الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سر ظهور وحدة "اليمام" في شوارع الضفة الغربية

الهروب من عار "سيرات متكال"

2019-04-01 06:33:42 AM
سر ظهور وحدة
جنود الاحتلال في شوارع الضفة الغربية

الحدث فكر ونقد- محمد بدر

 

في عام 1999 وزع المرشح للانتخابات الإسرائيلية حينها إيهود باراك منشورا باللغة الروسية على المهاجرين اليهود كشف فيه عن عملياته في إطار "سيرات متكال"، ولأن اليهود الروس ومنذ مطلع التسعينيات بدأوا يشكلون ثقلا في تركيبة "الجمهور الإسرائيلي" ولأن "سيرات متكال" تحتل حيزا كبيرا من الاعتزاز في الوعي الصهيوني، استطاع باراك أن يستقطب الكثير من الأصوات من خلال استخدامه لاسم الوحدة، وتبعه في الأسلوب ذاته موشي يعلون أحد ضباط الوحدة سابقا.

لم تكن الضربة التي تلقتها وحدة "سيرات متكال" الخاصة في خانيونس بتاريخ 11.11.2018 لتنحصر في مقتل مسؤول كبير في الوحدة وفشل العملية الاستخبارتية التي تقوم بها، بل إن الوعي الإسرائيلي كله اهتز بفعل رصاص مقاتلي كتائب القسام ومن ساندهم من المقاتلين الفلسطينيين من الفصائل الأخرى، لسبب بسيط، هو أن هذه الوحدة ظلت تصنف في الترتيب الرابع عالميا لقوة الوحدات الخاصة، وكانت محل اهتمام واحترام واعتزاز إسرائيلي، حتى كانت خانيونس، وحتى كان الهروب الشهير إلى الشرق والموت والهزيمة.

وظلت الوحدة محل ترويج ودعاية من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية والقادة الإسرائيليين حتى نهاية 2018، ومن ثم أخذ هذا الإعلام منحى آخر في الترويج والدعاية ومعه القادة، وبدأنا نسمع بشكل أسبوعي عن وحدة اليمام الخاصة، وكأن "إسرائيل" استبدلت بطلها التقليدي بعدما فشل في جولته الخطيرة أمام المقاتلين الفلسطينيين. ما قبل ذلك، كان الإعلام الإسرائيلي قد أغرق جمهوره بروايات وتقارير حول عمل "سيرات متكال" في عدة دول عربية وخاصة سوريا، حتى خُّيل للإسرائيليين أنها الوحدة المختارة التي قاتل فيها "داوود" جالوت.

"اليمام" بطل "إسرائيل" في الأحياء الفقيرة بالسلاح

تأسست وحدة اليمام عام 1974 في أعقاب عملية ترشيحا الفدائية التي نفذها عدد من مقاتلي الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وقتل فيها 27 جنديا إسرائيليا وأصيب العشرات في مقابل ارتقاء ثلاثة مقاتلين من الفدائيين المهاجمين. ولأن العملية أخذت طابع احتجاز الرهائن والتفاوض، قررت القيادة العسكرية الإسرائيلية تشكيل وحدة مختارة مهمتها تحرير الرهائن والاشتباك مع العدو من نقطة صفر، فكان تأسيس "اليمام" بمهام واضحة من وحي العملية الفدائية.

وتتبع الوحدة لحرس الحدود الإسرائيلي، وتضم مقاتلين متخصصين في القنص والتعامل مع الكلاب العسكرية وتجند لصفوفها جنودا من وحدات النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي. ويخضع المقاتلون فيها لتدريبات عسكرية مكثفة بما في ذلك على استخدام السلاح الأبيض وقتال الشوارع والفنون القتالية الجسدية، بالإضافة لخضوعهم لتدريبات نفسية لكسر الحاجز النفسي أمام القتل وارتكاب الجريمة.

