الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الأغنية الشعبية الفلسطينية

2019-04-09 09:17:35 AM
الأغنية الشعبية الفلسطينية
الأغنية الشعبية الفلسطينية


 

  الحدث الثقافي 

يشكل تراث أي أمة  من الأمم بمكوناته المادية وغير المادية سجلاً يسطر تاريخها وأساليب عيشها بكافة التفاصيل ليشكل هويتها ودليل وجودها.  ويعد الفلكلور الشعبي الفلسطيني مرآة تعكس حياة الشعب الفلسطيني المادية والروحية، التي تداولتها الأجيال وتوارثتها جيلًا عن جيل.

ويعج الفلكلور الشعبي الفلسطيني بكم هائل من الإبداعات الشعرية والحرفية وأساليب التعبير المختلفة، وأساليب العيش واللباس وألوان الدبكات والرقصات والعادات والتقاليد، ليعطي عبر هذا المخزون العريق الصورة الواضحة التي تقف سدًا منيعًا في وجه الغزو الإحلالي الذي يحاول طمس تاريخ الشعب الفلسطيني، وسرقة كل الأدلة التاريخية التي تدل على الحق الفلسطيني لينسبها إلى قلة منبوذة غازية ململمة من كافة أنحاء العالم، ليخلق لها تاريخًا مزيفًا يستطيع بموجبه زراعتها في أرض غريبة عنها، ليجعل لها ارتباطًا بيئيًا تستطيع الاعتماد عليه للانتشار في كافة أوصال الطن العربي والإسلامي.

فالفلكلور الفلسطيني يشكل أحد دعائم الثقافة الوطنية، فنحن في فلسطين معنيون أكثر من غيرنا بالحفاظ عليه وتدوينه ودراسته وتحليله ونشره؛ لأن التجزئة والعولمة والتغريب تعد عواصف تلعب دوراً نشيطاً في طمس الشخصية الوطنية الفلسطينية ومحوها.

كما تنبع الخصوصية الفلسطينية في الحفاظ على التراث من ما تتعرض له فلسطين من تهويد طال كل جوانب الحياة؛ فتعرضت أسماء الأماكن والشوارع للتحريف، واللغة للتغيير، والزي الشعبي للسرقة، والأماكن الدينية التاريخية للهدم والتخريب... وغير ذلك الكثير.

وتعد الأغنية الشعبية أحد عناصر التراث الفلسطيني التي يمكن لكل متمعن أن يضع يده من خلالها على مواطن الألم ومحطات العذاب التي مر بها الشعب الفلسطيني، كما يمكن بالوقوف على محتواها معرفة أساليب الحياة والعادات والتقاليد والأدوات التي استخدمها هذا الشعب للتغلب على ظروف الحياة وقهر القهر.

وتصور الأغنية الشعبية القيم الفلسطينية التي آمن بها الشعب الفلسطيني، وما ينكره ويستهجنه من تصرفات ممجوجة غير مقبولة.

وتتعدد أشكال الأغية الشعبية بتعدد المناسبات والمواقف التي نظمت من أجلها، فنجد أغاني الحماسة، ونجد أغاني الجهاد، وأغاني الحصاد، وأغاني الختان، وأغاني الرثاء... وغيرها مما تعج به الحياة من مواقف.

إن التعرف على تراثنا وثقافتنا والتشبث بكل لوحة وكل رسم وكل موال وأغنية ولحن يربطنا بالأرض التي اقتلعنا منها لهو أمر في غاية الأهمية.

الأغنية الشعبية: تعريفها وخصائصها:

تتعدد ألوان التعبير الفنية التي يعبر بها المجتمع الشعبي عن نفسه وعن أفكاره وآماله ومعتقداته بتعدد الوظائف التي يؤديها كل نوع منها.

والأغنية الشعبية أحدى الفروع الرئيسة في عائلة المأثورات الشعبية، مثلها في ذلك مثل الحكاية الشعبية والمثل الشعبي والألغاز، وان كانت تختلف عنها اختلافاً جوهرياً تتلخص في أنها تتكون نتيجة لتزاوج النص الشعري مع اللحن الموسيقي اللذين ينبعان من المجتمع الشعبي نفسه في أغلب الأحيان؛ ولذلك فقد كانت هناك محاولات عديدة لتعريف الأغنية الشعبية ورسم حدودها واستغرقت وقتاً ليس بالقصير،  ولا زالت هذه التعريفات تتعدد يوماً بعد يوم بتعدد أنماط الحياة وظهور أشكال جديدة من التعبير الفني الشعبي.

