر محكمة العدل الدولية، شخص مدني، على اعتبار أنه يقاوم الاحتلال، وهو ما تؤكد عليه كافة النصوص والمواثيق الدولية".
من جانبه، قال رامي عبده، رئيس المرصد الأورمتوسطي (منظمة حقوقية أوروبية تتخذ من جنيف مقرًا لها) لحقوق الإنسان، إنّ الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، لن يعني بأي حال معاقبة قادة المقاومة.
وأضاف عبده، لوكالة الأناضول، أنه في حال تم مقاضاة قوى المقاومة الفلسطينية على جرائم مفترضة بحق مدنيين إسرائيليين، وإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق من يثبت بحقه الفعل مباشرة، فإنه لن يعني بأي حال معاقبتهم.
وتابع: "لا يمكن قانونيًا، معاقبة قادة المقاومة على حقهم في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل، وهو الحق المكفول دولياً".
وتقدمت السلطة الفلسطينية في العام 2009 بطلب إلى مكتب المدعي العام للتحقيق في جرائم حرب مزعومة ارتكبها الجيش الإسرائيلي في عملية "الرصاص المصبوب" العسكرية ضد قطاع غزة (في ديسمبر/ كانون الأول 2008- يناير/ كانون الثاني 2009) في قطاع غزة.
واعترف الفلسطينيون بسلطة المحكمة في يناير/ كانون الثاني 2009 ولكن بموجب القانون فإن الدول فقط بإمكانها القيام بذلك.
ولذلك قرر المدعي في المحكمة الجنائية الدولية ترك "الأجهزة المختصة في الأمم المتحدة" تحديد إن كانت فلسطين دولة قبل أن يقرر فتح تحقيق.
ويسمح حصول فلسطين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة بتقديم طلب للمحكمة عندما تدخل اتفاقية روما حيز التنفيذ "عقب 60 يوما من تقديم طلب انضمامهم" في نيويورك.
وتعارض الولايات المتحدة وإسرائيل بشدة انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية. وحذر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن تنقلب هذه الخطوة على الفلسطينيين أنفسهم.
وقال نتنياهو، في تصريحات سابقة : "على السلطة التي تضم حماس الحركة الإرهابية بامتياز أن تخشى الانضمام".
بدوره، قال رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي (البرلمان) الفلسطيني، النائب محمد فرج الغول، إنّه لا يمكن المقارنة بين دور المقاومة في الدفاع عن نفسها، وبين جرائم الإسرائيليين المتكررة بحق الفلسطينيين.
وأضاف الغول لوكالة الأناضول: "لا مجال للمقارنة بين من يدافع عن أرضه وبين محتل معتدٍ على الآمنين في بيوتهم، وقوانين المحكمة الدولية تكفل لكل الشعوب حق الدفاع عن نفسها أمام أي احتلال".
ورأى الغول أنه لا خوف على الفلسطينيين من الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومعاقبة إسرائيل على ما ارتكبته من "جرائم".
وتابع: "حتى لو كان هناك خوف من تسييس المحكمة، ومطالبة محاكمة قادة المقاومة، القانون إلى جانبنا، الحرب الأخيرة كانت نموذجا واضحا لما ارتكبته إسرائيل من جرائم، والمقاومة كانت في حالة دفاع".
وفي 23 أغسطس / آب الماضي، أعلن عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، أن حركته وقعت على ورقة اشترط الرئيس عباس موافقة الفصائل عليها، قبل ذهابه للتوقيع على اتفاقية روما الأساسية الدولية، والتي تمكن فلسطين من الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية.
وبدأت المحكمة الجنائية الدولية عملها في لاهاي في 2003، وهي أول محكمة جنائية دولية دائمة مكلفة محاكمة المسؤولين المفترضين عن عمليات إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب
.
وتأسست المحكمة بموجب اتفاقية روما التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يوليو/تموز 2002 وصادقت عليها 122 دولة منذ ذلك الحين، ومن بين الدول التي لم تصادق عليها الصين وروسيا وإسرائيل والولايات المتحدة.
وخلافا للمحاكم الدولية المختصة مثل محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة أو المحكمة الخاصة بلبنان، فإن المحكمة الجنائية الدولية هي مؤسسة دائمة.
*الاناضول