الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التنسيق الأمني مع إسرائيل ... غموض، حساسية، وجدل دائم

2014-06-24 00:00:00
التنسيق الأمني مع إسرائيل ... غموض، حساسية، وجدل دائم
صورة ارشيفية

الحدث: محمود فطافطة وناديا القطب

بين حينٍ وآخر، يُثار جدل في الساحة الفلسطينية حول موضوع التنسيق الأمني بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. هذا الجدل الذي يأخذ في كثيرٍ من صوره وتجلياته التنسيق والتعاون المشترك بين الأجهزة الأمنية لكلا الطرفين، لم يُمنح نصيبه من البحث والاهتمام من قبل وسائل الإعلام الفلسطينية، على خلاف وسائل الإعلام الإسرائيلية التي وظفت مثل هذا التنسيق لإظهار أن الجانب الفلسطيني مجرد تابع أو «شُرطي» لخدمة أمن إسرائيل.

وفي الوقت الذي تتم فيه لقاءات إسرائيلية - فلسطينية للنقاش في قضايا الاقتصاد والصحة والبيئة والتجارة والحكم المحلي وسواها، ويتم الإعلان عنها إعلامياً، فإن التنسيق الأمني ظل في حيز الغموض وإطلاق الظنون، دون الخوض في ماهيته وأشكاله وتأثيراته، وأن معظم ما يُقال حوله لا يتجاوز الحديث بأنه مجرد تنسيق أو لقاءات منطلقة من الترتيبات الأمنية المشتركة بين الطرفين المقرة في إتفاق أوسلو، وما لحق به من اتفاقات أو تفاهمات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

وفي ظل هذا الغموض الذي يكتنف موضوع التنسيق الأمني بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ازداد مؤخراً قوة «مرجل» الحديث عن هذه القضية، سيما بعد عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة، وخروج تصريحات من أعلى شخصية فلسطينية ممثلة بالرئيس «أبو مازن» ترى في مثل هذا التنسيق «ليس عيباً».

"اللواء الرجوب: نحن لا نعمل عند الإسرائيليين والمفهوم الرسمي الأمني مع إسرائيل ارتكز على حدود سيادتنا في المناطق (أ)"

الرجوب: المعارضة الفلسطينية سممت الوعي الوطني الفلسطيني

قال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» اللواء جبريل الرجوب في مقابلة خاصة مع «الحدث»: «نحن كفلسطينيين مشروعنا مشروع دولة، واستقلال وسيادة في حدود عام 1967 هذه الركيزة الأساسية لبناء علاقة مع الجانب الفلسطيني أو الإقليم، والأمن ركيزة أساسية لإنجاح مشروع الدولة، بمعنى آخر الأمن في الحالة الفلسطينية مهمته لا تقتصر على تحقيق الأمن العام والنظام في إطار القانون، بل هو وسيلة لتحقيق أهدافنا الوطنية، وكي لا يساء استخدام المعلومة وقاعدة البيانات، ارتكز المفهوم الرسمي الأمني الفلسطيني منذ البداية على العلاقة الأمنية مع الإسرائيليين بأن لها علاقة بحدود مناطق سيادتنا في المناطق (أ)، وأن تتم بشكل منفصل مع الإسرائيليين وليس بشكل مشترك، والموضوع الثاني أن تتم وفق القوانين الفلسطينية».

وأضاف أن محاكمة القضية الأمنية يجب أن تكون مرتبطة بطبيعة الصراع، والأمن هو الأساس، لأن انسحاب الجانب الإسرائيلي مرتبط بأن كان هنالك أمن أم لا، وهل الترتيبات الأمنية لانسحابه وإخلائه للأراضي الفلسطينية يترتب عليه مخاطر أمنية أم لا، ومن هنا كان دور الأجهزة الأمنية أن تكون قادرة على ضبط الأمن بحيث أن المناطق التي تخضع لسيادة السلطة لا تشكل قاعدة انطلاق لعمليات ضد الجانب الإسرائيلي، فهذا هو جوهر الموضوع ومورس في التسعينات على هذا الأساس».

وأشار اللواء الرجوب إلى أن حماس قد “اتفقت مع الإسرائيليين أن مناطقهم خلال الفترة الأخيرة تحت بند سمي “هدنة”، أما نحن الاتفاق بين السلطة وإسرائيل كان له مضمون سياسي، نحن ندحرج الأمور باتجاه قيام دولة فلسطينية وانسحاب كامل لقوات الاحتلال الإسرائيلية”.

