عتبة
لن يجد المثقفون ومع أفول نجم هذا العام، صعوبة في احصاء خسارات الثقافة العربية والعالمية للعام المنصرم على كافة الأصعدة. لم يمض شهر من شهوره الطويلة الاثنى عشر دون خبر وفاة شاعر من هنا، وروائية من هناك، أو فنان، مسرحي، أو مغنٍ.. الخ، حتى يكاد المثقفون وفي زاوية من زوايا النحيب المعرفي والثقافي ان ينعتوا هذا العام وبسهولة شديدة بعام الخسارات المجلجلة التي حصدت الكثير من رواد الشعر والرواية والفن والمسرح.
ومع مطلع العام 2014، أطبق الموت أبوابه على عنق صاحب قصائد "حبيتك تنسيت النوم"، و"لما عالباب" التي غنتها فيروز، الشاعر اللبناني جوزيف حرب صاحب دواوين "شجرة الاكاسيا" و"السيدة البيضاء في شهوتها الكحلية" ثم الشاعر اللبناني أنسي الحاج، صاحب دواوين "ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة" و"لو"، ثم تلا ذلك وفاة عازف قيثارة فلامنكو من إسبانيا باكو دي لوسيا، ورحيل صاحبة دواوين "ما زال الوقت ضائعاً" و"البيت المائل والوقت والجدران" الناقدة والشاعرة اللبنانية صباح زوين، ثم جورج جرداق صاحب قصائد الزمن الذهبي الجميل. لم يتوقف حصاد الموت لهذا العام هنا، بل امتدت يده لتخطف جسد غابرئيل غارسيا ماركيز صاحب روائع "مئة عام من العزلة" و"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" ثم امتدت ليختطف بعقافته الحادة قلب شاعر الأرض المحتلة سميح قاسم صاحب دواوين "قرآن الموت والياسمين و"وثالث اكسيد الكربون"، تلا ذلك رحيل الاديبة المصرية رضوى عاشور كاتبة "الطنطورية" و"ثلاثية غرناطة" بعد رحلة علاج لمرض السرطان لم يمهلها كثيراً. على صعيد السينما والفن، رحل خالد صالح بطل أفلام " هي فوضى" و"الريس أحمد حرب"، والفنان الكبير وديع الصافي ثم تبعته الفنانة صباح وعبدالرحمن أل رشي وقبل ذلك الانتحار المدوى للمثل الكوميدي الامريكي روبين ويليامز الحائز على جوائز الأيمي مرتين وجائزة الغولدين جلوب أربع مرات وجائزة غرامي خمس مرات.
انقضى العام بخسارة هؤلاء وغيرهم، وهي خسارات كبرى لنا أفراداً وجماعات على حد سواء. خسارة لا تنذر بالموات والاستسلام، لكنها خسارة لحظية مؤلمة امام عقافة الموت الهائلة التي لا تتوقف. خسارة على شكل جولة مشؤومة في سلسة جولات صراع الحياة مع الموت. ما الفن كله سوى تلك المواجهة الاسطورية أمام الانقضاء والفناء الرمادي. ثم هل هنالك أقدر منه، من ذاك الجسد الفسيح على احداث تلك المواجهة الشجاعة امام الموت والخراب والنكوص؟
بالتأكيد لا !