الحدث - إبراهيم أبوصفية
صادف يوم الثلاثاء الماضي الرابع من أيار، ذكرى مرور عام على ذروة الأحداث في مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة، حيث أطلق على هذا اليوم "يوم العبور"، أي يوم الزحف السلمي صوب الأراضي المحتلة، بهدف تحقيق حلم العودة، بعد انطلاق مسيرتها في الـ 30/أذار العام الماضي، حيث بدأ التفكير جيدا بالزحف السلمي، وتبلورت فكرته أن مسيرة مليونية زاحفة لن يستطيع الاحتلال مواجهتها، فأعلن عن هذا اليوم تزامنا مع نقل السفارة الأمريكية في القدس، من باب مواجهة المخططات الأمريكية - الإسرائيلية، وتدشين العودة واقعيا، ومع تحرك المتظاهرين السلميين صباحا بطشت آلة الحرب الإسرائيلية بهم؛ مخلفة ما يقارب الـ 70 شهيدا، فعاد الفلسطينيون عصرا ملبدة قلوبهم بالآلام.
وشكلت هذه المجزرة صدمة في الوعي الفلسطيني، وبدأت التحليلات مرافقة للانتقادات، وطرحت العديد من الأسئلة عن كيفية إمكانية تحقيق العودة بعد فشل خيار الزحف السلمي، وهل فعلا ما حصل هو زحف سلمي من أجل العودة؟ أم تحقيق أهداف أخرى كالتي ظهرت في ما بعد، واختصرت "بفك الحصار"، وكذلك وضع هذه المسيرات في ميزان الخطأ والصواب، وماذا لو حدثت هذه المسيرات بالضفة الغربية والزحف نحو المستوطنات والشوارع الالتفافية فهل ستحقق هدفها المنشود؟ وما المقصود بالمقاومة السلمية التي يعتبر البعض أنها تحرج العالم؟ في المقابل فإن مئات الشهداء في هذه المسيرة قد ارتقوا، وقتلهم الاحتلال ولم يتحرك الرأي العام الدولي، ولم ضغط أحد على الاحتلال من أجل تحقيق مطالب الفلسطينيين.
وقال عضو اللجنة الاعلامية لمسيرة العودة أحمد أبو رتيمة، إن مسيرات العودة الكبرى هي خيار استراتيجي مهم، أعادت قضية اللاجئين إلى الواجهة، وأحيت ثقافة العودة في نفوس اللاجئين في غزة، وتنامت مشاعر الشوق والحنين في نفوس الناس إلى وطنهم المسلوب، وأعادت تعريف القضية الفلسطينية بأنها قضية شعب مقتلع من أرضه، وأعادت قضية فلسطين إلى بؤرة الاهتمام العالمي.
وأوضح أبو رتيمة لـ "الحدث" أن هذه المسيرات فجرت الطاقات المكنونة في الشعب الفلسطيني، وعززت ثقافة الإيجابية الوطنية، واضطر الاحتلال إلى استنفار كتائبه العسكرية على طول الحدود مع قطاع غزة، وساهمت مسيرات العودة في تراجع الشعور بالأمن والاستقرار في "إسرائيل"، وأنهت مسيرة العودة حالة اللامبالاة الإسرائيلية والدولية تجاه حصار غزة، وساهمت في إحراج الاحتلال عالمياً وعرقلت عجلة التطبيع، مؤكدا على أهمية الحفاظ على هذه المسيرات.
وبين أن مسيرات العودة هي حالة استقطاب عالمي، وحشد شعبي سلمي، وتركيز إعلامي كبير من أجل بناء رأي عام دولي من شأنه وضع قضية اللاجئين الفلسطينيين في أولوياته، ودعم العودة إلى ديارهم، وهي جبهة ثقافية ووعي مستمر قبل الوصول لليوم الفعلي للعبور والعودة.
وأشار أبو رتيمة، أن قرار العبور العام الماضي لم يكن خيارا موفقا، بسبب أن اللحظة التاريخية للعبور الجماعي للكل الفلسطيني في كل أماكن تواجده لم تحن، ولم يصل اللاجئون الفلسطينيون لهذه الخطوة التاريخية التي سيتوافد فيها ملايين الفلسطينيين للحدود، خصوصا أن هذه المسيرات اقتصرت في قطاع غزة، مما جعلها تفشل بالعبور وتكبدت خسائر كبيرة، لافتا إلى أن مسيرات العودة يجب أن تبقى نشطة، والقيام بفعاليات ثقافية وفنية تهدف لإبقاء قضية العودة حية.
