الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العثور على الذات ... اغتيال الدونية بقلم: عدنان الصباح

2019-05-04 01:27:51 PM
العثور على الذات ... اغتيال الدونية
بقلم: عدنان الصباح
عدنان الصباح

 (1)

استمعت ومعي ملايين العرب للاهانات البشعة التي أطلقها البذيء ترامب ضد ملك آل سعود ومن لف لفه ولفت انتباهي التصفيق والضحك المتواصل من قبل جمهور الحاضرين وكأنني أمام مسرحية كوميدية كنت شخصيا موضوعها كما كان الملك ومع أنني لست من أنصار الملك المذكور إلا أنني شعرت بألم اللطمة يجتاحني شخصيا وبأبشع ما شعرت من اهانة في حياتي ودفعني ذلك لاستعادة تاريخ الاهانات ضد العرب وكيفية التعاطي معنا في قضايانا وثرواتنا ومستقبلنا وحتى أرضنا وفهمت كيف جرؤ ترامب على منح القدس والجولان لإسرائيل علنا وبلا خجل ولا تردد وبثقة تامة أن لا احد من العرب والمسلمين سيفعل شيئا وان فعلوا فسيفعلون ببعضهم لا بأعدائهم وإلا لما كان ثوار العراق وقوى المعارضة إبان حكم صدام حسين قد اعتبروا احتلال بلادهم تحريرا وقد اضحك ترامب جمهور مستمعيه علينا بشكل كان واضحا منه ان الجميع يفهمون النكتة مما أشعرني ان جميع من كانوا هناك يعرفون مسبقا أننا حالة تستحق الضحك لمجرد ذكرنا وهو ما جعلني في سلة واحدة مع ملك آل سعود الذي قال عنه احد كتبة البلاط انه قرأ 120 ألف كتاب ووصفه بأنه رمز للثقافة والمثقفين وما كتبه هذا المثقف البائس جعلني على قناعة ان لا مثقفين في بلادنا على الإطلاق ما دام رمز الثقافة صاحب اللسان الفصيح هذا وما دام لدينا كتاب بلاط بهذه السخافة والصفاقة والكذب فدور المثقف يقوم على النقد والتأسيس للتغيير لا في التصفيق للحاكم زورا وبهتانا وما دام بيننا كاتب كذاك الذي أحصى كتب ملكه فسنظل أضحوكة الأرض وناسها إلى ما شاء الله فكاتبنا الإحصائي العظيم لم يعرف ان في أمريكا كتاب وصحفيين أحصوا لزعيم بلادهم عشرة آلاف كذبه من تسلمه الحكم.

أكثر من مرة وجه ترامب اهانات علنية لآل سعود وحتى في لقائه مع ولي عهد ملك السعودية وهو يتبجح بالخرائط والأرقام عن ما ستدفعه السعودية من أموال ولم يخفي زعيم الامبريالية المستغولة أبدا انه يبيع آل سعود السلاح المنتهي الصلاحية أو الخارج من الخدمة وهو قطعا لن يخفي ان هذا السلاح لن يستخدم إلا بإرادته وإرادة وزارة دفاعه وأجهزة استخباراته وبالشكل الذي يريد ورغم ان جميع زعماء أمريكا فعلوا نفس الشيء بالسر وبدون اهانات علنية تذكر إلا ان الحقيقة المطلقة والجلية جاءت على لسان المعتوه ترامب وكأن الأمر يراد له ان يكون كذلك وليس من باب السهو او خلافه ولم يعتذر ترامب عن كلمة قالها عن آل سعود وكل العرب والمسلين بل كان واضحا كل الوضوح وكأنه يقول لكل العالم ان هؤلاء الرعاع لا يستحقون أكثر من ذلك

