لقد فاز نتنياهو ملك إسرائيل المتطرف في انتخابات ستقوده إلى تأليف حكومة أكثر تطرفاً منه. ولعل شركاءه "الصغار" لن يقبلوا بأقل من قرار "مغامر" يستثمر زمن ترامبو "الشجاع،" ويتضمن ضم الضفة "يهودا والسامرة،" والشروع بالوسائل الناعمة وشبه الخشنة على السواء في تفريغ البلاد من النهر إلى البحر مما تبقى من السكان، وإغراء الأردن أو إجباره على استيعاب أية هجرات فلسطينية جديدة في سياق مملكة هاشمية ذات أغلبية سكانية فلسطينية ساحقة. هكذا سيكون للفلسطينيين دولة في الأردن، وإن يكن راسها هاشمي تعود جذوره إلى مكة، كما سيكون هناك دولة فلسطينية أخرى في غزة وجزء من سيناء، وتحمل اسم الدولة الفلسطينية على نحو صريح لا التباس فيه. وسوف تحمل الدول العربية الثرية من صديقات إسرائيل مسؤولية إسعاد الفلسطينيين بالمساعدات المالية في المملكة الهاشمية ودولة فلسطين على السواء. كما ستزول –أو تتقلص على الأقل- معضلة اللاجئين تقريباً على الفور بسبب استيعاب الجزء الأكبر منهم في الدولة الهاشمية ودولة فلسطين، ولن يظل على طاولة البحث إلا جيوب بسيطة من لاجئي لبنان الذين لن يكون هناك مشكلة كبيرة في استيعابهم في دول مثل كندا وأستراليا والعراق...الخ.
ما العمل الذي ينبغي أن نقوم به إن كنا نرغب في تجنب هذا المصير الذي غدا شديد الوضوح بعد هذا التفويض "الشعبي" الصهيوني الحاسم ل "اليمين" لكي ينجز المهام التي تركها "بن غوريون واليسار" دون حسم في سياق حرب "الاستقلال" سنة 1948؟
دعونا نستعرض على نحو موجز الأوضاع وموازين القوى في الإقليم الفلسطيني وفي الوطن العربي ثم في الساحة الدولية. يمكن القول بدون حاجة إلى المحاجة أننا في وضع ضعيف عموماً إلى درجة مريعة:
1. في المستوى الفلسطيني: لا يزعم أحد فيما نحسب أن لديه القوة الفعلية على الأرض التي تتيح له مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية. وبالتالي فإن أي قتال "رسمي" نظامي ضد الجيش الإسرائيلي سيبوء بالفشل التام سواء أقامت به قوات "حماس" أو قوات السلطة الفلسطينية -في حال ذهبت السلطة في اتجاه "التطرف" حد تبني خيار المواجهة العكسرية مع الدولة العبرية-. بالطبع هذا يجبرنا بحكم الضرورة الواقعية على العودة إلى فكرة المقاومة الشعبية المطعمة بحرب العصابات بوصفها المخرج الوحيد من هذا المأزق "العسكري" الذي لا قبل لنا بحله.
2. في المستوى العربي نجحت إسرائيل في تحقيق اختراق واسع من الخليج إلى المحيط، وتوجته بعقد تحالف مع الكثير من الدول العربية "المهمة،" بما في ذلك الإمارات والسعودية والبحرين وعمان والمغرب وأكراد العراق، وبدرجة ما مصر والأردن. وتكاد الدولة العبرية ان تكون الزعيم المتوج لهؤلاء في نطاق صراعهم ضد الخطر الإيراني الفعلي أو الموهوم.
من الصحيح بالطبع أن هناك قوى مثل سوريا وحزب الله ما تزال تتعامل مع إسرائيل على أنها العدو الأخطر للأمة، ولكن الاستعداد الفعلي لمناوشة الدولة العبرية يكاد يقتصر على حزب الله الذي لا يمكن مهما بالغنا في قوته أن يقف بمفرده لمقارعة إسرائيل بغرض ردعها عن القيام بالمزيد من القضم لفلسطين عبر ممارسات من قبيل ضم الضفة أو ما أشبه. حزب الله معزول عربياً ويعاني من أزمات مالية، ومشاكل داخل لبنان لا يستهان بها.
3. في المستوى الدولي: تتمتع إسرائيل بدعم مطلق من قبل الدولة المهيمنة عالمياً حتى إشعار آخر، ونعني بالطبع الولايات المتحدة. كما أنها تحظى بدعم أو "تواطؤ" على الأقل، بحسب الكثير من المؤشرات، من جهة روسيا/بوتين التي تمثل الدولة الفاعلة الثانية في الساحة الدولية. بالطبع تكاد أوروبا الشرقية حالياً أن تكون ملحقاً صغيراً بالسياسة الأمريكية، بينما تبدو أوروبا الغربية في وضع ضعيف لا يؤهلها لفعل شيء، بالإضافة إلى أن دولها الأساسية، على أية حال، صديقة لإسرائيل، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا. هكذا يبدو من العبث أن نتخيل أن تصطف أوروبا على نحو حازم وفاعل في وجه الأطماع الإسرائيلية بما يسهم في ردعها عن تدشين الهجوم النهائي في هذه اللحظة الأمريكية/الإسرائيلية الأكثر وقاحة في اتجاهاتها الاستعماية العدوانية.
انطلاقاً من هذا التوصيف نميل إلى القول إن وجود حماس في غزة والسلطة في مناطق "أ" في الضفة يسهل مهمة إسرائيل بدلاً من تعقيدها. ولا بد أن عودة إسرائيل إلى احتلال غزة مباشرة سيعيدها إلى وضع يمكن فيه اصطياد جنودها، وتوفير إمكانية الاحتكاك المباشر الذي يقدم الفرصة للمقاومين للاشتباك بآلة الدولة العبرية العسكرية، وهذا فيما نزعم ينطبق على الضفة والتجمعات السكانية الكثيفة فيها بالدرجة ذاتها.
نستنتج من كل ما سبق أن أحد الحلول "العقلانية" في هذا الزمن يمكن أن يتلخص في دفع الأمور إلى حدها النهائي في غزة وفي الضفة لإرغام إسرائيل على العودة إلى تحمل أعباء الاحتلال المباشر. وفي هذه الحالة يمكن لنا الاستفادة من "أخلاقية" "قوة" النضال الشعبي الأعزل المعنوية باعتباره نضالاً مدنياً يواجه احتلالاً معتدياً مدججاً بالسلاح، دون أن نكون مضطرين إلى التخلي عن الكفاح المسلح و "نبذ اإلإرهاب"...الخ. وقد يقود ذلك كله إلى بناء حملة كونية ل "إنقاذ" هذا الشعب، مثلما يمكن أن يسهم في تحشيد الأمة العربية التي تم تضليلها بأساطير الدولة الفلسطينية العلمانية في رام الله، وشقيقتها الدولة الفلسطينية الإسلامية في غزة.