الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إضراب الأطباء ...أسبابه وإلى أين؟

2014-06-24 00:00:00
إضراب الأطباء ...أسبابه وإلى أين؟
صورة ارشيفية

نقيب الأطباء: اعتداءات بالسب والشتم والضرب على الأطباء والحكومة ترفض الجلوس مع النقابة

مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة: تم الاتفاق على برنامج عمل لحماية المؤسسات الصحية

 

الحدث- سراب عوض 

لا يختلف اثنان، على أن الأطباء، عندما يعلنون إضراباً عن العمل، لا يجتمعون على باطل ولا عن استهتار بآلام مرضاهم. وكان لافتاً أن الأطباء الفلسطينيين، يعيشون مناخاً أو بيئة عمل غير مرضية، فضلاً عن ظروف وظيفية صعبة. فجميعهم تعلم في بلدان أخرى، وعايش بيئات عمل الأطباء، إن لم يكن جرّب المكوث في منظوماتهم الطبية، حتى بات واحداً منهم، ويعرف نظام عمل المشافي من الألف إلى الياء، وقد تأسست لديه قاعدة للقياس. ومعلوم أن طبيعة عمل الطبيب، تتقاطع فيها الجوانب المهنية والإنسانية، مع الجوانب التنظيمية والإدارية والوظيفية. وكل طبيب، يطمح بالسليقة إلى منظومة طبية في بلاده، تحاكي النظام الطبي المحكم، في بلدان ليست بالضرورة ذات تقدم صناعي لافت، أو ذات معدلات نمو عالية. فكوبا مثلاً، باتت تصدّر خدماتها الطبية، إدارة وكفاءة علمية، لسائر بلدان أمريكا اللاتينية، وهناك بلدان جعلت من الاستثمار في القطاع الطبي، مصدراً للدخل القومي. عندنا في فلسطين، تختل المعادلة على نحو كبير، وقد بات التردي جزءاً من وضعية الإدارة الخاطئة على أكثر من صعيد. فكيف يتوافر بلد على كفاءات علمية طبية، ويبذل من مال الخزينة العامة، وموازنته تكاد تلامس العجز، جزءاً كبيراً من مقدراته، على الطبابة في الخارج، وقد بلغ ما سدده من ديون ونفقات علاج جراء هذه المعالجة، في خمس سنوات، ما يزيد عن كلفة المنظومة الطبية كلها.

في بلد مثل كوبا، كل العناصر المساعدة على إنشاء منظومة طبية كفؤه، تستقطب مرضى من بلدان أخرى، متوافرة تماماً، لكي يجد فيها كل مريض علاجه، ويجد كل طبيب أجره المجزي. الأطباء البارعون الذين أثبتوا جدارتهم في مشافي الآخرين، والعلاقات القوية مع بلدان صديقة مستعدة للتعاون في عملية تنمية القطاع الطبي، والمال نفسه الذي يُصرف على العلاج في الخارج، والطبيعة ذات المناخ المعتدل، التي تصلح للتوسع الأفقي في بُنية نظام العلاج والاستشفاء، والدافع الوطني لدى الكادر الطبي الذي يحبذ العمل في بلاده، والتنوع الكبير في الأمراض والجراحات والعلل، نتيجة واقع الاحتلال.

 إن كل العناصر تتوافر في بلادنا، ولم يتبق سوى التخطيط الجيد، فمن خلال نظرة سريعة على الأسباب التي تدفع الأطباء إلى الإضراب الكامل أو الجزئي عن العمل، يُلاحظ أن تفرد الوزير، وغياب دائرة الاستشارة والدراسة لكل قرار يتعلق بالمنظومة الطبية، والعناد بعد اتخاذ القرار الخاطىء، كلها أسباب لجوء الأطباء إلى الإضراب، فيما المواطن تهمه في المقام الأول النتائج ليحكم على مستوى أداء المنظومة الطبية بكل مؤسساتها وأدواتها، ولتكن هي الفيصل في الحكم على المسألة برمتها، وفي تشخيص الحال التي تكون عليها واحدة من أهم منظومات الخدمات العامة وأكثرها حساسية.

حول هذه القضية الحساسة التقينا هنا بعدد من ذوي الشأن والمطلعين على حال المنظومة الطبية، والمعنيين بالإضراب الاحتجاجي، وذلك لتسليط الضوء على هذه المسألة التي شغلت الرأي العام الفلسطييني.