واستطرد قائلا: “نحن لا نعمل عند الإسرائيليين، ولا في يوم من الأيام تطوعنا وقدمنا معلومات لإسرائيل خارج حدود مناطقنا، لأننا نشرف على الحدود في مناطقنا، ولهذا السبب فإن الإسرائيليين في الانتفاضة الثانية كان الهدف الأول لهم هو أجهزة الأمن، واليوم نحن نظلمها من جهة وإسرائيل يدمرونها من جهة أخرى، نسينا أن معظم الشهداء والأسرى من الأجهزة الأمنية».

وأضاف: “للأسف الوعي الفلسطيني والمعارضة الفلسطينية ساهموا في تسميم الوعي الوطني، وهذه جريمة بحق الأجهزة الأمنية، كل أعضاء الأجهزة الأمنية مقاومين ومناضلين، وعندما دخلت إسرائيل المناطق الفلسطينية الأجهزة الأمنية هي كانت من تصدت لهم، لهذا أعتقد أن هنالك مفهوم خاطئ وظالم، ويجب أن يكون هنالك مراجعة بمن قاموا بتسميم وعي المواطن الفلسطيني بحق الأجهزة الأمنية».

وتابع “من واجبنا ألا تكون مناطقنا قاعدة لانطلاق أي عمل، وهذا ما يحصن مشروعنا الوطني”.

"هاني المصري: الأجهزة الأمنية بين مفترقين ووقف التنسيق الأمني يعني وقفاً للعدوان"

 

المصري: يجب وقف التنسيق الأمني بشكل كامل وعاجلاً

من جهته، قال المحلل السياسي هاني المصري إنه في حال استمرار التنسيق الأمني على ما هو عليه سنصل إلى مرحلة تحول خطيرة، يجب وقف التنسيق الأمني في ظل انتهاك إسرائيل للاتفاقات المبرمة مع السلطة باجتياح المدن ومراكز الشرطة.

وأضاف المصري أن الرئيس أبو مازن قال “نحن سلطة بلا سلطة”.. إذا لماذا نستمر في التنسيق لا يوجد عملية سلام لا يوجد احترام لمناطق السلطة، يجب وقف التنسيق الأمني بشكل كامل وعاجلا، مشيرا إلى أن وقف التنسيق الأمني يوقف العملية الإسرائيلية ضد شعبنا، ووقفه يعتبر من أهم العوامل لتوقف العدوان، واستمراره سيزيد من المشاكل بين شعبنا والأجهزة الأمنية.

ورأى أن الأجهزة الأمنية بين مفترقين؛ في ظل سياسة السلطة باعتبار التنسيق الأمني مقدس رغم الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين، وواجبهم بحماية شعبهم، فهم اليوم بين تلقي الأوامر التي لا يستطيعون التصدي لها، وشعبهم الغاضب.

وقال المصري إن دفاع المسؤولين في السلطة الوطنية عن التنسيق الأمني، سببه أنهم لا يتخيلون وجود طريق آخر، يعتقدون أنه الخيار الوحيد للعودة للمفاوضات، لكن “أية مفاوضات هذه ونحن لا نملك أوراق قوة، والمقاربة المعتمدة آن لها أن تتغير”.

"سويلم: هنالك سوء فهم شعبي في موضوع التنسيق الأمني!"

سويلم: يتم التعامل مع التنسيق الأمني وكأنه شيء يعيب الفلسطينيين

من ناحيته، قال المحلل السياسي عبد المجيد سويلم «هنالك سوء فهم شعبي حول موضوع التنسيق الأمني، وكأنه شيء يعيب الفلسطينيين وله وجهة واحدة بأن الإسرائيليين هم المستفيدين فقط من الموضوع، وتجييره لصالحهم، رغم أن جزءاً كبيراً من ذلك صحيح لكن يبقى هنالك لغط في الموضوع».

وأضاف سويلم لـ “الحدث” أن التنسيق الأمني نحتاج إليه لتسيير أمور حياتنا، لكن إسرائيل تحاول تحويل موضوع التنسيق الأمني لصالحها، وهي من يبث هذه الدعاية والسموم في شعبنا، رغم أن الإسرائيليين هم المستفيدون الأوائل من التنسيق بكثير من القضايا المختلفة».