ورغم أن الوحدة كانت قد حصلت على عدة ألقاب إسرائيلية في المجالات العسكرية المختلفة، منها المرتبة الأولى في قوة ودقة الاستهداف بالنار في مسابقة أجريت عام 2017، إلا أن التركيز الإعلامي على "سيرات متكال" كان له محددات سياسية إلى جانب محدداته العسكرية والأمنية؛ فرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وغيره الكثير من الساسة الإسرائيليين من خريجي هذه الوحدة. وكما أشرنا سابقا، فإنهم استخدموا اسم الوحدة لأهداف سياسية، حتى ضربت سمعة الوحدة في خانيوينس، فهرب هؤلاء إلى "اليمام" على قاعدة أهمية وجود بطل في "وعي الإسرائيلي" وتخلصا من العار الذي لحق بـ"سيرات متكال".

في يناير 2019 أعلن نتنياهو بشكل واضح أن وحدة "اليمام" هي الوحدة الإسرائيلية المركزية في "محاربة الإرهاب" متخليا بذلك عن إرثه في "سيرات متكال"، وفجأة تحولت الوحدة في نظر الإعلام الإسرائيلي إلى الوحدة الخاصة الأفضل على مستوى العالم، بسبب اغتيالها أشرف نعالوة الذي كان مسلحا بـقطعة سلاح مصنعة "كارلو" والشهيد صالح البرغوثي الذي لم يكن مسلحا عند اعترضته الوحدة قرب سردا إلى الشمال من رام الله، وكان المعقول "إسرائيليا" أن تشكل هاتان العمليتان وما تبع ذلك من اغتيال للشهيد عمر أبو ليلى، معيارا للحكم على الوحدة بأنها الأقوى عالميا، رغم أن قاتلت في أحياء فقيرة بالسلاح وواجهت شبانا غير مسلحين بعشر تسليحها.

وأصبح من الملاحظ أن بعد كل عملية تنفذها الوحدة في الضفة الغربية، يحتل اسمها العناوين الرئيسية في الإعلام الإسرائيلي، وتوجه المباركات والتهاني بشكل مباشر وخاص من قبل وزراء الحكومة الإسرائيلية وقادة "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية". ومن المثير للانتباه، أن الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية والمجموعات الإخبارية على هذه الشبكات انخرطت في الترويج لهذه الوحدة ولما تقوم به في شوارع الضفة الغربية.

وفي الحقيقة، كان من المؤسف أن ننخرط نحن كفلسطينيين في الترويج لهذه الوحدة، والحديث عنها وكأنها الشبح المقاتل الذي لا يخرج من المنطقة التي يدخلها إلا بقتل خصمه، لأنه وباختصار هذا خطاب تحاول "إسرائيل" تعزيزه بعد فشل بعض وحداتها الخاصة في بعض عملياتها كـ"سيرات متكال" و"دوفدفان" وكذلك فشل الجيش الإسرائيلي في معاركه ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية في قطاع غزة.

إن الاختبار الحقيقي لهذه الوحدة ليس في أحياء وشوارع الضفة الغربية، بل في المناطق التي يمكن أن تواجه فيها مقاتلين مجهزين بالسلاح وعلى قدر كاف من التدريب، وقد يتحول هذا التضخيم والتفخيم للاسم، في لحظة ما، في جيهة قتال ما، إلى وهم؛ كما حدث مع "سيرات متكال" التي استقال قائدها بضربة واحدة واستقالت الوحدة ككل من رمزيتها ومعانيها الكبيرة والعميقة في "الوعي الإسرائيلي" والدعاية الإسرائيلية.

"اليمام" و"سيرات متكال".. أزمة تاريخية

من المفارقات الغريبة، أن أحدا لم يستفد من الضربات التي تعرضت لها "سيرات متكال" أكثر من "اليمام"، فالصراع بين الوحدتين يمتد لسنوات طويلة، خاصة وأن كل واحدة منهما ترى أنها تستحق لقب "الوحدة الوطنية المتخصصة في تحرير الرهائن ومحاربة الإرهاب"، لأن ذلك ذلك ينعكس على ميزانية كل واحدة منهما.

وبدأ الصراع الخفي بين الطرفين على هذه المهمة وهذا اللقب بعد مقتل الضابط في "سيرات متكال" "نير بوريز" خلال اقتحام المبنى الذي كانت تخفي فيه مجموعة من كتائب القسام الجندي الإسرائيلي "نحشون فاكسمان" عام 1994 في بلدة بيرنبالا القريبة من القدس المحتلة.  وأخيرا، لتجد "اليمام" ضالتها مؤخرا في الضربة التي تعرضت لها "سيرات متكال" في خانيونس.