ويعّد مصطلح الأغنية الشعبية أحد المصطلحات الحديثة التي دخلت إلى لغتنا العربية كترجمة المصطلحين الألماني VOLKLIED  والإنجليزي FOLKSONG بعد أن استقر مفهومها لدى الدارسين الأوروبين.

ولقد وضع الدكتور أحمد مرسي بعض خصائص الأغنية الشعبية بحيث تتميز عن غيرها من الأغاني الشائعة وهي:

(1)  أن الأغنية الشعبية يجب أن تكون شائعة؛ ولكننا يجب أن نحترز، فليست كل أغنيه شائعة شعبية بالضرورة.

(2)  أن الأغنية الشعبية تنتقل عن طريقة الرواية الشفوية؛ ما أوجد نصوصاً عديدة للأغنية ذاتها.

(3)  أن الأغنية الشعبية تبلغ أوج ازدهارها في المجتمعات الشعبية؛ حيث لا يوجد لها نص  مدون سواء كان هذا النص شعرياً أم موسيقياً.

(4)  أن الأغنية الشعبية أكثر محافظة على الأسلوب الموسيقي الذي تستخدمه بالقياس إلى غيرها من الأغاني.

(5)  أن سمة المرونة التي تتسم بها الأغنية الشعبية تساعدها على الديمومة، فتظل محفورة في ذاكرة الناس وتتعدل باستمرار لمواجهة الأنماط الجديدة في الحياة.

(6)  أن أسماء الذين ألفوا الأغاني مجهولة تماماً عدا المحترفين الذين يكتب لهم مؤلفون أغاني ومواويل خاصة بهم.

(7)  أنه يمكن إضفاء صفة الشعبية على الأغاني التي أبدعها فرد من الأفراد ثم ذابت في  التراث الشعبي الشفاهي للمجتمع (انخراط الأغنية في التراث الشعبي).

(8)  أنه على الرغم من الانتقال الشفاهي والجهل بالمؤلف اللذين تتصف بهما الأغنية  الشعبية عامة إلا أنه لا يمكن الجزم بعدم وجود مؤلف معين أو نص معين لبعض الأغاني الشعبية.

أهم العوامل التي تؤثر في الأغنية الشعبية:

العامل الأول: هو ما يمكن أن نسميه بالاستمرار أو الدوام الذي يربط الماضي بالحاضر الذي أكسب الأغنية الشعبية مرونة عن طريق الرواية الشفهية.

العامل الثاني: التغير الذي يلحق نص الأغنية أثناء تداولها في المجتمع الشعبي، ويمكن أن يكون مصدر هذا التغيير ما يأتي:

1- نتيجة الانتقال الشفاهي من فم إلى فم، دون الاعتماد على نص مطبوع مدون؛ ومن ثم لا تثبت الأغنية على نص معين واحد لا يتغير؛ وإنما تكون دائماً في حالة تغير.

2- نتيجة صياغة المواد الموجودة في البيئة  من قبل، والتي يمكن أن تكون قد بليت وفقدت  حدتها بالنسبة للمجتمع؛ فينشأ الإحساس بضرورة التغيير لكي يحل التعبير الجديد محل القديم مؤدياً وظائف جديدة يحتاجها المجتمع.

العامل الثالث: عندما ينفصل جزء أو أكثر من أغنية ليدخل في نسيج أغنية أخرى.

العامل الرابع: ما يفعله بعض مؤلفي وملحني الأغاني المعروفين الآن من تحوير داخل الإطار التقليدي للنصوص والألحان الشعبية؛ ما يؤثر سلباً في استمرارية الأغنية الشعبية.

والأغنية الشعبية كما يعرفها الدكتور أحمد مرسي هي: "الأغنية المرددة التي تستوعبها حافظة جماعة تتناقل آدابها شفاهاً، وتصدر في تحقيق وجودها عن وجدان شعبي".  وهي تتعدد بتعدد مناسباتها ويختلف شكلها باختلاف الإطار الذي تعيش فيه؛ فالأغنية الدينية تختلف عن أغنية العمل، وهما مختلفان عن أغاني الأطفال، وهكذا.