وأشار إلى أن سلوكيات الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين ليست مبررة، لكن إذا كان المتظاهرون يحتجون على السلوكيات الإسرائيلية فإنه لا يحق لأحد التدخل في ذلك، طالما أنهم لا يقومون بأمور مخلة بالأمن الداخلي وخارج القانون، إنما ضد السياسيات الإسرائيلية».

ورأى سويلم “نحن في ساحة مليئة بالمزايدات السياسية، والمشكلة أن المسائل لا يمكن للعقل إنصافها من خلال النظرة الواقعية، وذلك لخلفياتنا الأيدلوجية، فالنظرة لمسألة التنسيق الأمني ليست واقعية بل مسيسة لأبعد الحدود.

وقال: “لسنا بحاجة لوقف التنسيق الأمني أو اعتباره شريان الحياة، بل جزء من واقع الحياة، علينا أن نحافظ على الدرجة المطلوبة فقط في إطار مصالحنا، وعلينا أن نكون واقعيين، لأن إسرائيل تحاول دائما أن تبين وكأن الأمن الفلسطيني يعمل لخدمتها وهذا غير صحيح”.

فارس: التنسيق الأمني يعبر عن مرحلة انحدار في المشروع الوطني الفلسطيني

من ناحيته، يقول الباحث عوني فارس: «أن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي من أكثر فصول القضية الفلسطينية ظلاماً ويُعبر عن مرحلة انحدار في المشروع الوطني الفلسطيني»، مشيراً إلى أنه رغم ما يسوقه البعض من تبريرات حول شرعية هذا التنسيق لكونه جزءاً من المشروع السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنه، واقعاً ونتيجة، لا يصب إلا في خدمة المشروع الصهيوني.

ويؤكد فارس أنه لا يمكن الحديث عن مشروع فلسطيني وطني قابل للتحقق في ظل تنسيق أمني مع الاحتلال، مبيناً في الوقت ذاته أن هذا التنسيق يشكل عقبة كبرى أمام المصالحة الحقيقية والدائمة بين الفلسطينيين. وحول إمكانية إيجاد فلسفة أو عقيدة أمنية فلسطينية وطنية ومستقلة فيقول: «بما أن السياسة ليست شأناً جامداً أو قالباً واحداً، فإنه يمكن الحديث عن إمكانية تحول في النهج الرسمي الفلسطيني نحو استراتيجية أمنية مستقلة»، منوها إلى أن هذه الاستراتيجية بحاجة إلى إرادة سياسية ووقت كاف.

"البرغوثي: إسرائيل تتقصد إظهار السلطة بدون سلطة"

البرغوثي: إسرائيل تتقصد إظهار السلطة بدون سلطة

 

وقال النائب الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، إن إسرائيل تحاول أن تؤذي شعبنا وتتقصد أن تظهر السلطة بدون سلطة، وكل ذلك تحت مظلة التنسيق الأمني الذي تنتهجه السلطات الإسرائيلية بالطريقة التي تهواها، والرد على ذلك يجب أن يكون من خلال وقف التنسيق الأمني بالكامل.

وأضاف البرغوثي لـ “الحدث”: لا يوجد معنى أو قيمة للتنسيق الأمني، وإسرائيل تتقصد إيذاءنا والاستهتار بنا، كما أنه لا يوجد أي فائدة منه لصالح شعبنا والمستفيد الوحيد هو الجيش الإسرائيلي الذي استباح مدننا وقرانا ومخيماتنا». 

وأشار إلى أن الحل الوحيد هو كسر الاحتلال عبر المقاومة والحفاظ على الوحدة الوطنية ودعم وتوسيع حركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل، إضافة الى دعم ومساندة صمود الناس على أرضهم وخاصة المناطق المهمشة.

وطالب النائب البرغوثي بالرد الحازم والفوري على استباحة جيش الاحتلال للشعب الفلسطيني ومدنه وقراه ومخيماته ومؤسساته بالإعلان الفوري عن وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع إسرائيل وجيشها.

ودعا منظمة التحرير الفلسطينية، بالانضمام الفوري إلى محكمة الجنايات الدولية والتوجه لها لمحاكمة إسرائيل على جرائم الحرب التي ترتكبها الان في فلسطين.

"الصالحي: إسرائيل تحاول من خلال التنسيق الأمني الاحتفاظ بما لديها"

الصالحي: إسرائيل تحاول من خلال التنسيق الأمني الاحتفاظ بما لديها

قال الأمين العام لحزب الشعب بسام الصالحي لـ «الحدث»: «نحن دولة تحت الاحتلال وعلى السلطة التعامل مع هذا الأساس، من خلال إعادة النظر بالتزامات السلطة تجاه إسرائيل في ظل تنكرها للاتفاقيات السابقة، ووقف التنسيق الأمني الذي بات عنصر نقد شديد في الشارع».

