الحدث- محمد سيف
يتناول فيلم "واجب" للمخرجة الأمريكية من أصول فلسطينية آن ماري جاسر، أبعاد العلاقة المعقدة بين أب وابنه في مجتمع الناصرة المحافظ وتحديدًا المسيحي منه. يُظهر الفيلم ما هو متعارف عليه بواجب العزومة، هذا التقليد الذي ظلّ حتى اللحظة، بمثابة مقياس لشبكة العلاقات الاجتماعية للعائلات وأبنائها المتزوجين من الذكور والإناث، وكما يظهر في الفيلم، يعمل الأب أبو شادي (محمد بكري) أستاذًا في مدرسة محلية في الناصرة، وهو مجبر على التقيد بهذا الطقس والالتزام به برغم كبر سنه في محاولة من الأب لتصديره وإعادة إنتاجه لابنه شادي (صالح بكري) القادم من إيطاليا لمساعدة الأب في توزيع الدعوات.
وتدور أحداث الفيلم الذي مدته ساعة ونصف بين الأب وابنه أثناء توزيع دعوات الأعراس ليوم واحد فقط، وهو يوم التوزيع، بمشهد انتظار الأب لابنه في سيارة قديمة من نوع فولفو، وصوت مذيع الراديو يخبر الممثل (أبو شادي) وفي يده سيجارة عن وفيات البلاد. يظهر الابن (شادي) في الدقيقة الأولى موجها سؤاله لأبيه: "بعدك بتتصيد"، في إحالة على ما يبدو عن انقطاع طويل للعلاقة بين الأب وابنه.
يمكننا أن نتناول الفيلم من ثلاث زوايا، حملتها المخرجة على ثيمة "الواجب" المجتمعي أي العزومة في هذه الحالة، هذه الزوايا هي أولًا، الفجوة بين الأجيال من خلال علاقة الأب بابنه، ثم زاوية الأسرلة والتعايش بين الفلسطينيين والصهاينة، وفي النهاية فكرة مكانة المرأة ومركزية الرجل كحامل للسلطة.
أولًا: الواجب المجتمعي بين التقليدي والضروري
سار مجتمعنا باتجاه تقسيمات الأدوار في هذه المناسبات (الأحزان والأفراح)، قبل مشاهدتي للفيلم، كنت أتخيل أن الأم في المشاهد حاضرة، فلا غنى عن دورها في الأعراس الفلسطينية، إلا أن الكوميديا السوداء غيبت الأم التي تزوجت رجلا في أمريكا وذهبت للعيش معه، لم تكن موجودة، وقام الأب والابن بتغطية دورها. على ما يبدو أن المخرجة كانت ذكية بما يكفي في اختيار الأب لسيارة قديمة في المشاهد البصرية على مستوى الفيلم، وهي إحالة واضحة على علاقة ديناميكية بين الأب والمجتمع إن جاز القول، علاقة قوة وسلطة فوقية بمفاهيم ميشيل فوكو. وليست قابلة للتفاوض.
يتسلسل المشهد الأول في صعود الأب وابنه لمنزل أحد الأقارب، لإيصال دعوة لعرس ابنة أبو شادي – أمل – التي ستتزوج شابا من كفركنا، في العادة وكما هو دارج في مجتمعنا يتكفل ذكور العائلة بتوزيع دعوات الأعراس على الأقارب والأصحاب، وتتكفل النساء بالدعوة الشفوية في حال كان طقس الزواج محليا، بمعنى في منازل عائلات العرّسان وليس مصدّرا لقاعات الأفراح. لأن الأعداد في القاعة بحاجة لعملية إحصائية، بعكس الاحتفالات التي تقام أمام بيوت العائلات.
يعدّ الواجب في الفيلم تغذية اجتماعية ممنهجة من الأب لابنه، أو بمثابة تغذية من الجيل القديم للجيل الشاب بضرورة المحافظة على الموروث الاجتماعي؛ حتى لو كان هذا الواجب غير ضروريّ في كثير من تعابير الأب، لكن إذا لم يحصل ولم يقم به، سيشعر أنّ الأمور لا تسير كما يجب، إذ إن التقليدي هو حتمًا ضروري من أجل البقاء في "منطقة الأمان" التي يشعر بها الأب، كممثل رمزي عن الجيل الأكبر، ويناقش ضرورتها الابن، كممثل عن الجيل الشاب، قائلًا إنها أمر شكلي نتبعه فحسب وليست ضرورة.