أنواع الأغاني الشعبية:

1- الموال: لقد اتفق الدارسون أن الموال فن غنائي شعبي شائع في معظم البلاد العربية. وللموال أنواع منها:

أ- الموال البغدادي: ويتكون من أربعة أبيات متحدة القافية.

ب- الموال الأعرج: وهو في العادة يتكون من خمسة أبيات متحدة القافية ما عدا البيت الرابع، فيكون على قافية مخالفة.

ج– الموال النعماني: ويتكون من سبعة أبيات، وبعض الفنانين الشعبيين يسمونه (السبعاوي أو السباعي) نسبة إلى عدد أبياته.  ويتميز هذا النوع من المواويل بأن الأبيات: الأول والثاني والثالث والسابع متفقة في قافيتها؛ أما الأبيات: الرابع والخامس والسادس فمن قافية أخرى مغايرة للأبيات السابقة.

مميزات الموال: يتميز الموال عادة بأنه ينظم عادة على وزن البحر البسيط) مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن (لكن هذا الوزن يضطرب كثيرًا على ألسنة الفنانين الشعبيين المحترفين؛ الذين يعتمدون في المقام الأول على الموسيقى المصاحبة لهم، لا على ضبط الوزن الشعري. ومما يميز الموال ظاهرة التلاعب بالألفاظ فيما يسميه الدارسون "بالجناس".

2- أغاني الطفولة: وتشتمل على: أغاني الميلاد، أغاني ترقيص الأطفال، أغاني الختان، أغاني ألعاب الأطفال.

3- أغاني الخطبة والزواج: تحتل الأغاني الشعبية التي تعنى في مناسبة الخطبة والزواج جانبًا ثريًا في بناء الأغنية الشعبية في كل المجتمعات الإنسانية عمومًا، وفي المجتمع الفلسطيني خاصة؛  ذلك أن أغاني الحب من أقدم أنواع الأغاني الشعبية منذ عرف الإنسان هذه العاطفة السامية، ومن ثم فإن التعبير عن هذه العاطفة ومسارها الطبيعي من أهم وظائف هذا النوع من الأغاني الشعبية.

ولا تقتصر الأغاني الشعبية في هذه المناسبة على وصف جمال العروس ووصف محاسنها فحسب؛ بل تركز أيضا على صفاتها الخلقية وما تمتاز به من أصل طيب وخلق كريم.

4- أغاني العمل: تهدف أغنية العمل إلى إضفاء جو مناسب لطرد الملل، ولتنسيق حركات العمال وزيادة مقدرة العمال على بذل الجهد  بتوقيع حركتهم في انتظام يوحد هذه الحركة، فالعمل الجماعي ارتبط بمنافع عملية اكتسبها من الخصائص الإيقاعية التي تحفز العمال على زيادة نشاطهم وتمكنهم من المحافظة على زمن الحركة التي يؤدونها أثناء العمل.

وقد تتناول هذه الأغاني العديد من الموضوعات والمشاعر المختلفة؛ من حنين وحب وشكوى الزمن، والأمل في تحسين الحال، والاعتصام بالله، والتخفيف من المشقة، وغير ذلك من الموضوعات.

5- الأغاني الدينية: وتحظى هذه الأغاني باحترام كبير ينبع من المناسبة التي تغنى فيها والمضامين التي تحتفل بها، وتتصل في جوهرها بالمعتقدات الدينية المتأصلة في ضمير المجتمع، ويهتم المجتمع الشعبي في فلسطين بالمناسبات الدينية العامة، وأهمها: مناسبة مولد النبي عليه الصلاة والسلام، والهجرة، والحج، ... الخ.

أهم العوامل التي تؤثر في الأغنية الشعبية:

العامل الأول: هو ما يمكن أن نسميه بالاستمرار أو الدوام الذي يربط الماضي بالحاضر الذي أكسب الأغنية الشعبية مرونة عن طريق الرواية الشفهية.

العامل الثاني: التغير الذي يلحق نص الأغنية أثناء تداولها في المجتمع الشعبي.  ويمكن أن يكون مصدر هذا التغير ما يأتي:

1- الانتقال الشفهي من فم إلى فم دون الاعتماد على نص مطبوع مدون.

2- نتيجة صياغة المواد الموجودة في البيئة  من قبل، والتي يمكن أن تكون قد بليت وفقدت حدتها بالنسبة للمجتمع؛ فينشأ الإحساس بضرورة التغيير لكي يحل التعبير الجديد محل القديم مؤدياً وظائف جديدة يحتاجها المجتمع.