وأضاف إن إسرائيل تحاول من خلال التنسيق الأمني أن تحتفظ بما لديها من استباحة الأراضي الفلسطينية، ومحاولة إدخال السلطة والمؤسسات الأمنية في إطار هذه الاستباحة واستخدام التنسيق الأمني لتشويه الأمن الفلسطيني، لذلك هنالك ضرورة ملحة لوقف التنسيق الأمني».

وأشار إلى أن العديد من الالتزامات التي نتجت عن اتفاق أوسلو في الشأن الأمني والسياسي كان له مردود سلبي كبير على الشعب الفلسطيني، أكبر مما له من فائدة إيجابية، لأنه في نهاية الأمر لم يترتب على التنسيق أي وقف لاعتداءات المستوطنين وممارساتهم واجتياحات إسرائيل للأراضي الفلسطينية.

ورأى الصالحي أن القرار الأساسي المطروح في ظل استمرار هذا الوضع ككل يتلخص بعلاقة السلطة مع إسرائيل، خاصة أن المجلس المركزي أشار إلى أن الواقع في الأرضي الفلسطينية هو واقع احتلالي، وعلى السلطة أن تعيد ترتيب كل المنظومة”.

"خريشة: التنسيق الأمني تجميل للعلاقة مع الاحتلال"

خريشة: التنسيق الأمني تجميل للعلاقة مع الاحتلال

قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي د. حسن خريشة لـ «الحدث»: «إن التنسيق الأمني جزء من اتفاقيات السلطة وإسرائيل، وكلمة تنسيق أمني تجميل للعلاقة مع الاحتلال لأننا نرفض أي علاقة معه من الأصل».

وأضاف خريشة “أن الفترة الأخيرة وضعت أسس للتنسيق الأمني مغايرة عما كان عليه، لأن الأمن في الأصل لحماية الوطن والمواطن، أما فلسفة التنسيق الأمني أصبحت حماية الإسرائيليين أولا».

وأشار إلى أن عملية البحث عن المستوطنين المفقودين، وتصريحات الرئيس بأن التنسيق الأمني مقدس، وعندما يقال أن الدم الفلسطيني يتساوى مع الإسرائيلي، طعنة لكل شعبنا، وطعنة لمشروع التحرر الفلسطيني. 

وأكد خريشة أن التنسيق الأمني يشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية، وضرباً لجهد أي مقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي، فبالنسبة لنا المقاومة تهدف لدحر الاحتلال، وهذا هو الأساس.

ورأى أن التنسيق الأمني كان في البداية يقتصر على رؤساء الأجهزة الأمنية، ويوجد له ضوابط ومعالمه واضحة، أما اليوم أصبح التنسيق في القاعدة، وأصبحنا حريصين على أمن إسرائيل، ورسالة لشعبنا أنه يمنع مقاومة الاحتلال.

ولفت خريشة إلى أن رجل الأمن الفلسطيني البسيط أصبح يشعر بالإهانة والذل عندما يدخل الاحتلال للمنطقة الفلسطينية ولا يسمح له بالتدخل، وعليه الجلوس وعدم الخروج”.

بدوره، يقول الصحافي حسام عز الدين، إن التنسيق الأمني بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ينطلق من اتفاق أوسلو الذي حدده ووضح بنوده، ونظم تفاصيله كالدوريات المشتركة وواجبات ومهام الشرطة والانتشار والأسلحة والذخيرة والعتاد وسواها. ويضيف: “أن التنسيق الأمني بين الطرفين هو عملية قائمة وليست سرية منطلقة من اتفاقيات تعاون أمني بين سلطتين ضمن اتفاقية دولية موقع عليها وتم اعتمادها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل”.

ويذكر عز الدين أنه طالما يوجد بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني تسوية واتفاقية سياسية، فإنه طبيعي أن يكون بينهما تنسيق أو تعاون أمني، مؤكداً أنه لا يمكن للسلطة الامتناع عن التنسيق الأمني وسواه، ففي حال لم يوجد مثل هذا التنسيق فإنه لا يستطيع أي مسؤول فلسطيني التحرك والانتقال من منطقة إلى أخرى، فضلاً عن التضييق على الفلسطينيين في كافة المجالات.