يتجلى الحفاظ على التقليد الجامد في الفيلم حين يسأل شادي أباه في الدقيقة 68 إذا كان يود شراء سيارة جديدة، فيجيبه الأب بأن "هذه سيارتنا، مالك!؟"، وخلال الفيلم يستذكران علاقتهما بالسيارة، وذكرياتهما بها، فقد علّم أبو شادي ابنه السياقة فيها. وكأن موضوع الالتزام بما يتم تعويد المجتمع على الظهور من خلاله هو أمر حتمي بالنسبة للجيل القديم، وهنا يمكن العروج قليلا عند بعض الثنائيات التي لها علاقة بالحداثة/ التقليد.
إن الطقس بعمومه، طقس توزيع الدعوات، هو طقس عالمي، يحدث في كل المجتمعات؛ أكثر من 350 كرت دعوة، لكل البيوت، حاول فيها الأب إقناع ابنه بالالتفات إلى إحدى الصبايا اللواتي يلتقون بهن لعله يقتنع بالمكوث والارتباط بإحداهن من طالبات الأستاذ أبو شادي أو أقربائهم مثل فادية ابنة عمه، يقول أبو شادي "خسارة إنه ولاد العم بطلوا يرتبطوا ويتزوجوا من بعض"، وهنا أيضًا يظهر الفيلم التمسك بالتقليد والضغط على الجيل الشاب لاتباعه.
يقول الأب لإحدى المعازيم: 'أنا بعرف إنّك مش رح تقدري تيجي، بسّ واجب أعزمك'، وفي سياق آخر، يرغب الأب في دعوة المغنّي فوزي بلّوط ليغنّي في العرس، وهو يعلم أنّ صوته ليس رائعًا، لكنّه يختبئ وراء حجّة أنّه مغنّي العائلة منذ 40 عامًا، ويدعوه فعلًا! ويرفض اقتراح ابنه شادي عن إحضار فرقة من رام الله بحكم أن موضوع "الأخت العروس" وحفلها مرتبط بأبو شادي واختياراته.
وكان طقس الزواج فعلا هو طقس يخص الجميع ولا علاقة للعرسان باختيار التفاصيل في المجتمع التقليدي. فأكثر المشاهد استفزازا في الفيلم كان، عدم تأكد أبو شادي وابنه والعروس قبل توزيع الدعوات من التواريخ وما هو مكتوب، واكتشافهم في منتصف الفيلم عن وجود تضارب بين التاريخ واليوم المطبوع للدعوة، وأثناء حوارهما مع مالك المطبعة أجابهم بأن الخطأ من طرف العائلة وإذا أرادوا طباعة دعوات أخرى فعليهم بالدفع مرة أخرى، الأمر الذي اضطرهم لفتح الدعوات "الكروت" وتعديلها يدويا حيث عملت العروس والعائلة على تصليح هذا الخطأ بدلا من الطباعة مرة أخرى.
ثانيًا: الفجوة بين الأجيال؛ الصورة النمطية مقابل الواقع
نرى في الفيلم تمسكًا بالصورة النمطية لرغبات الأهالي للتحكم في مستقبل أبنائهم، حيث يدرس شادي في إيطاليا هندسة العمار، وهو ما قام بإخبار أحد المدعوين به أثناء ذهاب والده لإحضار كرت دعوة من السيارة، بعكس ما كان أباه يخبر الناس عنه بأنه يدرس الطب في أمريكا. هذه الحادثة كافية لنفهم تمسك بعض العائلات الفلسطينية في مجتمعنا إجمالا بصورة نمطية عن رغبتهم – أي العائلات - في دراسة أولادهم تخصصات – كالطب وغيرها – من التخصصات ذات الدخل المرتفع، والتي تعطي لهم – للعائلات – شأنا وقيمة اجتماعية. إلا أن شادي قام بتفنيد رواية أبيه وذكر الحقيقة بأنه مهندس ويدرس في إيطاليا. وكان رد أبو شادي على ابنه "مرات أسهل تخلي الناس تفكر شو بدها هي عنا".
شادي منظره غريب لأغلب من هم في جيله من الشباب في الفيلم، شعره طويل يمثل شريحة الوطني غير المتماشي مع سياسات التطهير العرقية بكافة أشكالها، قد يبدو أن هذا بحكم الغربة، وقد يكون بفعل مواقفه وتجذر الهوية الوطنية الفلسطينية حقيقة في شادي، يلبس بنطالًا أحمر، يبدو أوروبي المظهر ولا يشبه أبناء مجتمعه.
