الواقع العربي رديء، لا يختلف مواطنات عربيان يؤمنان بعروبتهما على هذا التوصيف رغم ما ورد في القرآن الكريم من أنهم خير أمة أخرجت للناس، لأنهم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، وهما شرطا الخير في هذه الأمة العربية أو الإسلامية أو غيرها من الأمم حتى لا نجني على مدلول الآية الكريمة.
رداءة العرب آتية من رداءة حكامهم ورداءة حكامهم تتأتى من انصراف المواطنين العرب عن الاهتمام بما من شأنه إصلاح أمرهم كأمة تسعى ليكون لها شأن بين الأمم في العلوم والمعرفة والحرية والديمقراطية وحقوق المواطن التي داسها الحاكم وجلس متربعا على رؤوس شعبه لعشرين أو ثلاثين سنة، ينهب ثروات الوطن ويعمل السياط على جلود عبيده الذين هم أهل هذا الوطن المتخم بالخيرات والثروات، ولكن واقعه يقول إنه الأفقر والأكثر مرضا وقتلا وتشريدا في وطنه وخارج وطنه بين شعوب الأرض، حتى بات العرب مسخرة بين الدول وانطبق عليهم المثل القائل " يا أمة سخرت من جهلها الأمم"، يتمحورون حول دول متجاورة يستقوون بها بعضهم على بعض، حتى ظهر ما نراه اليوم من محور غربي يلتف حول تركيا أردوغان كقطر وجماعات الإخوان المسلمين في العالم العربي بين مغربة الأقصى إلى شرقه، ومحور آخر يلتف حول إيران الممانعة يستقطب سوريا ولبنان والعراق وبعض التنظيمات، ذاك يحن إلى الدولة العثمانية البائدة، والآخر يتغنى بالصمود والممانعة وتحرير القدس والجولان، وهو محاصر لا يكاد شعبه يجد رغيف الخبز رغم الخيرات التي تنعم بها هذه البلاد التي أصابها الخراب والدمار وبحاجة إلى مليارات الدولارات لتستعيد الوضع الذي كانت عليه قبل عشرات السنين.
والأدهى والأمر من هذين المحورين، هو محور إسرائيل العدو الرئيسي الذي غرس على أرض فلسطين قبل سبعين سنة، ويلتحق بهذا المحور الإمارات المتحدة والسعودية وسلطنة عمان والبحرين وما خفي أعظم.
إن أي مراقب صحفي لمكونات هذه المحاور يرى أن أقطابها الرئيسية (تركيا وإيران وإسرائيل) لا يختلفون على رسوخ كياناتهم وأدوار دولهم، لكنهم يتنافسون على حصصهم من العالم العربي الذي بات "الرجل المريض" في عالم اليوم كما كانت حالة الدولة العثمانية في أواخر عهدها، فيما تتصارع الدويلات العربية التي تنضوي تحت لواء المحاور الثلاثة ولا ندري على ماذا تتصارع الإمارات وقطر، والسعودية وقطر، وسوريا والسعودية، وسوريا وقطر وسلطنة عمان التي تدير ظهرها للعالم العربي وتتجه صوب إيران وإسرائيل معا.
كانت مصر أملا للعرب بأن ينتظموا حولها، حتى أفقرها حكامها وبات يرثى لحالة شعبها، فيما مليارات الدولارات السعودية والإماراتية والقطرية تذهب صوب واشنطن والبنوك الأمريكية ويضيع من ثروات العرب في يوم واحد احتفاءً بدونالد ترامب الذي يحتقر الإسلام والمسلمين ستمائة مليار دولار، والحبل على الجرار طالما ظل الحكام العرب يترصد بعضهم لبعض، والمصيبة أن سيدهم واحد وهو الجالس في البيت الأبيض ووكيله الشرعي الوحيد في المنطقة العربية هو إسرائيل.
ثلاثة محاور تتصارع بداخلها الدول العربية، رغم أن قيادتها تسكن في البيت الأبيض وتنفذ السياسة الإسرائيلية في المنطقة وعنوانها صفقة القرن أو العصر أو الصفقة الأمريكية الإسرائيلية للحكام العرب، وما إن تعلن إدارة ترامب عن قرب إعلان صفقة القرن حتى تؤجلها من جديد ولكن بين موعد وموعد تعلن شيئاً من الصفقة دون أن تربط بها، فأعلنت اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، وتحاول تصفية قضية اللاجئين وحق العودة فقطعت مساعداتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وأغلقت ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية وقطعت مساعداتها للمشاريع التي كانت ترعاها في الأراضي الفلسطينية لإضعاف السلطة الوطنية وإرغامها على القبول بصفقة العصر التي تتجاهل الحقوق الفلسطينية الثابتة والمشروعة، واعترفت بحق إسرائيل في الاستيطان وضم مناطق في الضفة الغربية وعزل قطاع غزة عن جسم الوطن الفلسطيني وإنشاء كيان فلسطين في أراضي مصر مقابل الأموال لخلق عداوة تاريخية بين شعب مصر المناصر تاريخيا لشعب فلسطين وحقوقه المشروعة والحرص على سلامة البوابة الشرقية لمصر (العمق الاستراتيجي الأمني لمصر) وبين شعب فلسطين، حتى ينتهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني مصري، والأمر نفسه قد يطبق في الضفة الغربية مع الأردن كما أشارت إحدى الصحف الكويتية، وأعلن ترامب عن جزء جديد من صفقته المقيتة باعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل ومزارع شعبنا اللبنانية.
في مثل هذه الأجواء انعقدت قمم عربية في الظهران بالسعودية وتونس وعُقدت اجتماعات لوزراء الخارجية في الجامعة العربية، ويتساءل المواطن العربي: أين قرارات القمم العربية من التنفيذ؟ هل العرب المتمحورون في المحاور الثلاثة والذين ينقادون لواشنطن قادرون على تنفيذ قراراتهم؟ هل من يشارك في مناورات جوية عسكرية مع إسرائيل في اليونان أثناء انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة؛ في وارد نصرة فلسطين ورفض صفقة العار أم يعمل على تمرير الصفقة و تهيئة الأجواء للطيران الجزئي الإسرائيلي للسيطرة على الأجواء العربية وتحقيق مشروع إسرائيل من الفرات إلى النيل!. وسلطان عمان الذي وقف كالشبح بلا خجل إلى جانب بنيامين نتنياهو الذي يحبس ضحكته من هذا الشبح الذي يظهر مرة في السنة في استقبال ضيف إسرائيلي، هل يرجى من هذا خير للقضية الفلسطينية والعربية على وجه العموم؟ أم أنه يرجى من إمبراطورية البحرين أو قطر دعم ومساندة فلسطين وشبكة أمان لقيادتها لتجاوز مرحلة صفقة القرن والضغوط التي تمارس وسوف تمارس عليها لتمر هذه الصفقة!.
لعل تفاؤل الرئيس الفلسطيني أبو مازن بموقف وزراء الخارجية العرب ونتائج الاجتماع وكذلك اجتماعه بالرئيس عبد الفتاح السيسي حيث رفع علم فلسطين إلى جانب علم مصر في صالة الاجتماعات؛ يكون في محله ويخرج العرب من الوحل الذي غرقوا فيه باستعداء بعضهم لبعض للقول ولو لمرة واحدة وبصدق كفى للإدارة الأمريكية التي يقودها ترامب ومستشاروه والتأكيد على أن القدس عربية وفلسطين عربية والجولان عربية ومزارع شعبنا وقرى لبنان المحتلة عربية والتعبير عن استعدادهم للسلام والحرب على هذه القاعدة، وما ذلك على الله بعزيز.