من جهته، استنكر المتحدث باسم حركة فتح أحمد عساف الحملة التي تستهدف الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مؤكداً أن هذه الحملة وفي هذا الوقت الذي يتعرض فيه شعبنا للعدوان الاسرائيلي هي وصفة خطيرة لنشر بذور الفتنة الداخلية خدمةً للاحتلال الإسرائيلي ومخططات نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية وتحويل للمعركة مع الاحتلال الإسرائيلي لمعركة داخلية تستنزف قوانا.

وقال عساف في بيان صدر عنه، وصل “الحدث” نسخة منه،: “إن أبناء الأجهزة هم أبناء شعبنا وهم مناضلون وأسرى محررون، قدموا آلاف الشهداء ولا يزال المئات منهم أسرى، وهم اليوم يعملون وبمسؤولية للمحافظة على الانجازات والمكتسبات الوطنية التي تتحين دولة الاحتلال الاسرائيلي الفرصة و تخلق المبررات للانقضاض على هذه المكتسبات”.

وأدان حملة التحريض التي تقوم بها أجهزة إعلام حماس ومسؤوليها على الأجهزة الأمنية، مذكرا بما قامت به حماس من حملات قبل انقلابها الدموي على الشرعية في العام 2007 وكيف ان التاريخ يعيد نفسة ، قائلا أن حماس تسعى إلى خلق حالة من الفوضى في الضفة كي تمهد للقيام بانقلاب، و تقيم سلطتها على أنقاض الدولة الفلسطينية والمشروع الوطني التي بناها الشعب الفلسطيني بتضحياته الجسام عبر عقود من الزمان.

من جانبه، يذكر المواطن حمدي حسني أن التنسيق الأمني يصادر السيادة لدى الفلسطينيين، حيث أن التنسيق مع الاحتلال والتعاون معه في مجالات مختلفة، لا سيما في مجال الأمن، لا يستوي مع السياسة الوطنية الفلسطينية وأهداف المشروع الوطني. ويوضح: “الاحتلال يريد من التنسيق الأمني أن يكون الطرف الفلسطيني تابعاً له ومجرد عميل ناقل للأخبار وعيناً على شعبه”.

أما المواطن مهند محمود فيذكر، أن التعاون الأمني لم يكن في صالح الطرف الفلسطيني بقدر ما هو مفيد للطرف الإسرائيلي، منوها إلى أن الإسرائيليين يرون في العقيدة الأمنية العامل الأساس في حماية إسرائيل ومستقبلها، وبالتالي لم يتوانوا أبداً عن تجنيد الآخرين للمساهمة في تحقيق هذا الهدف دون القبول بالتعاون المتماثل.

"د. المصري.. الإعلام الفلسطيني صامت والإسرائيلي يشوه"

التنسيق الأمني بعيون «أوسلو»

جاء في البند الثالث من المادة الثانية عشر من اتفاق أوسلو، وتحت عنوان (ترتيبات للأمن والنظام العام): «سيتم تشكيل لجنة تنسيق وتعاون مشتركة من أجل الأمن المتبادل (ستسمى من الآن فصاعداً “JSC”)، إضافة إلى لجنة أمن إقليمي مشتركة (ستسمى من الآن فصاعداً “pscs”)، ومكاتب مشتركة للتنسيق في المناطق (ستسمى من الآن فصاعداً “DCOS”)، كما نص عليه الملحق الأول”.

وفي البند السادس من المادة الثالثة عشر من الاتفاق، وتحت عنوان (الأمن) مايلي: “ستقوم الشرطة الفلسطينية والقوات العسكرية الإسرائيلية بنشاطات أمنية مشتركة على الطرق الرئيسة كما هو منصوص عليه في الملحق الأول”. وفي البند الأول من المادة الخامسة عشر جاء تحت عنوان (منع الأعمال العدوانية) التالي: “سيأخذ الطرفان الإجراءات الضرورية لمنع أعمال الإرهاب، الجريمة، والأعمال العدوانية الموجهة ضد الطرف الآخر أو ضد أفراد واقعين تحت سلطة الطرف الآخر وضد ممتلكاتهم، وسوف تُؤخذ الإجراءات القانونية ضد مرتكبي هذه الأعمال”.