أحد لم يرد على خطوات ترامب وقراراته واهاناته وإعلانه الوقح برغبته بإجبار آل سعود على دفع ثمن حمايته لهم واحد لم يمارس أي احتجاج عملي ضد ترامب وإدارته منذ قرار منح القدس لإسرائيل ومباركة احتلالها وشطب كلمة احتلال من الإعلام الأمريكي وفيما عدا المهاترات اللفظية ضد ترامب من البعض إلا ان الأمور ظلت على حالها بما في ذلك مواصلة التزاور مع ترامب واستقبال أركان إدارته وتعميق العلاقة به وبإدارته وشراء الأسلحة منه من قبل الجميع بلا استثناء وتجيير الخلافات العربية العربية لصالحه فقد اختلت بعض دول الخليج مع بعضها إلا ان كلا الطرفين واصلا شراء الأسلحة من ترامب ففعلت قطر ما فعلته مملكة آل سعود وكذا الإمارات وسواها واستقبلت دول الخليج الوفود من دولة الاحتلال وزارت وفودهم علنا فلسطين المحتلة من خلال دولة الاحتلال.

الرد العملي الوحيد جاء من قبل داعش وعلى لسان البغدادي نفسه في معرض تبريره لتفجيرات سيريلانكا على اعتبار أنها جاءت ضد صفقة القرن وضد إسرائيل مما يجعل السؤال الذي لا ينتهي ما هي حكاية ضرب كل العالم ما عدا أمريكا وإسرائيل واعتبار كل فعل أيا كان وفي أي مكان في العالم موجه ضد أمريكا وإسرائيل والامتناع الواضح والعلني عن ضربهما بالذات.

حركة القاعدة وطالبان وداعش ومن لف لفها تمارس كل أشكال العنف ضد الجميع باعتبار هذا العنف موجه ضد الامبريالية والصهيونية وتمتنع علنا عن مواجهتهما في عقر ديارهم فاحد من هؤلاء الغيورين لم يقم بأي رد عملي على ديار الكفر في واشنطن وتل أبيب بل كانت العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وغيرها هي مسرح أحداث الموت والقتل العملي وتصوير كل ذلك زورا على انه حرب على الكفر فهل السوريين والليبيين والمصريين هم الكفار وهل الحرب العراقية الإيرانية التي أضعفت البلدين هي حرب ضد الكفر وهل احتلال أمريكا للعراق هي حرب ضد الكفر أيضا وهل الحرب على الكويت هي حرب ضد الكفر وكذا الحرب على اليمن والتي لا زالت دائرة حتى يومنا هذا وكذا الحرب الأهلية في ليبيا وما يجري في الجزائر والسودان والتفجيرات التي لا تتوقف في مصر وحالة الانقسام والخصام في فلسطين.

أين نقف نحن اليوم إذن وما هو الحال الحقيقي الذي نعيش وكيف يظهر من بين ظهرانينا من يدافع اليوم عن أمريكا وإسرائيل ويقيم امتن العلاقات معهم ومن يقتلنا علنا لمحاربة أمريكا وإسرائيل هذه كذا فعل الرئيس الراحل صدام حسين وهو يقاتل إيران فقد أعلن أكثر من مرة ان الطريق إلى القدس تمر عبر " المحمرة " وكذا كان احتلال الكويت أيضا طريقا إلى القدس من جديد وكان كل طرق الأرض توصل إلى القدس إلا طريق القدس نفسها.

كل العرب تقريبا وقفوا إلى جانب صدام حسين وهو يحارب إيران واعتبروه حارسا للبوابة الشرقية للعالم العربي ولم يكن احد على الإطلاق معنيا بالبوابة الخلفية التي تتسلل منها إسرائيل بكل قواها ومعها كل قوى الاستعمار والامبريالية وحين ارتد صدام عن إيران إلى الكويت معتبرا الحرب العراقية الإيرانية لثماني سنوات عجاف فتنة وقفوا جميعا صفا واحدا مع أمريكا وليس مع أنفسهم ليحاربوا في جبهتها بما في ذلك قوى المعارضة العراقية بكل ألوانها والذين قبلوا لأنفسهم ان يدخلوا إلى بلدهم  على ظهر دبابة الاحتلال الأمريكي واصطف معا اليساري واليميني والعلماني والمتدين تحت علم أمريكا الامبريالي وصفقوا لاحتلال بلدهم باعتباره تحريرا وبكل صفاقة وبلا أدنى خجل.