العامل الثالث: عندما ينفصل جزء أو أكثر من أغنيه ليدخل في نسيج أغنية أخرى.

العامل الرابع: ما يفعله بعض مؤلفي وملحني الأغاني المعروفين الآن من تحوير داخل الإطار التقليدي للنصوص والألحان الشعبية؛ ما يؤثر سلباً في استمرارية الأغنية الشعبية.

والأغنية الشعبية كما يعرفها الدكتور أحمد مرسي هي: "الأغنية المرددة التي تستوعبها حافظة جماعه تتناقل آدابها شفاهاً وتصدر في تحقيق وجودها عن وجدان شعبي" وهي تتعدد بتعدد مناسبتها ويختلف شكلها باختلاف الإطار الذي تعيش فيه،  فالأغنية الدينية تختلف عن أغنية العمل وهما مختلفان عن أغاني الأطفال وهكذا.

ما هي العوامل التي ساهمت في انتشار الأغنية الشعبية الفلسطينية لكافة قطاعات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بعد عام 1967م؟

1- وحدة الظروف التي عاشها أبناء شعبنا الفلسطيني من غربة وتشتت وألم ومعاناة وشوق متدفق نحو الحرية والاستقلال؛ حيث تولد هذه الظروف أحاسيس مشتركة تجد تعبيرها في الأغنية الشعبية؛ فليس غريبًا أن تنتشر مثل هذه الأغنية لدينا:

              يا يما في دقه ع بابنا              يا يما هاى دقة أحبابنا

              يا يما هاى دقه قوية               يا يما دقة فدائية

              يا يما عشاق الحرية              يا يما دقوا على بوابنا

2- لعبت وسائل الاتصال الحديثة دورًا كبيرًا في انتشار الأغنية الوطنية الفلسطينية، ومن أبرز هذه الوسائل إذاعة فلسطين؛ حيث تذيع هذه الإذاعة بالإضافة إلى الأخبار والتحليلات السياسية، الأهازيج والأغاني الوطنية الفلسطينية التي أصبحت جزءًا من التراث الشعبي الفلسطيني.

3- الظروف التي عاشها الشعب الفلسطيني خلقت حركة الاهتمام بالتراث الشعبي الفلسطيني؛ ما أوجد مناخًا ملائمًا لانتشار الأغنية الشعبية؛ فالاهتمام الأكاديمي والفني أعاد للأغنية قيمتها بعد أن كانت في طريقها إلى الذبول.

4- ازدياد أعداد المبدعين والموهوبين في مجال الغناء والفن بشكل كبير.  وتعود هذه الزيادة للمعاناة التي كان يعاني منها الشعب الفلسطيني؛ فالمعاناة تخلق الإبداع، واستعمل المبدعون أشكال الغناء الفولكلورية مثل: عتابا، وميجنا، وغبرها.

5- أصبحت الأغنية الشعبية شكلًا من أشكال مقاومة الاحتلال؛ إذ أن الاحتلال لا يستطيع، مهما بذل من جهد، منع انتشارها أو مراقبتها والحد من تأثيرها؛ وما تعرض له أبناء شعبنا من تنكيل وتشريد وسجن وهدم بيوت تجد صداه في الأغنية؛ حيث ترفض الأغنية هذا الظلم وتقاومه.

تطور الأغنية الشعبية:

لقد واكبت الأغنية الشعبية في فلسطين المراحل مرت بها كل أنماط وأشكال الأدب الشعبي الأخرى، فالأغنية الشعبية هي أهم وأشهر الأنماط الشعبية السائدة في فلسطين منذ بداية القرن الماضي؛ وتقريباً لأنها تستجيب بقوة واكتمال لتطورات الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في بلادنا، بعكس النكتة الشعبية مثلاً التي تراجعت خلال هذه الفترة ؛لأنها لم تستطيع أن تعبئ ذاتها في أدوات الصراع.

وكان للتطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وكما أسلفنا أثره الكبير في انعكاسه على تطور الأغنية الشعبية.

ففي الموال -وهو من أشهر أنماط الأغنية الفلسطينية- يمزج الفلسطيني بين الأرض والحب والمرأة بصورة يمتزج فيها الوجد مع الأمل.