كذلك، نصت النقطة “ ز” التي وردت تحت عنوان مكاتب التنسيق اللوائية (DCOS) على: “لمنع الخلاف وتمكين كلا الجانبين من التعامل مع حوادث ممكنة الوقوع، فإن كلا الطرفين سوف يضمن إبلاغ مكتب التنسيق اللوائي المعتمد فوراً بأي من الأحداث التالية:(1. نشاط مخطط أو غير مخطط له أو انتشار للقوات العسكرية الإسرائيلية أو الشرطة الفلسطينية يؤثر بشكل مباشر على المسؤولية الأمنية للطرف الآخر، 2. أحداث تشكل تهديداً للنظام العام، 3. أنشطة تشوش على حركة السير المنظمة على الطرق الرئيسة بما في ذلك حواجز الطرق أو أعمال صيانة الطرق، 4. حوادث ذات صلة بإسرائيليين وفلسطينيين مثل حوادث الطرق وإنقاذ مصابين أو أشخاص يواجهون خطراً مميتاً، وحوادث اشتباك أو أي حادث يستخدم فيه سلاح، 5. عمل إرهابي من أي نوع ومن أي مصدر، 6. حالات تسلل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل”.

وفي السياق ذاته، نصت المادة الثانية من بروتوكول حول إعادة الانتشار والترتيبات الأمنية على مجموعة من البنود، نذكر منها: (1. سوف يعمل كلا الجانبين لضمان المعالجة الفورية والفعالة لأي حادث فيه تهديد أو عمل إرهابي أو عنف أو تحريض سواء اقترفه فلسطينيون أو إسرائيليون. وإلى ذلك سوف يتعاونان في تبادل المعلومات وينسقان بشأن السياسات والنشاطات. وسوف يرد كل جانب فوراً وبشكل فعال على وقوع أو الاشتباه بوقوع عمل إرهابي وأعمال عنف أو تحريض، وسوف يتخذ جميع الإجراءات الضرورية لمنع ذلك، 2. اعتقال المذنبين والتحقيق معهم ومقاضاتهم وجميع الأشخاص الآخرين المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في أعمال الإرهاب والعنف والتحريض). 

تشويه وثوابت

يقول المتخصص في الأمن والإعلام د. محمد المصري في دراسة له بعنوان «الاستراتيجية الأمنية والحل النهائي، ط2، 2010» إن اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو)، والاتفاقيات اللاحقة نصت على التعاون والتنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية وجهاز الشاباك ـ المخابرات العامة الإسرائيليةـ ضمن إطار وحدود معينة، مشيراً إلى أنه بعد إقامة السلطة وفي ظل المرحلة الانتقالية فإن علاقات التنسيق الأمني الفلسطينية ـ الإسرائيلية، تعتبر بمثابة مفاوضات «موازية» للمفاوضات السياسية ومكملة لها في مجال الاختصاص الأمني.

ويضيف د. المصري: «الجانب السياسي الإسرائيلي الذي أوجد فلسفة التفاوض القائمة على “السلام مقابل الأمن” اعتبر أن دراسة وتقييم وتدخل الجهات الأمنية الإسرائيلية المختصة في معظم جوانب المفاوضات الثنائية، مسألة لها أهمية خاصة، وبالتالي يتطلب مثل هذا الوضع مفاوضات أمنية فلسطينية ـ إسرائيلية معقدة». ويوضح أن: «التنسيق الأمني في معظم الحالات كان بمثابة مفاوضات أمنية تستكمل الجوانب السياسية. فالممر الآمن، المطار، الميناء، إعادة الانتشار، السيادة، المعابر...، جميعها قضايا تطلبت مفاوضات أمنية فلسطينية ـ إسرائيلية، أخذت حيزاً هاماً وأحياناً الأكثر أهمية في المباحثات».

ويبين د. المصري أنه بعد إقامة السلطة في أيار 1994، برزت سياسة أمنية إسرائيلية خاصة بمناطق السلطة، من خلال مجموعة من التوجهات الأمنية الإسرائيلية الواضحة أحياناً والملتوية في أحيانٍ كثيرة، يمكن ملاحظتها بممارسات أمنية وأعلامية جميعها تصب باتجاه تكريس مفهوم أمني إسرائيلي لعلاقة التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهذا المفهوم يتلخص في محاولة «تحويل السلطة إلى شريط حدودي متعاون». ويرى المصري أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أوحت بأن التنسيق الأمني الفلسطيني ـ الإسرائيلي «حالة» أوجدتها السلطة الفلسطينية، من خلال إثارة هذا الموضوع بشكلٍ دائم بهدف التشويه المتعمد، رغم أن إسرائيل لا تتعامل بنفس الأسلوب مع أي تنسيق أمني إسرائيلي مع أي دولة أخرى في العالم. بالمقابل، والكلام للمصري، كان الإعلام الفلسطيني يلتزم الصمت أو الحديث الخجول أحياناً حول قضية التنسيق الأمني، بسبب نقص المعلومات حول هذا الموضوع والاعتماد على وجهة النظر الإسرائيلية الأكثر اطلاعاً والأكثر تشويهاً لهذه القضية.

