الجذر الاشتقاقي لكلمَتَيّ "المطارَد (بفتح الراء)- والمطارِد (بكسر الراء)" هو (ط- ر- د)، بما يحمله الجذر من معنى لفعلِ استخدام القوة لينسحب الأمر على الكلمات المشتقة من ذلك الجذر، إذ تتضمن المفردة في مفهومها الدلالي استخداماً للقوة الممنهجة والموضوعة وفق خطة. بمعنى أن المطرود، لا يُطرَدُ بموافقته أو طواعيةً أو عن طيب؛ بل قسراً وإكراهاً، ومن خلال ممارسة أفعال القوة عليه دون أن يرد بقوة مماثلة أو مساوية، وذلك لتحقق فعل (الطرد) في المطرود والطارد، والتي يكون سببها، في معظم الأحيان، اختلال ميزان القوة لصالح الطارِد؛ فهي، هنا، علاقة سلب وسلبية بالنسبة للمطرود وتأسيسٌ لـ "الطرد المؤقت" له.
إن تاريخنا كفلسطينيين حافلٌ بالطرد الجماعي المعادل في المعنى لاصطلاح "التهجير القسري"، الممتد منذ بدء الهجرة المُصَهْيَنَة إلى فلسطين إلى يومنا هذا. وهو حافلٌ كذلك بعمليات المطاردة، ذلك أن الطرد يقتضي نشوء حركة مناوئة لعملية الإزاحة الممارسة بإيجاد حركات احتجاج أو تحرر أو مقاومة، تلك الإزاحةُ الوجودية، تخلق أفراداً أو جماعاتٍ غير قادرين على الاستسلام لواقع نشوء كيانية تستبدل وجودهم بوجود غيرهم، فتكون تلك الجماعات أو أولئك الأفراد، المطرودين مطاردين في تعريفهم الوجودي، واستبدال سرديتهم التاريخية، واستعمار زمنهم.
هنا، يغدو بالإمكان بناء (علاقة الطرد) تأسيساً على زمانية الوقت ومكانية الجغرافيا، في مقاربة تستدعي الزمن القادم أو المستقبل، في حالة دائمة من العيش على أمل ما، ليؤسس الفلسطيني كينونته الوجودية دون اكتفاء بتحقق قيم البطولة في الأسير والشهيد، بل وتؤسس لصيغة بطولية ثالثة توازي –إن لم تتفوق على- الأوليين؛ وهي حالة من الوجود ما بين الأسر والشهادة؛ المتحققة في المطارد، ليكتمل به الثالوث الهرمي النضالي لقيمة البطولة.
ويجتمعُ في ثالوث البطولة الفلسطيني؛ الأمل،كقيمة أساسية تشكل قنطرة العبور للأمام لتؤسس للمزيد من النضال ضد المُستعمِر. فالمُطارَدُ، الماضي في جغرافيا المكان، يحملُ معه دائماً أملاً بإمكانية الانتصار على فكرةِ الطرد من مكانه وجغرافيته السابقة، والأسيرُ يفعلُ فعله في «تربية الأمل»، كما يقولُ درويش، والشهيدُ يلحقُ بأملِ آدم الدائم في الأزل المتمثل في العودةِ إلى الفردوس المفقود.
أما المُطارِدُ فإن زمانية الوقت ومكانية الجغرافيا، تعني شراء اليأس، ذلكَ أنها تُعيدُ تعريفَهُ لذاته وهويتِه بناء على علاقته مع المُطارَدِ والتي تسيرُ في اتجاهين: الأول، تبادلي بنتيجة أن المُطارِد يُصبح مُطارَداً، والمُطارَدُ يتحول إلى مطارِدٍ في المكان نفسه الذي يُصبحُ لـ (المطارِد) مكاناً للطرد الدائم، وللآخر (المُطارَد) مكاناً للطردِ المؤقت. وأما الآخر، فعكسي لصالح أحد الطرفين، وإن لم يتماثلا في شرعية الوجود وتمثُّلاته؛ بمعنى أن مقدرة وقوة أحدهما تتجلى أساساً في استمرارية هذه العلاقة من عدمها، لتكون ضعفا للمُطارِد وقوةً للمطارَد إذا استمرت، لكنها لا تكون عكسية ضد المطارَد، إذ تنتهي بقيمة بطولية:«شهيداً أو أسيراً».
إن أساسية الزمان والمكان في عملية المطاردة مرتبطة بـ "النهاية" أو بوجود "خاتمة" ما للتاريخ الذي يُشكِّلُه ويُخلِّقه المُطارِد والمُطارَدُ ضمن عملية المطاردة، ليجتمع الإثنان في تأصيل تعريف هوية كل منهما، عبر استدعاء المواجهات القيمية واستمرار تثبيت أنها موجودة ،فطالما بقي المستعمِرُ موجوداً، استمرت المُطاردةُ واستمر الأسر واستمرت الشهادة.