الحدث- نجلاء فتحي
قد تفقد شعورك بالزمن وأنت تشاهد صناعة العسل الأسود في محافظة المنيا، وسط مصر، ذلك لأن هذه الصناعة التي يعود تاريخها إلى فترة حكم المماليك (من 1250 إلى 1517م) في مصر، لا تزل تحافظ إلى الآن على شكلها التقليدي، ولم تغزها أي مظاهر للحداثة.
ورغم انتشار المصانع التي تنتج هذا المنتج الحيوي، الذي يصنف ضمن قائمة الأطعمة المفضلة لدى الفقراء لاسيما في فصل الشتاء، لرخص سعره واحتوائه على السكريات التي تمنح الجسم طاقة حرارية تواجه البرد، إلا أن أصحاب الصناعة يشكون الإهمال الحكومي، الذي يعوقهم عن تطويرها، وبقائها كما هي دون تطوير.
وتمر صناعة العسل الأسود بأربعة مراحل، ورثها العاملون في الصناعة عن أجدادهم، ولم تتغير إلى الآن، كما يقول عبد الله حامد، صاحب أحد المصانع، بمركز ملوى بالمحافظة.
ووفقا لعبد الله، تبدأ مراحل الصناعة بنقل محصول القصب من مكان زراعته وتكسيره ليكون جاهزا للمرحلة الثانية وهي عصره وفيها يوضع داخل ماكينة ويصير عصير قصب، وتأتي المرحلة الثالثة ليدخل هذا العصير لمرحلة الطهو وفيها يتم تمريره مباشرة عبر أفران الطهو حتى مرحلة الغليان الشديد ويصير عسلا أسود، ولكن تتراكم فوقه الشوائب، لتأتي المرحلة الرابعة وفيها يتم التخلص من الشوائب عبر أحواض وهي مرحله التنقية ليصير العسل جاهزا في أحواض لتعبئته في صفائح معدة للبيع.
ويعد هذا المنتج من أرخص الأطعمة التي يمكن أن يتناولها الفقراء، لرخص سعرها، هذا إلى جانب فائدتها الغذائية العالية التي توصلت لها عده أبحاث في مجال التغذية، ليجمع المنتج بين الحسنيين، رخص السعر والفائدة الغذائية، بحسب يحي حامد صاحب أحد المصانع.
حامد الذي كان يحتفظ في غرفة مكتبة بتقرير نشرته إحدى الصحف عن فوائد العسل الأسود، يقول هذا التقرير: "مع كل هذه الفوائد، يمكن أن تحصل على عبوة من العسل (نصف كيلو) بقيمة أقل من خمسة جنيهات (أقل من دولار)".
ومن بين الفوائد التي تضمنها التقرير الذي يحتفظ به حامد في مكتبه، أن للعسل الأسود فائدة في علاج فقر الدم، لاحتوائه على نسبة عالية من عنصر الحديد، تفوق تلك الموجودة في أكباد الماشية، إذ يحتوي المائة جرام منه علي ستة ملليجرامات بينما تحتوي الكبدة علي ملليجرام واحد فقط، وهو الأمر الذي يجعله خير واق من سائر أمراض سوء التغذية خصوصا فقر الدم، وخير غذاء في الشتاء لأن به نسبة عالية من السكريات تمنح الجسم طاقة حرارية كبيرة.
وتوجه الكمية الأكبر من إنتاج هذه المصانع إلى السوق المحلي، غير أن هناك جزءا يذهب للتصدير وتحديدا إلى أسواق الخليج، التي تطلب المنتج ولكن بمواصفات خاصة تجعله يدخل إلى مرحلة أخرى من الصناعة لا تتم في المصانع التقليدية بمحافظة المنيا.
ويقول حامد: "يتم توريد هذا الإنتاج لشركات تعمل على رفع درج نقاوته ليصبح جاهزا للتصدير لدول الخليج".
وحتى يمكنهم القيام بتلك المرحلة وكذلك تطوير الصناعة بشكل عام، يطالب حامد بمزيد من الاهتمام الحكومي بتلك الصناعة التاريخية.
ويضيف: "لدينا مشكلة مثلا مع حصتنا المقررة من السولار اللازم لتشغيل آلات التصنيع، والتي قررت المحافظه صرفها لأصحاب المصانع وهي 200 لتر يوميا، حيث لا يتم صرفها لأصحابها بسبب غياب الرقابة ونضطر لشرائه من السوق السوداء".
ويتعجب حامد مما وصفه بـ"الإهمال"، رغم أهمية الصناعة، والتي تعد مصدر دخل لكثير من أبناء المحافظة، وكذلك للمزارعين، حيث تشتري منهم المصانع محصول قصب السكر.
ويبلغ عدد مصانع العسل الأسود في محافظة المنيا 85 مصنعا، تستهلك نسبة كبيرة من محصول قصب السكر، والمزروع على مساحة 39 ألف و477 فدان.