وتعتبر ظريف الطول من أهم الأغاني الشعبية التي تتناول العشق والجمال ووصف المحبوب؛ بينما اختصت أغاني "مشعل" بالحنين واللوعة والشوق؛ أما "الميجنا" فهي تعبر عن آلام وآمال الشعب الفلسطيني؛ وتعد "الدلعونا" فهي من أشهر الأغاني الشعبية الفلسطينية، وترتبط برقصة الدبكة ارتباطاً كاملاً كما أنها تغنى على أنغام الأرغول أو المجوز أو الشبابة. وأغاني الدلعونا ذات موضوعات نضالية بالإضافة إلى الشوق والحنين والوصف.

ولـ"جفرا" في الغناء الشعبي الفلسطيني أثر واضح، وهي من الأغاني البدوية الفلسطينية، ولقد تطورت الجفرا لتغني اللحن الوطني المقاوم والارتباط بالأرض، كما أنها تتسع لتشمل الأمل المنشود في الصمود.  وقد تعامل الوجدان الشعبي مع لحن جفرا فقامت العديد من الألحان والأهازيج عليه، ونسجت على منواله؛ ما يدل على مدى الأهمية لهذا النمط الغنائي في الوجدان الفلسطيني.

ولقد مرت الأغنية الشعبية الفلسطينية بثلاث مراحل هي:

1. المرحلة الكلاسيكية: وتتمحور هذه المرحلة بمفاهيم طبقة الإقطاع السائدة في ذلك الوقت، فالدين هو محور الأغنية الشعبية الكلاسيكية، والقضاء والقدر والقبول التام إلى حد القناعة هو أقصى ما تقدمه هذه الأغاني لطبقة الفلاحين والفقراء والحرفيين.

يا زارع  الود هو الود  شجرة  قل

وسواقي الوداد نزحت وماءها قل

أيام  بناكل عسل  وأيـام  بناكل خل

أيام ننام ع السرير وأيام ننام ع التل

أيـام  نلبس  حـرير  وأيـام نلبس فـل

أيام بتحـكم على  أولاد  الكـرام تنذل.

2. المرحلة الرومانسية:  بسقوط طبقة الإقطاع كانت البرجوازية التجارية قد نشأت وأفرزت طبقة جديدة من الصناع والأجراء؛ وقد نتج عن ذلك مرحلة جديدة في الأغنية الشعبية؛ حيث وجدت من الرومانسية منفذا للطاقة الشعبية التي تدفقت في مناخ أوسع وأشمل؛ ولكنه منفذ لم يتجاوز الهوامش البرجوازية.

مـن بعــد هشيـم  العظـام  لـيش  التقطـيب

بتقطبوني يا ناس  وأنا  أصلي كنت طـبيب

فتـشت  بالجسـم لقـيت جـرح بـلا  تقطـيب

كل ما أخيط دوايره يفلت مني  ولا يطيب.

3. المرحلة الواقعية: جاءت نتيجة لحتمية تطور الصراع الوطني في فلسطين في مطلع القرن العشرين وبداية الثورات الوطنية الشعبية ضد الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية.

مهمـــا طـال عتم الليل                     بتجليه شمس ا لحريــــــة

مهما طـال الليل وطال                         وغطى سواده ع الأطلال

عنا فــي الوطن أبطال                        بتعيـــــد شمـس الحريــة

لأجـل الزيتونه والتوت                         وأشجـــار المندلينـــــــــا

بدنا نحارب حتى نموت                    أو ترجـــع فلسطينيـــــــا

السمات الموسيقية في الأغنية الشعبية الفلسطينية:

تنبثق الأغنية الشعبية عند الأمم من أصل واحد ذي موضوع مشترك يعكس البيئة والحالة النفسية والعادات الملازمة لتلك الشعوب. وهذا يصدق على الأغاني الشعبية في فلسطين؛ فهي ألحان فطرية لا اثر فيها لصنعة متعمدة ارتجلها فرد من أفراد الشعب بطريقة بدائية، لا كلفة فيها ولا تكنيك وتناقلها الأبناء من آبائهم والبنات من أمهاتهن.  وتتضمن هذه الأغنيات صوراً واضحة من العادات والتقاليد والمعتقدات التي يتحلى بها شعبنا الفلسطيني، مثلها مثل أغاني الشعوب الأخرى.

