السؤال المثير الذي يوجهه رئيس تحرير صحيفة هآرتس ليحيى السنوار في حال ما أجرى معه مقابلة صحفية، سيكون لماذا لا تجرب شيئا آخر، يا يحيى، بدلا عن الصواريخ التي لم تجد نفعا، مثلا، لماذا لا تجرب الاعتراف بإسرائيل؟
مضمون المقالة التي نشرها ألوف بن، على صحيفة هآرتس، لها مدلولات مهمة:
- الاعتراف: هي مسألة وجودية بالنسبة للحركة الصهيونية، ولمنظومة استعمارية كإسرائيل، إذ يشكل اعتراف الفلسطيني (الضحية) بالإسرائيلي (المستعمِر) صك الغفران الذي يبحث عنه، وهو ما منحته مفاوضات أوسلو عبر قيادة منظمة التحرير مجاناً لدولة الاحتلال، دون الحصول على أي مقابل ولو كان من قبيل الاعتراف المتبادل بنا كشعب له دولة ذات سيادة فانتهى شأن الضفة ككيان قادر على المواجهة والتصدي، تماماً مثلما تم الإجهاز على دور فلسطينيي 48 عبر إعلان قانون القومية العنصري، وظل المسمار الأخير الذي يؤرق اكتمال الوجود الصهيوني ليتمدد على كامل فلسطين التاريخية هو غزة، غزة وحدها. وهنا مكمن أهمية حماس، حماس ليست مهمة لذاتها، ولا لفكرها، ولا لخلطها الدين بالسياسة، ولا لمشاركتها في الانقسام المهين لكل فلسطيني، هي مهمة فقط، لأمر واحدٍ فقط، أنها ما زالت تقاوم. حماس، دون الصواريخ، التي أنزلت المستعمر إلى الملاجئ، لن تكون سوى حلقة الوصل الأخيرة في سلسلة اكتمال القلادة التي ستضعها الصهيونية على رقبتها احتفاء بامتلاكها فلسطين كاملة باعتراف الضحية بها، باعتراف سكان البلاد الأصلانيين بجلادهم، وطبعاً دون مقابل سوى حفنة من الامتيازات الاقتصادية التي سيفرض طبيعتها ويسيطرُ عليها الإسرائيلي كما يفعل في نخبة الكومبرادور في الضفة المحتلة.
- عدم التمييز: إن المقالة تؤدي غايتها وبوضوح، فهي تؤكد على حقيقة واحدة، لا يريد الكثيرون من دعاة التعايش والسلام مع المحتل رؤيتها؛ وهي أن الكيانات الموجود في دولة الاحتلال لا يمكن التمييز بينها، فلا يمكن التمييز بين صحيفة هآرتس اليسارية، وبين صحيفة جيروسالم بوست اليمينية المتطرفة، التمييز الوحيد هو فقط في لغة الخطاب التي تدس السم في العسل، والتي غايتها تنويع الأدوات، وإظهار وجود تعددية مزعومة، غير حقيقية، ما هي إلا قناع للنهج الواحد المراد الوصول إليه، الغاية القصوى، القضاء على الفلسطيني.
- الإعلام من أدوات الاحتلال: تؤكد المقالة، أن وسائل الإعلام في دولة الاحتلال، ما هي إلا أداةٌ من أدواته، وتجسيد لمقولاته الفكرية العنصرية، ولمقولاته الأمنية، التي تحاول الدفاع عن وجود "إسرائيل" وحمايتها بالسبل المتوفرة والمتاحة والتي يمكن اغتنامها.
- لغة الخطابة: رفع التكلفة، ما بين المستعمر وبين الضحية، عبر مناداة ألوف بن للسنوار باسمه الأول مجرداً أكثر من مرة، (يا يحيى...) لها دلالاتها أيضاً، فهي من جهة تحاول كسر الحاجز النفسي ما بين مستعمِر ومستعمَر، ومن جهة ثانية، تعيد التأكيد على محورية فكرة استعلاء المجرم على الضحية، والتي تتسم عادة بافتراض دونية الضحية المستعمَرة، وأن المستعمر يخاطبها بلغة التبشير بالخلاص الاقتصادي، وبالترغيب حينا وبالتقليل من شأنه حينا آخر، بمناداته باسمه مجرداً.
- تزييف الحقائق: وهي من سمات المستعمر البنيوية، ذلك لأنها قائمة على ادعاء امتلاك الحقيقة الكاملة، بينما يتم سردُ أنصاف الحقائق، ورواية نصف القصة، وهو لا يُشيرُ أبداً إلى النهايات التي تعلمناها، أن الحق لا يسقُط بالقوة أو بالتقادم، وأنه لا يمكن تفويضه، أو انتزاعهُ، كما لا يمكنُ تغطية الشمس.
ما بين صواريخ المقاومة، التي وصفها ألوف بن بأنها دبوس، ومنظومة صواريخ القبة الحديدية، فارق كبير، ودافع أعمق يتطلب أن يُخاطب السنوار بهذه الطريقة ألا وهو أن هذا الدبوس يزعج الاستعمار، فدعوه يقتلعُ عينه.