وحول إمكانية العودة قال أبو رتيمة، إن التاريخ يتحرك وغير جامد، وأن الإيمان بالعودة يجعلها حتمية، وأنه سيأتي اليوم الذي يتوافد فيه ملايين الفلسطينيين وتحقيق العودة الفعلية، مشيرا إلا أن الظروف الراهنة المتمثلة بالعوامل الداخلية المشتتة والعوامل الدولية تستبعد فكرة العودة في الوقت القريب، لذلك فإن الحد الأدنى اليوم هو إبقاء مسيرات العودة وقضيتها حية، وبث الوعي وتحشيد جبهة عالمية ضد الاحتلال.
كما بين أبو رتيمة: أن الفلسطينيين ارتكبوا خطأين في مسيرات العودة، في إدارة المسيرة أولا، ورفع سقف آمال الناس عبر تضخيم مركزية منتصف أيار/ مايو الماضي، وهو ما أوجد موعداً يترقبه الناس وينتظرون منه الكثير، وأضر بفكرة الاستدامة، ولو ظلت مسيرة العودة دون تحديد موعد لسمح ذلك بتفاعلها ونضجها على نار هادئة، واستدامتها وأن لستنزافاً حقيقياً لدولة الاحتلال قد حصل، وكذلك الترويج لفكرة العبور دون إعداد متكامل لهذه الفكرة، وهو ما حمس الجماهير وساهم في اندفاعها باتجاه السلك العازل، وكذلك رفع مستوى الخوف الإسرائيلي، وهو ما انعكس على مستوى العنف الذي لجأ إليه الاحتلال في التصدي لها، فانقضى يوم الرابع عشر من أيار/ مايو عام 2018 دون عبور فعلي، و تكلفة مرتفعة، في حين أذا ما كان الهدفُ من هذه المسيرة هو إيصال رسالة إعلامية.
وأضاف أن الخطأ الثاني، تمثل في تصدر حركة حماس للمشهد أكثر مما ينبغي، وهو ما جعلها العنوان الذي تتوجه إليه الضغوط الإقليمية، وأضر بالعمق الشعبي للحراك، وتعامل الحركة بغموض مع الجماهير، بل حتى بغموض مع الناشطين في مسيرة العودة الذين تنظر الجماهير إليهم بأنهم المسؤولون عن اتخاذ القرار، وذهبت قيادة حماس إلى القاهرة قبل يوم من ذروة مسيرة العودة، في زيارة غامضة، ثم رجعت دون إطلاع الناس على نتائج تلك الزيارة، ومع غياب المعلومات والشفافية فتحت بذلك باب التكهن، وزعمت بعض المصادر أن حركة حماس تلقت تهديداً من النظام المصري في تلك الزيارة.
واختتم أبو رتيمة، أن هدف مسيرات العودة هو تكريس ثقافة النضال السلمي في المجتمع الفلسطيني بديلاً عن ثقافة الاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال، وتعزيز حضور أطياف المجتمع المتعددة، وتشكيل جسم مدني فاعل لا يطغى عليه الحضور الفصائلي، ويكون هذا التيار المدني قادراً على قيادة هذه المرحلة، فلكل مرحلة عناوينها، ومن يقود الكفاح المسلح مع كل التقدير لجهوده ونضاله فإنه ليس الجهة المناسبة لقيادة الكفاح السلمي.
بدوره قال سكرتير اللجنة الوطنية للدفاع عن حق العودة، عمر عساف، إن مسيرات العودة هي أحد أشكال النضال والمقاومة الشعبية الجماهيرية التي ابتدعها الفلسطينيون؛ لتتناسب مع طبيعة المرحلة والإمكانيات المتاحة كما فعلوا في الانتفاضة الكبرى انتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧، مشيرا إلى أن خلال الاشتباك والمواجهة الميدانية؛ حصل هناك ثغرات أو أخطاء إلى جانب نواح كثيرة من الإنجازات والإيجابيات، فالأعمال النضالية لا تكون وفق كاتالوج معين ومحدد، مؤكدا على أنه من الصواب ابتداع أشكال جديدة دائما في المواجهة مع الاحتلال.
وأوضح عساف لـ"الحدث" إن مسيرات العودة عند انطلاقها لم تكن تهدف إلى تحقيق حلم العودة، وإنما انطلقت لمواجهة ظروف الحصار والتجويع والعقوبات والإجراءات " الإسرائيلية" والمشاريع التصفوية كصفقة القرن، مبينا أن هدف مسيرات العودة هو تحريك هذه المياه الراكدة، والانتفاض في وجه الاحتلال، وكذلك فإنها استطاعت إرسال رسالة التمسك بحق العودة.