مواضيع الأغاني الشعبية:

تجارى الأغاني الشعبية الفلسطينية أغاني باقي الشعوب في تبويب  مواضعها؛ إذ تحتوي على المواضيع والمناسبات التالية: الأعياد والاحتفالات الدينية، الحب والغزل وأغاني الأفراح والأعراس والختان والميلاد، الحب والحماسة والحث على القتال، السياسة، العمل والتجارة، المآتم والرثاء، الروايات والأقاصيص، الرقص.

ومن الأغاني ذات المضمون الديني:

يا سامعين الصوت صلوا على محمد

كل الدنيا تصلي على محمد

يا ريت إلي ما يصلي على محمد

يموت وبخاطره شم الهوى

ومن أغاني الغزل:

شفت الزين قاعد باب طابون    يقطب في جروحه وما ظِن يطيبون.

نيالك يا زبل باب طابون       يطولك من دوس الحباب ندى.

ومن أغاني الأعراس:

عريسنا عنتر عبس    عنتر عبس عريسنا

صفوا الكراسي للعريس    من داركم لدارنا

وأغنية:

عالهوى عالهوى   وأنا رماني الهوى

وش تقول يابن العم    واحنا التقينا سوى

وابن عمي ظربني في شبريته   لمسح الدم وامشي على نيته

وابن عمي ظربني في مطرق حديد    لمسح الدم وامشي على ما يريد

ومن أغاني الرثاء والتحسر:

يا حسرتي يا غالبتني ما أصعب كتبتي علي     شوف عيني هد حيلي وأعمى عويناتي علي

وأغنية:

إجمال محملة وإجمال بتعن   وإيامٍ مظت عالبال بتعن

زميت بظاعتي ورحت أبيعن   غريب وما اشترى مني حدا

ومن أغاني القصص ما تتضمنه بعض القصص كقصة ودادة:

يا وداديييييييي    يا وداديييييييييي

ذبحوا خيك سعادييييييي   حطوا جلده عالسدادييييييي.

وعند دراستنا للأغاني الشعبية الفلسطينية علينا أن نأخذ بالحسبان عدة أمور مهمة؛ والتي من خلالها نستطيع أن نحدد معالم وملامح الأغنية الشعبية الفلسطينية من حيث شكلها الموسيقي وكل ما يتعلق بميزانها الموسيقى ومداها الصوتي ومسافاتها الصوتية واتجاه سير لحنها ومقاماتها.

ميزات اللحن الشعبي الفلسطيني:

قصر الجمل: الجمل الموسيقية في الأغنية الشعبية الفلسطينية قصيرة جداً لا تتجاوز مازوراتها ثمان مازورات؛ وهناك عدد قليل جداً مما يتجاوز الاثنى عشر مازورة؛ وتتكرر هذه الجمل مراراً عديدة.  والغريب أن هذا التكرار رغم رتابته يزيد اللحن حلاوة  ومرونة كما يزيد من جذب السامع إليه.

1- أبعاد اللحن: والبعد هو المسافة ما بين الصوتين، أحد الأصوات يكون الحد الأعلى للبعد أما الآخر فيمثل الحد الأدنى له.  وتقاس المسافات والأبعاد بما تحويه من درجات وتكون تسميتها تبعاً لهذا المقياس؛ فالمسافات في الألحان الشعبية الفلسطينية بسيطة وقصيرة؛ حيث أنها تنحصر في دائرة الطبقات الواحدة (أي مرتبــة  الديوان أو الأوكتاف)؛ حيث أن المسافات الصوتية في الأغنية الشعبية الفلسطينية غالباً ما تكون من نوع مسافة الثانية والثالثة أو الرابعة؛ والقليل من الأغاني التي تستخدم القفزات أو مسافات الخامسات والسادسات أو أكثر من ذلك؛ الأمر الذي يعطى اللحن شكلاً متسلسلاً واتجاهاً هابطاً صاعداً في سير اللحن.

2- الطابع المقامي: معظم أغانينا الشعبية الفلسطينية مبنيه على المقامات العربية.  وبنظرة تحليليه للأغاني الشعبية الفلسطينية نجد أن مقام "البياتي" هو المقام المسيطر على أغانينا الشعبية، ويليه مقام "الراست"، ثم مقام "السيكاة"، ثم "الحجاز"، وغيرها من المقامات الأخرى؛ أما في الأغاني الدينية عند المسلمين فقد كان مقام العجم هو المسيطر على أغلب المدائح النبوية والموالد؛ ثم مقام الحجاز.  ونجد أن أغاني الأطفال مبنية بالأساس على السلالم الكبيرة والصغيرة؛ وربما يعود ذلك إلى سهولة الغناء على هذه المقامات.

