أجهزة الأمن الفلسطينية... هل طلبت التسجيلات من أصحابها؟
محافظ الخليل: الإسرائيليون ليسوا بحاجتنا أو بحاجة معلوماتنا وتسجيلاتنا قليلة الدقة تقنيا
الخليل- هيثم الشريف
باتت كاميرات المراقبة الخاصة بالمحال التجارية، أول المستهدفين الرئيسيين في العملية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي في محافظة الخليل، عقب الإعلان عن اختفاء ثلاثة مستوطنين بالقرب من المحافظة في الـ12 من حزيران، حيث سعى جنود الاحتلال إلى الاستيلاء على تسجيلات كاميرات المراقبة بإذن صاحبها أو عنوة بحجة البحث عن مستوطنيهم.
فغداة إعلان إسرائيل عن اختفاء ثلاثة مستوطنين بالقرب من محافظة الخليل، فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي طوقا أمنيا مشددا على محافظة الخليل بشكل خاص، وسعت جاهدة إلى الحصول على كافة تسجيلات الفيديو الخاصة بكاميرات المراقبة في المحال التجارية بالمدينة، من خلال اقتحام المحال التجارية، والمؤسسات، والجمعيات التي تمتلك كاميرات مراقبة، وتدمير شبكة المراقبة عقب الانتهاء من التفتيش.
من جهة ثانية، تضاربت أقوال شهود العيان بشأن أجهزة الأمن الفلسطينية، وبشأن قيامها بعملية مصادرة أجهزة التسجيل وطلب التسجيلات من أصحابها، في حين نفى محافظ الخليل علمه بالموضوع.
«صحيفة الـحدث» حاولت رصد جزء من هذه الانتهاكات والإجراءات التعسفية المنافية للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان ضد المدنيين الفلسطينيين، المتمثلة في مصادرة أجهزة تسجيل الفيديو (DVR)، في الوقت الذي دعا فيه نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى حذف تسجيلات الكاميرات خاصة في مناطق تركيز العمليات المستمرة في المناطق الشمالية الغربية لمحافظة ومدينة الخليل.
القوات الإسرائيلية قالت إنها ستعيد جهاز التسجيل عبر الارتباط
التاجر خالد حجة صاحب محل تجاري في مدينة دورا، قال: «إن قوات الاحتلال اقتحمت محله وطلبت منه الحصول على تسجيلات الكاميرات المثبته لديه، في البداية وصل إلى مفترق الطرق القريب من محلي التجاري 4 آليات عسكرية إسرائيلية، دخلوا معظم المحال التجارية التي بها كاميرات مراقبة، ودخل ضابط ومعه عدد من الجنود لمحلي، وطلبوا الاطلاع على جهاز تسجيل الفيديو، وانتزعوه من الحائط، وأخبروني أنهم سيعيدونه لي عبر الارتباط حال الانتهاء من تفحصه، وغادروا بعد أن أخذوا رقم هويتي ورقم هاتفي المحمول».
عمليات مداهمة المحال التجارية بغية الحصول على تسجيلات الكاميرات، لم تقتصر فقط على الطلب المباشر من أصحابها في وضح النهار، حيث أن عددا من المؤسسات والجمعيات، إلى جانب عدد من المحال، تمت مداهمتها ليلا وفي ساعات الصباح الأولى، وتم الاستيلاء على أجهزة التسجيل وتحطيم بعض محتويات تلك المحلات، ومن بينها معرض للسيارات واقع في منطقة دائرة السير في الخليل، وقال صاحبه موسى القواسمة لـ «الحدث»: «في تمام الساعة 2:30 من صباح يوم 14 حزيران، هاتفني مالك العقار الذي استأجرت منه، وأبلغني أن قوات الاحتلال فجرت الباب الأمامي للمعرض، وهناك أصوات تفجير أخرى داخل المعرض، فتوجهت على الفور للمعرض لأجد أكثر من 8 دوريات احتلالية عند باب المعرض المفتوح بشكل كامل، وما يزيد عن 15 جنديا في الخارج، ومثله في الداخل، ومنعني الجنود من الدخول للمعرض وأجبروني على المغادرة تحت تهديد السلاح، وفور مغادرتهم في الرابعة والنصف صباحا، دخلت وعدد من المجاورين لتفقد المحل، فتبين أنهم وبعد تفجير أقفال الباب دخلوا وصادروا جهاز تسجيل الكاميرات وسرقوا 65 ألف شيقل نقدا ثمن سيارة كنت بعتها قبل أيام كانت في درج المكتب، وكسروا شاشة الكاميرا المثبتة في سقف المكتب ووجهوها للحائط خشية أن ترصد سرقتهم».
ولم يستطع الارتباط العسكري والارتباط المدني معرفة الإحصائيات عن عدد حالات مصادرة أجهزة تسجيل الكاميرات، مبينين أن تلك المصادرات ليست من اختصاصهم.
أمين سر نقابة المواد الغذائية في محافظة الخليل رفيق القدسي، الذي يملك إحدى المحلات التجارية بالقرب من دوار التحرير، تشاحن وجنود الاحتلال لرفضه تسليمهم التسجيلات في بادئ الأمر، قائلا: «في البداية رفضت تسليمهم الجهاز، فبدأ صراخ أحدهم عليّ وعلى أولادي الذين طلب منهم الخروج من المحل، فما كان مني إلا أن طلبت من الضابط المسؤول إخراج ذلك الجندي من المحل إذا ما أرادوا أن أسلمهم الجهاز، وفعلاً تم ذلك، وقالوا إنهم سيعيدونه لي عبر الارتباط خلال أسبوع، علما أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية أخذت ذات التسجيلات قبلها بأيام».