ويبين المصري أن ثوابت السياسة الأمنية الفلسطينية في التنسيق الأمني تتمثل في: «ألا يتعارض التنسيق الأمني مع إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وبما لا يمس بالسيادة الفلسطينية، وحماية السلطة الوطنية الفلسطينية ورعاية المصالح الفلسطينية، ومنع النشاط الاستخباري التجسسي الإسرائيلي في مناطق السلطة، وعدم السماح لإسرائيل بالمطاردة الساخنة في مناطق السلطة، ورفض السلطة بشكلٍ قاطع لمبدأ تسليم أي مواطن فلسطيني لإسرائيل تحت أي سبب، وتولي القضاء الفلسطيني مهمة معالجة أية حالة تنتج عن هذا الواقع».

أرقام وتصاعد

في السياق ذاته نجد التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لسنة 2010، الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، يبين أن التنسيق الأمني بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قد وصل في سنة 2010 إلى مراحل متقدمة وغير مسبوقة منذ توقيع اتفاق أوسلو إلى درجة جعلت جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، يتحدث لأول مرة منذ ما يزيد عن عشرين عاماً عن خلو قائمته ممن يسميهم «المطلوبين» في الضفة. ويذكر التقرير أن رئيس الشاباك وقتذاك يوفال ديسكين، امتدح فعالية الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد حماس في الضفة، مشيراً إلى «أن تلك العمليات وصلت إلى أعلى درجة لها منذ 16 عاماً». 

وعلى صعيد عمليات التنسيق وكثافتها يوضح التقرير أن حكومة الاحتلال كشفت ضمن تقريرها الذي قدمته أمام «لجنة ارتباط الدول المانحة» في بروكسل، أن أجهزة الاحتلال قامت بـ 2,968 عملية مشتركة مع قوات الأمن الفلسطينية سنة 2010 مقارنة مع 1,297 عملية سنة 2009، أي زيادة بنسبة %129. كما عقدت 686 اجتماعاً مشتركاً معها سنة 2010، مقارنة بـ 544 اجتماعاً سنة 2009، أي زيادة بنسبة %26؛ إضافة إلى إسهام القوات الفلسطينية بتسليم 623 إسرائيلياً بعد أن دخلوا عن طريق الخطأ إلى مناطق تابعة للسلطة في الضفة الغربية.

ويورد تقرير مركز الزيتونة ما جاء في تقرير أمريكي، أعده ناثان ثرال بعنوان «رجلنا في فلسطين»، قد كشف عن أن قوات أمن السلطة قامت بمشاركة الجيش الإسرائيلي في سنة 2009 بـ1,297 عملية مشتركة ضد مجموعات المقاومة الفلسطينية المسلحة، استهدفت فيها حركة حماس وجهازها العسكري، ومؤسساتها المدنية والاجتماعية بزيادة %72 عن عمليات سنة 2008. ووفق مركز الزيتونة فإن ناثان ثرال نقل عن التقرير السنوي لجهاز الشاباك أن العمليات الأمنية المشتركة لقوات أمن السلطة و»إسرائيل» قد خفضت الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى أقل مستوى منذ عام 2000. وينقل ثرال عن مايك هرتسوغ، الذي شغل منصب رئيس هيئة موظفي إيهود باراك، عندما كان رئيساً للحكومة الإسرائيلية أن مستوى التعاون الحالي بين الجانبين الفلسطيني ـ الإسرائيلي هو «أفضل حتى مما كان عليه الوضع قبل الانتفاضة الثانية.. إنه ممتاز». 

الأمن هو السلام!!

