الحدث ــ محمد بدر
تميل معظم الدراسات والأبحاث الغربية حول الشرق الأوسط وتعقيدات العلاقات فيه، إلى المبالغة في التأكيد على تأثير القوى الخارجية في شبكة العلاقات بين الدول العربية، على حساب التأثير الإقليمي البيني. ويعزى ذلك جزئيا إلى أن العديد من هذه الدراسات والأبحاث كتبها مفكرون وباحثون غربيون، والسبب الآخر هو أن الكثير من المصادر الأولية للمعلومات عربياً وإسرائيلياً إما مخفية أو غير متوفرة.
ويحاول فواز جرجس في كتابه النظام الإقليمي العربي والقوى الكبرى: دراسة في العلاقات العربية العربية والعربية الدولية، الصادر عن مؤسسة دراسات الوحدة العربية عام 1997، أن يفك القيد عن الكثير من المصادر العربية، وذلك لتجاوز عقدة التحليل الغربي لطبيعة العلاقات والأحداث في الفترة التي خصصها للبحث وهي ما بين عامي 1955 و 1967. وهذا الأمر لم يمنعه تماما من إقصاء المصادر الغربية، لكنه يحاول أن يفكر موضوعيا وذاتيا قبل أن ينتقل للتحليل من خلال الرؤية الغربية والمنهجيات الغربية في دراسة العلاقات في الشرق الأوسط.
ولا يرى جرجس أي أهمية لفرض الاستنتاجات أو النظريات الدقيقة لتفسير العلاقات في الشرق الأوسط خلال الفترة المذكورة، ولكنه يشير بوضوح كيف أساءت واشنطن فهمها للقوى العاملة في الشرق الأوسط وسوء تقدير السياسات المتكرر الناتج عن ذلك.
ويشرح أيضا منحنى تعلم السياسة الأمريكية البطيء والثابت ، والذي بلغ ذروته بتعليقات الرئيس دوايت آيزنهاور في اجتماع لمجلس الأمن القومي في عام 1958 بأنه "نحن على وشك التخلص من التفكير بالمنطقة، فقد نؤمن بالقومية العربية". من ناحية أخرى، أصبح القوميون العرب، الذين خرجوا عن الصدارة في استغلال توترات الحرب الباردة، والذين حُذروا من الحكومات العربية المحافظة لمعظم هذه الفترة، أكثر ثقةً في قوتهم وبدأوا في إصدار الأحكام الخاطئة التي أدت إلى هزيمة عام 1967.
ويذهب جرجس إلى دعم كل تأكيد من خلال الاستشهاد بمصدر أولي، وحيثما يشرع في إصدار الأحكام من تلقاء نفسه، فإنها دائما ما تكون مبررة من خلال السياق. ويحاول الالتزام بمهمته الدقيقة، وهي دراسة العلاقة المتبادلة بين السياسة الإقليمية والدولية..
ويجتهد جرجس في أن يضع تفسيرات دقيقة لطبيعة العلاقات الإقليمية الدولية، ولكنه وفي بعض الأحيان يبدو أنه يترك غموضا غير مبرر لدى القارئ بحيث يصعب على المتلقي تفسير الرسالة أو تحليلها وصولا للاستنتاج، كما في مناقشته لصنع السياسة الأمريكية خلال الأسابيع الثلاثة الحاسمة قبل اندلاع الحرب في عام 1967.
يضّمن جرجس كتابه بمجموعة واسعة من الوثائق، ويستخدم كذلك الروايات الكلاسيكية القائمة على المقابلة لمالكولم كير، وباتريك سيل، وهانا باتاتو، ومقابلات أخرى تستند إلى حد كبير على المواد المنشورة والأرشيفية. وعلى سبيل المثال، عندما يتحدث عن حرب السويس عام 1956، يشير إلى مجموعة من المذكرات والمذكرات الرسمية والخطب. ومع ذلك، يذهب أحيانا إلى "التفسيرات الأيديولوجية" لبعض القرارات والأحداث، فيدعي جرجس تقليديا أن "الأسباب المباشرة لأزمة السويس تكمن في صفقة الأسلحة التشيكية والتحول العدائي اللاحق للسياسة الذي تبنته الحكومتان الأمريكية والبريطانية" (ص 52).
يتنقل جرجس بين مجموعة من الأحداث التي تقع بين عامي 1955 ـ 1967 كهجوم الجيش الإسرائيلي على المواقع العسكرية المصرية على طول قطاع غزة ( الأراضي المتنازع عليها على الحدود مع مصر وإسرائيل) في عام 1955، إلى الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 بين إسرائيل ومصر والأردن وسوريا، لتحليل مدى ارتباط السياسات الإقليمية والدولية ببعضها البعض، ثم يدرس تأثير القوى العظمى، أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، على هذه الأحداث.
يعدّ الكتاب مصدرا مهما للأحداث الكبيرة التي وقعت في الوطن العربي بين الأعوام المذكورة كمدار بحث، ويستقرأ الكتاب الحالة العربية بشكل أكثر موضوعية وصلة بالأحداث والواقع، بعيدا عن التفسيرات الأيديولوجية المطلقة التي تحاول أن تلقي بكل هزيمة وتراجع على التدخل الغربي. ومع ذلك، فإنه من المهم كذلك التأكيد على هذا التدخل لكن من خلال قراءة الحالة الموضوعية وتفسير معايير التدخل من خلال معايير الحالة وليس العكس.
فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وحاصل على درجة الدكتوراة في دراسات الشرق الأوسط المعاصرة. كما شغل منصب مدير مركز LSE لدراسات الشرق الأوسط من عام 2010 حتى عام 2013.
صدر له مؤخرا (2014) كتاب عن "الثورات العربية" تحت عنوان "الشرق الأوسط الجديد، الاحتجاج والثورة والفوضى في الوطن العربي". وفي ذات العام، نشر له كتاب "أوباما والشرق الأوسط: نهاية العصر الأمريكي".