تكون الأعمال التجارية الفلسطينية في مكانة لا تُحسد عليها إطلاقاً عندما يتعلق الأمر بممارسة الأعمال التجارية على المستوى الدولي؛ ومما لا شك فيه أن الاحتلال العسكري الإسرائيلي وعدم الاستقرار والعلاقات العامة السلبية المتولدة عن ذلك تشكل أهم مشاكلنا، ولكن لا ينفي ذلك أن كثيراً من أصحاب الأعمال ضالعون في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها شركاتهم نتيجة إخفاقهم دون تحقيق المطلوب لضمان تشغيل أعمالهم بطريقة قد تعزز مكانتهم، ناهيك عن فرص العمل التي تنتج عنها.
في جعبتي الكثير لأقوله عن ممارسات الأعمال الفلسطينية نظراً لما لدي من خبرة في مجتمع الأعمال الفلسطيني منذ عام 1994 فضلاً عمّا خبرته من أنواع وأشكال أعمالٍ ذات طاقات وقدرات مختلفة ومتنوعة، إلَّا أنني اخترت التركيز في هذا المقال على قطاع واحد فقط، وهو سوق التصدير، تحديدًا الصادرات من فلسطين إلى أمريكا
قد يتساءل البعض لماذا التركيز على هذه الزاوية بالتحديد؟ السبب انني شاركت مع زميلي الأمريكي الدكتور إدوارد ثومبسون في تأسيس المنظمة الأمريكية غير الربحية "أمريكيون من أجل اقتصاد فلسطيني نابض بالحياة (AVPE)" لبناء جسور بين رجال الأعمال الفلسطينيين والأميركيين على افتراض بسيط مفاده أن الارتباط بين رجال الأعمال الأمريكيين والفلسطينيين يُولد الأمل لاسيما على صعيد خلق فرص عمل تبشر بمستقبل أفضل للفلسطينيين، ويخلق تصورات وآراء أمريكية مستنيرة وبناءة حول فلسطين.
نحن جمعية صغيرة مستقلة تعمل بموازنة زهيدة ، إذ أَبذل وإدوارد جهودنا دون أي مقابل مادي كما هو الحال بالنسبة لبقية أعضاء مجلس إدارة المنظمة. وعبرت جهودنا هذه عدة قطاعات ومناطق جغرافية على مدار خمس سنوات من العمل والكشف، ناهيك عن مشاركتي السابقة لمدة عقدين في السوق الفلسطينية. لابد أن يأتي اليوم الذي نوثق فيه نتائجنا توثيقاً شاملاً. أما الآن، فأود أن أشارككم إفادة لمشترية متحمسة في الولايات المتحدة، وهي امرأة أمريكية متضامنة مع الشأن الفلسطيني لديها من اللطف ما يكفي لإرسال ملاحظات مفصلة عن تجربتها في العمل مع شركات فلسطينية. ونظرًا لقدرة ملاحظاتها على عكس الكثير مما لاحظناه سأستخدم إفادتها لتوضيح نقطة مفادها أن الشركات الفلسطينية "تستطيع" لا بل "يجب" أن تُبلي بلاءاً أفضل، مع التنويه بأن التعميم غير صحيح؛ فثمة العديد من الشركات التي صادفناها في الخليل، وبيت جالا، ورام الله وأماكن أخرى تُدار إدارةً جيدة، لكنها لا تمثل سوى أقلية.
مثال على ذلك
كاتي ميراندا صاحبة أعمال أمريكية، ورسامة كاريكاتير وناشطة في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي تمتلك وتدير موقعًا للتجارة الإلكترونية يسمى www.katiemiranda.com حيث تبيع أعمالها الفنية وما تصممه من مجوهرات، كذلك لديها موقع www.palbox.org الربحي حيث تتعاون مع شركات فلسطينية لبيع منتجاتها للعملاء الدوليين، إضافة إلى عملها مع منظمة AVPE في تحديد المنتجات المراد شراؤها لعرضها للبيع على الموقع المذكور.
لا يقتصر إنجاح ممارسة أنشطة الأعمال على الصعيد الدولي على ملاحظاتها البناءة أدناه، لكن مما لا شك فيه أن ترك شركاتنا لهذه الملاحظات والتشخيصات المحورية دونما وصف علاج سيلحق أضراراً بأعمالها التجارية، سواء في السوق الأمريكية أو الفلسطينية على حد سواء.
الملاحظات الرئيسة
هذه ليست إلا قِلة من تحديات الأعمال التي اخترنا تسليط الضوء عليها؛ هناك العديد من الأمور الأكثر أهمية، مثل الرغبة في التصدير مع عدم وجود مدير للتصدير، أو عدم وجود شخص يتحدث اللغة الإنجليزية في الشركة، والمؤسسات التجارية التي من المفترض أن تيسر الأعمال ولكنها تستغرق شهورًا للرد على طلب بسيط، إلى غير ذلك من الأمور.
أمَّا أنا، فلن أفقد من الأمل أبدا، ولكنني لن أغض الطرف عن عيوب الممارسات التجارية التي تنتهجها شركاتنا. لو كنّا في سوق طبيعية في دولة ذات سيادة، لما قلقت بشأن فشل الشركات لأن المنافسة جزء من ديناميات السوق. ولأننا لسنا في سوق طبيعي ولم نصبح دولة ذات سيادة بعد، وعليه ينبغي لكل شركة أن تنشد النجاح ما استطاعت في ظل الظروف العصيبة المفروضة علينا. في المقابل، يجب على الحكومة والجمعيات التجارية الفلسطينية إدراك هذا الواقع وبذل قصارى جهدها لتبسيط وتسهيل الأنشطة التجارية بدلًا من إضافة المزيد من البيروقراطية إلى سوق فيها ما فيها من التعقيد.
حتى في ظل الاحتلال العسكري، إن لم يكن لدينا قطاع خاص قادر على توفير فرص عمل مستدامة لشبابنا، فإننا سنخدم الاستراتيجية الإسرائيلية المتمثلة في دفع مجتمعنا إلى ثلاثة مسارات، إما العنف، أو الهجرة، أو التحول إلى أيدي عاملة رخيصة (أكثر مما هو عليه الحال الراهن) لخدمة السوق الإسرائيلية، بما في ذلك المستوطنات غير الشرعية.
لذا على القطاع الخاص في فلسطين تحمل مسؤوليته الوطنية بشق طريق رابع لشبابنا، طريق العمالة الكريمة والمستدامة. ولكي تكون هذه الوظائف مستدامة، لا خيار لنا سوى توسيع سوقنا المتضررة والمغلقة من خلال الدخول في عالم الأعمال الدولية؛ ذاك العالم الذي يقوم على جُملة من القواعد، والمعايير، والتوقعات التي من واجبنا أن نتعلمها ونُدير أعمالناً على أساسها.
من وجهة نظري، قد لا يكون لكل ما ذكر علاقة له بالنمو الاقتصادي أو بما يتعلق بالبقاء الاقتصادي سوى اليسير، لكن أي وظيفة تُخلق في فلسطين اليوم هي بمثابة فعل و مقاومة غير عنيفة في وجه الاحتلال العسكري لإبقاء الفلسطيني على أرضه فلسطين.
~سام بحور هو شريك ومدير لشركة إدارة المعلومات التطبيقية Applied Information Management في رام الله ورئيس مجلس إدارة منظمة أمريكيين من أجل اقتصاد فلسطيني نابض بالحياة Americans for a Vibrant Palestinian Economy وهو مُدون على موقع www.epalestine.com @SamBahour