في دراسة للباحث عمر إبراهيم البدرية بعنوان «رؤية إسرائيل للتعاون الأمني في ظل اتفاقيات أوسلو»، نشرت عام 2007، يقول: «أن الفهم الإسرائيلي للسلام هو تحصيل حاصل لمفهوم الأمن بعناصره المختلفة، وأن جميع محاولات تجاوز هذا الموقف منذ بدء العملية السلمية إنما انطلقت من الافتراض الإسرائيلي الأمني، الذي تبناه إسحق رابين : «الفلسطينيون سيحاربون «الإرهاب» أفضل منا، بدون محكمة العدل العليا وبدون بيتسيلم (منظمة حقوق إنسان)».

وأشار إلى أن اتفاقيات السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني، منذ عام 1993، احتوت على مجموعة كبيرة من البنود والاشتراطات الأمنية بين مؤسستين «عسكريتين أمنيتين» تتواجدان في مرحلة انتقالية من «الحرب إلى السلام». ويذكر أن إسرائيل ومن خلال تقديرات ومواقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية طالبت واشترطت التقدم في العملية السياسية بوقف العمليات العدائية ضد إسرائيل ومواطنيها. وقد كان من الواضح، حسب البدرية، بأن المسؤولية عن هذه المهمة ستكون على عاتق المؤسسة الأمنية الفلسطينية الحديثة، منوهاً إلى أن إسرائيل لم تطالب فقط بالتعاون الأمني والالتزام به وإنما طالبت بالالتزام بكيفية التعبير عن هذا النوع من التعاون الأمني. ويبين أن النظرة الأمنية الإسرائيلية محكومة ببرنامج واحد مبني على تلبية المصالح الأمنية الإسرائيلية بدون الأخذ بعين الاعتبار وجود وخصوصية لأي طرف آخر.

ويرى الباحث البدرية أن الخلل الرئيسي بالنسبة لتطوير التعاون الأمني يكمن في التناقض بين العناصر السياسية والأمنية لنظريتين قوميتين، وضع لا يوجد فيه أي ممارسة للحقوق الوطنية الفلسطينية، إلى جانب المطالبة بتنفيذ البنود الأمنية للاتفاقات مع إسرائيل وفي مقدمتها ضرب وقمع المعارضة الفلسطينية، الأمر الذي رفضه الفلسطينيون.

«تعبت من كوني مقاولاً»!

ويسرد البدرية في دراسته عدداً من التصريحات لمسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين بشأن التنسيق الأمني المشترك فيورد قولاً لمحمد دحلان في العام 2000 عندما قال لأعضاء ميرتس الذين استضافهم في غزة: «تعبت من كوني مقاولاً تابعاً للشاباك, سبع سنوات أحارب المعارضين لأوسلو من أجل الإسرائيليين والدفاع عنهم، وفجأة أتحول إلى إرهابي».

دحلان، حسب ما يذكره الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس في 13 نيسان 2001، يغير موقفه تجاه الإسرائيليين حيث يقول “للأسف فإن الإسرائيليين بدون استثناء، ما عدا رابين، يتصرفون وكأنهم يمنحوننا امتيازات، وبالمقابل نعمل معهم مثل العملاء. إنهم لا يتعاملون معنا على أسس سليمة واحترام متبادل وهم لا ينظرون لنا باحترام، في العشر سنوات الأخيرة لم يغيروا من تصرفاتهم بل تصرفوا معنا كاحتلال”.

ويورد البدرية في السياق ذاته ما ذكره الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي شلومو غازيت، الذي رأى في التعاون الأمني أنه: “اتفاق بين طرفين على هدف، توزيع المسؤوليات بين الطرفين. لا يوجد أي التزام لطريقة معينة. كل جهة تستطيع التصرف كما تريد المهم هو النتائج”. 

 وينقل البدرية عن رئيس هيئة الأركان السابق موشيه يعلون قوله: “أن الفلسطينيين في زمن عرفات لم يواجهوا الإرهاب وإن السلطة كانت مدركة لقدرات “الإرهاب”، وتوفرت لديها المعلومات عن النشطاء ومنهم يحيى عياش ومحمد ضيف، وعرفت أين توجد مخازن السلاح ولم تعمل ضدهم”. أما مسؤول الشاباك السابق كرمي غيلون، فيرى أن عرفات وقع في خطأ استراتيجي عندما تهرب من محاربة الذراع العسكري لحماس، مضيفاً: “أن الفلسطينيين لو قاموا بمعالجة “الإرهاب” كما تعالجه إسرائيل اليوم، لكان من الممكن تنفيذ الجدول الزمني الأصلي لأوسلو، ولكان للفلسطينيين اليوم دولة فلسطينية مستقلة".