الطبيب موظف وليس صانع قرار

نقيب الأطباء الطبيب شوقي صبحة أكد لـ “الحدث” أن هناك اتفاقات وتفاهمات مع الحكومة منذ سنوات تتعلق بمستحقات مدونة على قسائم الراتب، منوهاً إلى أن التخوف ليس من احتمالية عدم الدفع، ناهيك عن أن الدفع كان لفئة من الأطباء دون غيرهم منذ العام 2007 وحتى اليوم.

وأضاف صبحة، في شهر آذار تم الدفع لشهر واحد والمالية كانت تلتزم شفوياً وأبلغتنا أن لا مانع من دفعها من يوم التعيين، لكن إذا لم يتم التعامل مع المكتوب بجدية فكيف الشفوي؟

مشيراً إلى أن الاعتداءات الأخيرة على الأطباء بدءاً بنابلس وجنين وانتهاء بالخليل ومدن مختلفة من الضفة، هي ما أثارت سخط الأطباء وغضبهم، حيث لم تقتصر الاعتداءات الأخيرة على السباب والشتم وإنما وصل الأمر إلى الضرب، وكانت هناك حالة مصورة في أريحا لطبيب “غارق في دمه” وكأنه ذبيحة وللأسف كلها على يد رجال أمن، وهذا ما يستوقفنا، وعليه يقول صبحة: “أنا أتهم الجهات ذات العلاقة بأنه عمل مبرمج بطريقة ما، مؤكداً بأن الحكومة على علم بكل مايجري وأبلغناها وطالبناها بالاستنكار والشجب، ولكن للأسف لم تستنكر ولم تشجب  وكذلك وزارة الصحة”.

ويعتبر الطبيب صبحة أن هذه الاعتداءات سببها الرئيسي قلة الكوادر والأدوية والمعدات، التي هي بنظر المواطن مطلب يجب توفيره من قبل الطبيب الذي لاحول له ولا قوة، فالمواطن يعتبر الطبيب السلطة التنفيذية، ولا يعلم أن الطبيب موظف وليس صاحب قرار، وهذا لا يعد تقصيراً من الطبيب، فالطوارئ مغطاة بطبيب واحد، وعندما يدخل المرضى بالعشرات إلى قسم الطوارئ ولا يجدون إلا طبيباً واحداً فيطالبونه بتوفير العلاج والعناية اللازمة لهم جميعاً بنفس الدقيقة، والسؤال هنا، كيف لطبيب أن يعالج عشرات المرضى في آن واحد؟  من هنا تحدث الاعتداءات ويبدأ المريض بتحميل الطبيب المسؤولية عن عدم معالجته بالدقة المطلوبة، وكل هذه العوامل تساعد في عدم ثقة المواطن بالمؤسسة الحكومية.

ويضيف الطبيب صبحة لصحيفة “الحدث ا” أن الحكومة بوزارتها ترفض الجلوس مع النقابة وتطالب بوقف الاجراءات كشرط أساسي للجلوس والتحاور، فهم وللأسف “في سبات عميق” وعندما تقوم النقابة باتخاذ إجراءات، يصبح همهم الوحيد وقف الإجراءات وليس وقف المسببات لهذه الإجراءات.

ها هي حكوماتنا وها هم وزراؤنا وللأسف

في ذات السياق قال مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة الطبيب محمد أبو غالي لــ “صحيفة الحدث” مازال الإضراب كما هو، ومعاناة المرضى تزداد يوماً بعد يوم، لأن المرضى الذين هم بحاجة إلى عيادات تخصصية في المستشفيات لم يتلقوا الخدمة اللازمة، مما يؤثر على تدهور حالتهم الطبية.

وأضاف الطبيب أبو غالي: نحن كوزارة صحة قمنا بكل ما أوتينا من وسائل لتأمين شروط أو مطالب نقابة الأطباء، وأوفينا بها حسب القانون، وهذالم يحقق الطلب الأخير لنقابة الأطباء وهو ما يخص الساعات الإضافية واحتسابها من الراتب الأساسي حسب القانون، ومطالبتهم بزيادة هذه النسبة إلى أكثر من ذلك بكثير، مؤكداً على موقف وزارة الصحة الداعي إلى وقف الإضراب والاحتكام إلى لغة العقل والحوار، وتغليب المصلحة الوطنية العليا في ظل الأوضاع السياسية التي يعاني منها أبناء شعبنا.