المصيبة الألعن في تاريخنا الحديث ان كل أشكال العار التي نمارسها تجد من يدافع عنها ويقدم لها رؤى فكرية وفلسفية وأدب وفن وقد ظهر ذك جليا في الحرب على إيران والحرب على العراق والحرب على الكويت والحرب على سوريا وليبيا واليمن ووجدنا مثقفين او أشباه مثقفين عرب يدافعون عن التطبيع مع الصهيونية ولم نسمع مثقف عربي واحد يطالب بقطع العلاقة مع واشنطن بعد إعلان القدس عاصمة للصهيونية ودولة الاحتلال ولا بعد منح الجولان لدولة الاحتلال دون اعتبار لدولة عربية بحجم سوريا وعلى العكس من ذلك فلم يخرج صوت عربي واحد يذكر بشيء تلك الفعلة الترامبية الشنيعة.

القدس التي كانت ولا زالت وتبقى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين عند العرب المسلمين وقبلة العرب المسيحيين تسرق علنا ولا يفعل احد شيئا على الإطلاق سوى تصريح هنا وتصريح هناك واجتماع هنا واجتماع هناك دون تطال تلك التصريحات والاجتماعات ولو بالقول أمريكا على الإطلاق اللهم إلا بلغة العتاب والعتب ولا شيء أكثر وبدل من ذلك وجدنا بين ظهرانينا من يذبح ويدعو يذبح الآيزيدين والمسيحيين والشيعة تارة والسنة تارة وتبقى أمريكا وإسرائيل بمنأى عن أي خطر وكذا وجدنا الشعب الذي يقبع تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة منشغل ببعضه تاركا للاحتلال حق التصرف بالبلاد والعباد دون ان يندى جبين احد على الإطلاق من سائر الأطراف.

ما هي أسباب حالة البؤس التي نعيش ولماذا تتغلغل فينا حالة الهوان وقبول الاهانة حد الاستهانة بذواتنا ومشاركة الآخرين الهجوم علينا وجلد ذاتنا قابلين أولا بجلد الآخرين واهانتهم العلنية لنا بكل وقاحة وبدل مواجهتهم نسارع للارتماء بأحضانهم فيتسلل من بين ظهرانينا كل مبدع وعالم ومهني ناجح بل وحتى كل عامل نشيط لينتمي إلى عالم اللصوص والاحتماء بجنسياتهم ونقف في طوابير الانتظار للحصول على جنسيات الآخرين وننفذ بأيدينا ودمنا أجنداتهم في كل أرجاء الوطن العربي ففي فلسطين بات العمل في المستوطنات ومؤسسات الاحتلال مخرجا حياتيا للغالبية من عامة الناس وبعض الموظفين يحصلون على إجازات ليبحثوا عن عمل في مؤسسات العدو ونعلن عن مقاطعة منتجات المستوطنات ولا نتحدث أبدا عن العمل في إنتاج تلك المنتجات في نفس المستوطنات.

يعيش العرب بؤس سياسي لا يفوقه بؤس على الأرض حتى في أكثر البلدان فقرا وتخلفا فقد نكون الأمة الوحيدة على الأرض التي تمالئ المحتلين والأعداء وتكون عونا لهم على ذاتها, وبؤس او تخلف اجتماعي يطال نصف مجتمعنا باعتبار المرأة ضلع قاصر وعورة لا يجوز إظهارها للعلن لا شكلا ولا عملا ولا صوت, وبؤس ثقافي فنحن نستخدم لغات الغير لنثبت أننا عصريين ومتحضرين فقد لا تجد اسما لشركة او محل إلا واللغات اللاتينية أساسا لها وان لم يكن بالاسم فبالاختصار او بالشعار وأحيانا نستخدم أسماء وشعارات معادية لنا دون إدراك ومعرفة لنثبت للقاصي والداني بان الجهل يسيطر علينا بالمطلق, وبؤس اقتصادي لا مثيل له فنحن أكثر الأمم استهلاكا لمنتجات غيرنا وبعدا عن أي إبداع او إنتاج او مشاركة في صناعة خيرات البشرية ولا نقدم أي تميز حتى في صنوف الأكل فلا يوجد ماركة طعام عربية واحدة مكتفين بدور الفم الملتهم للطعام والفاقد لأي دور آخر وإذا استثنيا المطبخ التركي من قائمة طعامنا فقد لا نجد ما نملأ به أمعاءنا سوى الخبز واللبن فالرز ليس من زادنا أبدا وحتى الملابس فلا دار أزياء عربية تشارك في صناعة الأزياء في العالم وحتى اللباس العربي التقليدي فان أشهر دور لصناعته في باريس وروما والصين والهند, وبؤس في العلم فنحن اقل الأمم بحثا وسعيا للعلم والمعرفة فلا نقرا ولا نكتب وان فعلنا فلا نفعل ما هو ضروري لا فيما نقرأ ولا فيما نكتب ولا نعرف دورا للمختبرات إلا لفحص البول فكل العرب فبينما تنفق أمريكا على البحث العلمي عن الفرد الواحد 1441 دولار وتنفق إسرائيل 1361 دولار تنفق كل من مصر والمغرب وتونس والسودان والجزائر وعمان والبحرين مجتمعين 295 دولار.