وأشار عبور الأراضي المحتلة العام الماضي بأنها ليست المرة الأولى التي اجتاز فيها اللاجئون الحدود، فقبل سنوات مثلت تجربة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سابقة في هذا المجال، واجتازوا الحدود وسقط بعض الشهداء، وممن دخلوا من وصل وسط فلسطين، ومن هنا ووفق فهمي للأمور اعتقد ان من قرروا ذلك كانوا يدركون أنها مواجهة ومغامرة، وفي مرحلة المجابهة تصرفت الجماهير بحماسها وشجاعة وإقدام دون أن تنتظر التعليمات من القيادة، وخروجها عن السيطرة وهو أمر مفهوم في المواجهات الجماهيرية الواسعة.
ولفت إلى أن مسيرات العودة لن تحقق وحدها حلم العودة، وأن قضية اللاجئين هي جوهر الصراع الفلسطيني- الصهيوني، إضافة إلى أن جوهر المشروع الصهيوني هو نفي الآخر، لذلك تأتي أهمية هذه المسيرات، فهي تمكن في الإبقاء على ثقافة العودة في ذهن الفلسطينيين باعتبارها حجر الزاوية في الحديث عن أية تسوية.
وحول كيفية تحقق حق العودة، قال عساف: إن مسيرة النضال طويلة وتتطلب تضحيات وتغيير في موازين القوى على الأرض، وهذا ليس ببعيد ولكننا قبل ذلك بحاجة لتقديم المرحلة السابقة ( أوسلو ) ومغادرتها، والعودة لخيار الوحدة والمقاومة، وإعادة الإعتبار للبرنامج الوطني، فبهذا يمكن أن نفتح الطريق أمام إقرار العالم بتطبيق القرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها ١٩٤.
وأكد على أن الزحف السلمي صوب الحدود، يشكل "للإسرائيليين" هاجسا، لذلك لن يسمحوا بدخول فلسطيني واحد دون موافقتهم؛ لأن هذه القضية ترتبط بالوجود الصهيوني برمته، فإن الاسرائيلين لن يسمحوا بذلك إلا إذا فرض عليهم عبر ضغط ميزان القوى، وعبر إحداث تغيير في ميزان القوى الدولي الذي يشكل رادعا للسياسة "الإسرائيلية".
أخيرا حول طبيعة المقاومة السلمية في تحقيق حلم العودة ومواجهة مشاريع الاحتلال التهويدية والاستيطانية.
فإن الاعتماد على هذه المقاومة السلمية مع العلم بأن المقاومة المسلحة مشروعة دولياً، فلا بد من دمج كل الوسائل السلمية ببرنامج سياسي له سقف محدد، والدفع في تحقيقه يكون مقترنا بسقف زمني محدد، وإذا لم ينجز يجب البحث عن بديل أكثر "نجاعة"، وليس البقاء في نفس الدائرة، فالحالة الاستهلاكية تقتل أي فعل، إضافة إلى البدء بخطوات فعلية كسحب الاعتراف بدولة الاحتلال، وإبراز صورته الإجرامية، وعدم التعاون "والتنسيق"، ونبذ المتعاونين، والمقاطعة الجماعية والإجتماعية والإقتصادية لمنتجات الاحتلال والعمل في مرافقه، والإضرابات من قبل العمال في المواقع التي يكون لها تأثيرا، ورفض المساعدات من أي جهة احتلالية، والعصيان المدني من خلال عدم دفع الضرائب، ومن ثم التخلي عن الوثائق المرتبطة بالاحتلال كالهويات، وهنا فالحديث عن القدس والداخل المحتل؛ إذ يجب تفعيل المقاومة بكل المناطق المحتلة.
كما أن ضمان نجاح أي فعل يحتاج إلى جهود مشتركة، لذلك يجب تشكيل هيئات توعوية وثقافية وإعلامية، وشحن الروح الوطنية، وصولا للإضراب عن الطعام والاعتصامات، والصلاة والاعتراضات على الحواجز، ومحاولات السيطرة على بعض مراكز الاحتلال من خلال دفع حجم كبير من الناس لهذه المراكز، وبناء مدن خيمية داخل شوارع الاحتلال، وحماية المنتجات الوطنية وتوفير الأسواق لها، والزحف نحو المستوطنات وقطع الطرق على المستوطنين.
إن حساسية موقع الضفة الغربية الإستراتيجي بالنسبة للاحتلال، يعطي حيزا أكبر لنجاح المقاومة السلمية المتكاملة، وتحقيق بعض الأهداف المنشودة، كإجبار الاحتلال على سحب مستوطنيه.