وفيما يتعلق بالاعتداءات على الطواقم الطبية أكد الطبيب أبو غالي على أن وزارة الصحة قامت بعقد اجتماع طارئ مع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المعنية، وتم الاتفاق على برنامج عمل لحماية المؤسسات الصحية والعاملين بها. ومن جهتها أدانت وزارة الصحة كافة الاعتداءات على طواقمنا في الوزارة، موضحاً أن هناك خطة طموحة بدأت وزارة الصحة بتطبيقها مع وزارة الداخلية لمنع حدوث أي اعتداء على أية مؤسسة صحية، وهذه هي البنود التي كان يطالب بها الأطباء وتم تحقيقها كاملة كما أسلفنا وحسب النظام والقانون.

وطالب مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة الطبيب محمد أبو غالي عبر صحيفة “الحدث” بوقف الإضراب، والعودة إلى العمل الطبي بمرافق وزارة الصحة كافة، مؤكداً على أن أبواب وزارة الصحة مفتوحة للنقاش في أي موضوع، وسنقوم برفع أي مطلب للجهات المعنية للنظر فيها، وللمساعدة في حل الأزمة الحالية، ولكننا نعود ونكرر ما قلناه سابقاً “لا حوار في ظل الإضراب” 

أين القسم الذي أقسمتموه على أنفسكم أمام الله ووطنكم 

المواطن محمد عيسى في حديث لصحيفة “الحدث” يقول: “أنا كمواطن يتلقى الخدمة الطبية، لا أفهم معنى أن يقوم الموظف الحكومي الموجود لخدمة المواطن بالإضراب والامتناع عن ممارسة مهمته الإنسانية أولاً، في الوقت الذي يقوم فيه بالعمل والالتزام في المؤسسات الخاصة، وعيادته الشخصية وتقاضي مبالغ تفوق قدرة المواطن العادي، علماً بأنني، كمواطن، أتفهم أن من حق الجميع تحسين دخله ورزقه ولكن ليس على حساب الشعب الذي كابد وذاق الأمرين، ولا زالت قطاعات كبيره منه تعاني الفقر وضعف الحال.

هناك فئات مسحوقة من أبناء شعبنا اكتوت بنار الفقر والحاجة والحصار والكثير من عوامل البطالة وعدم وجود أي بصيص أمل. أرى أن الأطباء في وظائفهم الحكومية، يجب أن يبتعدوا عن اتخاذ المواطنين رهائن لهم من أجل تحسين دخلهم، والسماح لهم بالعمل في عياداتهم. وأقول لهم: “يا أطبائنا الكرام، هناك من يعملون كمتطوعين عبر الحدود عرب وأجانب يقدمون خدمات جليلة وعظيمة ونرى منهم لمسات الرحمة والإنسانية ونحن ننتظر منكم ما يقومون به””. ويضيف عيسى أن الإضراب حق مشروع دون أن يكون هناك أي ضرر بأي إنسان ودون تعطيل المؤسسات الحكومية والوطنية. وفي هذه الأيام العصيبة والصعبة والمصيرية نقول: “إنه على الجميع أن يترفع عن نظرته الضيقه ومصالحه الخاصة، وأن ينظر إلى حدود الوطن المستباح وإلى دمائنا المنثورة على الجدران وإلى واقعنا السياسي المعقد جداً. نحن لسنا دولة عظمي وإنما سكان تحت الاحتلال، لا يوجد لدينا مقومات وقدرات ومقدرات تمكِّننا من تلبية احتياجاتكم كلها، لهذا لن نسامحكم إن ذهبنا إلى أي مستوصف صحي أو مستشفى حكومي وكنتم تنظرون لنا دون أن تقدموا واجبكم الإنساني، والقسم الذي أقسمتوه على أنفسكم أمام الله ووطنكم، نحن نستحق الحياة والصحة كما أنتم، أنتم النخبة، وأنتم بوصلة الأمان لنا، فلا تكونوا غير ذلك”.

وزارة الصحة ومجلس الوزراء يتحملان المسؤولية

 

المواطن رياض عرار من جهته وفي حديثه لـ “الحدث” يعتبر أن حقوق العاملين في القطاع الطبي يجب أن يتم التعامل معها بجدية عالية، ودراستها بكل مهنية، وكذلك يجب مراعاة حالة المرضى واحتياجاتهم الملحة واليومية، وخاصة الذين يحتاجون إلى دواء منتظم ومتابعة طبية مستمرة، محملاً وزارة الصحة ومجلس الوزراء مسؤولية ما يحدث لهؤلاء، مؤكداً على أن حياة الناس وحقوق البشر يجب أن تكون ضمن أولوياتهم.