وكثيرين أولئك الذين تحدثوا عن أسباب تخلفنا وهواننا وضعفنا وقد حاول البعض وضع أسباب واضحة ومحددة لذلك وقد تشابه البعض ويمكن اختزال الأسباب التي يعتقدها الجميع تقريبا بما يلي:

  • "ألما ورائية" أي العيش في جلباب الماضي والتاريخ مع تصويره كما نشتهي احتماء به من الحاضر المزري.
  • غياب التخطيط والابتكار والقدرة على توجيه الاستثمار.
  • غياب العقل النقدي وتقييد العقل بما هو مقبول ومنعه عن البحث والتحليل للوصول إلى ما هو ضروري
  • سوء استخدام الإعلام وسائر وسائل الاتصال او عدم وجود رسالة لنقلها إلى العالم.
  • التعليم التلقيني المغيب كليا للفكر المبدع وللفضاء الحر للتفكير
  • الشخصنة التامة لكل شيء وتغييب المأسسة كليا عن حياتنا
  • الارتهان إلى المقدس التاريخي البعيد وغير المثبت باعتباره مسلما ولا يجوز مناقشته من باب تقديس القديم
  • الانغلاق على الذات ورفض قبول الآخر خوفا لا تعففا ولا غنى
  • التمسك بالعادات والتقاليد القديمة والانغلاق كليا عن حضارات البشر وايجابياتها.
  • الدين والغيبيات والفقه المتحجر وكان الآخرين لا دين لهم ولا غيبيات ولا عصور ظلامية كانت أبشع مما مر علينا
  • غياب الثورة الثقافية كليا فلم يظهر حتى اليوم في أوساطنا فلاسفة ثوار كفولتير وروسو وديدرو وغيرهم
  • غياب الثورة الاجتماعية والاقتصادية فلا مجددين ولا ثائرين وبالتالي غابت الثورة السياسية وانحصرت في جملة من انقلابات لاستبدال الحاكم لا لتغيير الحكم.
  • حق القيادة للعجائز على قاعدة الأكبر سنا أكثر وعيا وبالتالي تغييب دور الشباب ومنع حماسهم من الفعل والقبول بعقلية العجوز المتعب الرافض للتجديد والتغيير.
  • زيادة عدد السكان – مصر نموذجا
  • سلبية المثقفين وتقاعسهم
  • الهزائم المتواصلة
  • الاستعمار والاحتلال وسيطرة الأجنبي.

هذه الأسباب وغيرها هي التي يجب علينا مناقشتها والانتهاء من فحصها سعيا للإجابة على السؤال الأهم كيف يمكننا ان نبحث عن ذاتنا لنجدها مقدمة لرفض الدونية والنهوض من تحت ركامها باغتيالها ودفنها تحت ركامها ذاته ليصبح قبرها شاهدا على انتصارنا وخروجنا من قمقم التخلف واقعا حقيقيا لنا وصورة يراها الآخرين حين نكون جزء فاعل وحقيقي ومشارك في صياغة حضارة البشر وفعلهم المثمر على الأرض.