هل طلبت أجهزة الأمن الفلسطينية التسجيلات؟
وفي هذا السياق، طلبت الأجهزة الأمنية الفلسطينية من بعض المحال التجارية التسجيلات الخاصة بالكاميرات المثبتة أمام تلك المحال أو المطاعم، غير أن أحد أصحاب المطاعم، الذي تمكنا من الوصول إليه، أنكر ذلك، قائلا: «قلنا للجهاز الأمني الفلسطيني أن الكاميرات الخاصة بنا لا تخزن ولا تسجل، وإنما ترصد فقط حركة العمال في المطعم».
وقال محافظ الخليل كامل حميد: «ليس لدي معلومات حول الأمر، مع ذلك فإن الأجهزة الأمنية لديها أسباب مختلفة ومتعددة، فأحيانا يكون لدينا تبليغ وشكاوى عن سرقات أو حركة خارجين عن القانون والنظام وعمليات قتل في المحافظة، فنلجأ للمواطنين ونعتمد على هذه التسجيلات لمتابعة سيارات أو متابعة أناس خارجين عن القانون أو متابعة قضايا قديمة، لتتمكن تلك الأجهزة من تقديم إثباتات وأدله للمحاكم بخصوص تلك القضايا الجنائية أو التجاوزات أو السرقات أو القضايا المرورية وغيرها، بالتالي يصدف أحيانا أن يتم طلب نفس التسجيل من أكثر من جهة وأحيانا الإسرائيليون، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن الجهتين تسعيان لنفس الهدف أو المعلومة أو السبب، حتى لو في فترة زمنية واحدة».
وأضاف: «أن الإسرائيليين ليسوا بحاجتنا أو بحاجة معلوماتنا، وتسجيلاتنا قليلة الدقة تقنيا، فتقنيات الإسرائيليين في هذا المجال من مناطيد وأقمار صناعية تمكنهم من أن يراجعوا تسجيلات قديمة قبل الحدث بالتفاصيل وبشكل دقيق، وبالتالي أعتقد أن طلبهم لتسجيلات تلك الكاميرات يهدف لإثارة الفتنة الداخلية والتحريض على السلطة أحيانا، أو حتى من أجل إثارة المواطنين على بعضهم البعض، حتى لا يروق وضع الكاميرات بالنسبة للمجاورين، وبالتالي يصبح هناك عزوف عن الكاميرات، فأهداف الإسرائيليين كثيرة في هذا المجال».
وأكد حميد أن الجانب الإسرائيلي لم يطلب الحصول على تسجيلات شبكة كاميرات المحافظة المثبتة في الخليل، الهادفة لمتابعة عمليات السير وانتظام حركة المرور ومراقبة الشوارع، قائلا: «لم تطلب منا أية تسجيلات، ثم إن الكاميرات الموجوده والمثبتة في وسط المدينة هي موجهة بالأساس لحركة المرور وحركة التجاوزات الموجودة، ثم إن تلك الكاميرات غير موجودة أصلا على الخطوط الخارجية أو بعيدا عن مراكز المدن إذ لم يسمح لنا بذلك، وحتى لو طلبت منا فليس لدينا الاستعداد لتسليمها لهم إلا إذا تعلق الأمر بتحقيقات مشتركة متصلة بحوادث السير أو السطو والسرقة، أو المسائل المرتبطة بالمواطن الذي يحمل الهوية الإسرائيلية، لأن القانون الفلسطيني لا يستطيع أن يحاكم فلسطينيين من داخل الخط الأخضر، حيث تجري تحقيقات مشتركة في هذه المجالات، فقط لا غير».
مؤسسات حقوقية تعقب
وفي ذات السياق، اعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، على لسان الباحث عماد أبو هواش، أن مصادرة أجهزة تسجيل الكاميرات تقع ضمن سياسة العقوبات الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في محافظة الخليل: «الإجراءات التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي تندرج في إطار سياسة العقاب الجماعي وأعمال الاقتصاص من المدنيين الفلسطينيين، خلافا للمادة الثالثة والثلاثين من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، التي تنص صراحة على عدم جواز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا، وسلطات الاحتلال وضمن ما تدعي به من حمله عسكرية في الخليل، اقتحمت العديد من المنازل بشكل عشوائي، وأثارت حالة من الرعب والخوف لدى المواطنين، وصادرت ممتلكات وسلبت أموالا وصادرت كاميرات التسجيل المثبتة على بعض المحال التجارية والمنازل، بدعوى البحث عن أشخاص أو التفتيش لأغراض أمنية وعسكرية بحتة، حيث يتم إبلاغنا بالانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين، التي من بينها مصادرة أجهزة تسجيل الكاميرات».
وأضاف أن تلك العمليات تتركز في المنطقة الغربية للمدينة، بين الخليل وكل من بلدة تفوح، وبيت كاحل، ودورا، ومنطقة سنجر وكريسة، وواد أبو القمرة، وخلّة سيرتا، أما داخل المدينة فتتركز في منطقة راس الجورة، وبئر المحجر، ودائرة السير، وشارع السلام والمنطقة الجنوبية من المدينة، إلى جانب الشريط الالتفافي.
وحول الغاية التي يقوم من أجلها المركز بالرصد والتوثيق، قال أبو هواش «الغاية من الوصول إلى الضحايا والتوثيق عبر أخذ إفادات قانونية موقعة عن طبيعة ما حدث من اقتحام أو مصادرة أو سلب، هو فضح ممارسات الاحتلال المتمثلة بانتهاكات حقوق الإنسان على المستوى العربي والدولي، وإدانة جنود وضباط مارسوا هذا العمل».