وسيطرة مقام البياتى على معظم أغانينا الشعبية في فلسطين يجب أن يكون دافعاً قوياً لنا للتمسك بسلمنا الموسيقى المحتوى على أرباع الأصوات؛ للصمود في وجه مرحلة التطور الخاطئة التي تخوضها موسيقانا الآن.

3- الجاذبية اللحنية: تكون جاذبية اللحن في الأغاني الشعبية في فلسطين غالباً في اتجاه منخفض، وتشاطرنا في ذلك الشعوب التركيه والهنغاريه؛ وذلك بعكس الألحان الإسكندنافية والألمانية حيث يتساوى فيها سير اللحن الصعودي والانخفاضي.

كما أن سير اللحن في الأغنية الشعبية الفلسطينية يسير حسب الأشكال الآتية:

أ‌- الخط اللحني المستوي: ويغلب هذا الشكل على أغاني الأطفال.  وهو يعتمد أكثر على الإيقاع.

ب‌- الخط اللحني المستقر: وهو اللحن الذي يدور حول نغمة الأساس؛ حيث تصعد عنها صعوداً بمسافـة أو مسافتين أو ينزل هبوطاً بنفس المسافات.

ت‌- الخط اللحني الصاعد الهابط:  وفيه يسير اللحن من درجة الأساس، ويتجه صعوداً حتى يصل إلى الدرجات الحادة في المقام (النغمات العليا)، ثم يعود تدريجياً بالهبوط حتى الوصول إلى درجة الأساس (بداية اللحن).

4- الزخرفة اللحنية: ولعل ما يلبس اللحن الشعبي صفته العربية، هو تلك الزوائد والزخارف التي يستعملها بل يرتجلها المغني أو العازف الشعبي.  وقد أصبحت هذه الزخرفة اللحنية من مستلزمات الموسيقى العربية حتى الكلاسيكية فيها إلى يومنا هذا.  والمراد بهذه الزخرفة عند المغني هو: إما لفت الأنظار إليه واسترعاء الاهتمام لمقدرته الغنائيه الخلاقة، وإما لإعطاء المزيد من الجمال إلى اللحن الذي يُغنيه.
5- الايقـــاع: إذا قمت بتحليل للأغاني الموسيقية الشعبية الفلسطينية نجد أن ايقاع أو ميزان أغلب أغانينا هو من نوع: الميزان البسيط الثنائي (2/4)، والميزان البسيط  الرباعي (4/4)، وأحياناً أخرى تجده على ميزان بسيط  ثلاثي (3/4).  وكذلك هناك بعض الأغاني ذات موازين مركبه مثل ميزان (6/8) والقليل منها ذات ميزان أعرج ( 5/4).

كما نلاحظ أن الكثير من الأغاني غير  موزونة، ولا تسير بحسب ميزان محدد، مثل: الزغاريد، والتهاليل، والموال، والتي تنتشر في جميع أنحاء فلسطين.

وأخيراً؛ قد يتصور المستمع المثقف عند سماعه الموسيقى الشعبية لدى الشعوب النامية أنها موسيقى بدائية غير  خاضعة لنظام خاص  أو أسلوب علمي متبع؛ ولكن التدقيق في مثل هذه الألحان يثبت للباحثين أنها تظل، رغم بساطتها، تخضع لأنظمة معينة وتعطى فكرة ولوناً خاصاً لكل شعب من الشعوب التي تنتمي إليها.

الخاتمة:

إن الأغنية الشعبية شاركت على مر الأزمان في تجسيد صور المعاناة التي كانت تعصف بوطننا.  والحقيقة أن المتذوق لهذا الغناء الشعبي الأصيل يجده غنياً من ناحية ومتنوعًا من ناحية أخرى؛ وهذا ناتج عن خصوصية المرحلة التاريخية التي مرت على فلسطين.  كما ساهمت الأغنية الشعبية الفلسطينية بشكل عام في توثيق الأحداث التاريخية التي مرت على وطننا.

وهذا التراث الذي صمد أمام كل التحديات وكل غزو، لم يكن يتسنى له الصمود، إلا من خلال تعليمه وحفظه ومزاولته.

المصدر