يحاول شادي خلال بعض مشاهد الفيلم سؤال العروس "أمل" إذا كانت راضية بقدوم المغني فوزي فتجيبه "الموضوع مش أنا، بعدك مش فاهم، بابا كثير بحبه".
يلتقي شادي بقريبة له على ما يبدو هي الوحيدة التي تعلم أن شادي في إيطاليا وليس أمريكا، وتخبره بحبها لزيارته في إيطاليا، ويقوم شادي بإخبارها بأن عليها فعل ذلك حقا، ويقترح بعض الأماكن للزيارة. ويختلسان بعيدا عن العائلة للحديث في الدقيقة 44 عن أخبارهما الشخصية، يبدو أن توقيت العرس قبل أعياد الميلاد، حيث يفضل شادي على حد تعبيره أعياد الميلاد خارج الناصرة في أوروبا كما يحاول القول.
في أغلب مشاهد الفيلم، يعتاد الأب – مصاب بمرض القلب بسبب التدخين -على خلق سيناريوهات يجيب بها الناس عندما يسأل أحد عن ابنه غير حقيقية ولا تمت لحياة شادي الشخصية في إيطاليا بصلة، في محاولة للتماشي مع حديث المدعويين للعرس أو كما يفسر شادي في نهاية الفيلم بأن تبريراته وحديثه للناس هو إرضاء لذات أبو شادي، وليس إرضاء للناس، لأن الناس لا يهمها بمن يرتبط شادي، ورد فعل أبو شادي على هذا كله، بأن أغلب شباب الناصرة لا يتزوجون من بناتها وهذا شيء محزن أحيانا.
يعتقد شادي أن نهاية العلاقات بالزواج تفسدها، حينما يسأله والده عن جديته في الزواج والارتباط بندى.
فمثلا عندما يُسأل الأب عن ابنه ومتى سيقوم بتزويجه يجيب بأنه يبحث له عن عروس، لعلها تكون مقنعة لشادي في المكوث في البلاد، ويتناسى بقصد تسكيت شادي من باب العيب عن علاقة شادي مع صديقته ندى التي يعيش معها في إيطاليا. صراع تقليدي في موضوع الزواج، يحاول الآباء فرض اختياراتهم فيه، حتى في موضوع السفر/ العودة للوطن، شادي يخبر كل من يلتقيهم بأنه سيبقى في الخارج، وأباه يرد مباشرة بأنه غير صحيح، " شو بعرفك ممكن تغير رأيك وترجع أو تلاقي بنت ترتبط فيها بالبلد". وبما أن الأب مصاب بمرض القلب ويذكره ابنه دوما بضرورة التوقف عن التدخين، فيسرق أبو شادي خلوة في بعض الأوقات التي لا يتواجد فيها شادي بجانبه في السيارة لتدخين بعض السجائر، بينما أمام الناس والمعازيم فهو مقلع تماما عن التدخين وملتزم بقرار الطبيب".
ثالثًا: الأسرلة- التعايش
يقول الأب لشادي "في عرسك أحضر أصدقائك من رام الله واجلب لهم التصاريح" وفي هذا إحالة واضحة وصريحة لتعامل بعض فلسطينيي المستعمرة الأولى عام 1948 مع مستعمري المستعمرة الثانية 1967.
أثناء تناولهما للحمص والفلافل في أحد المطاعم الشعبية، يجتاح المشهد جنديين صهيونيين، على طاولة قريبة من شادي وأبو شادي، يجلسان لطلب الفلافل (الذي يدعي أبو شادي أن الصهاينة أيام السبت يتوغلون في مجتمعنا لتناوله لأنه الأفضل)، لم يعجب شادي هذا المشهد على ما يبدو، ولم يعتد قبل سفره لإيطاليا على رؤيته، بعكس أبيه الأستاذ الذي اعتاد أن يراهم ويتعامل مع وجود هؤلاء الصهاينة كمشهد طبيعي وعادي.
يتكرر مشهد الصعود على الأدراج لإيصال كروت الدعوة، مشهد الجهد المبذول في هذا الطقس، وأغلب المدعوين هم كبار السن، الاستعمار وتغلغله في مشهد دعوة الأب الذي يعمل مدرسا لأحد زملائه الصهاينة لحضور حفل الزواج من باب الواجب. فإصرار الأب أبو شادي بدعوة زميله الصهيوني " روني " في المدرسة وأنه مجبور لدعوته وهو صديقه، ورفض الابن الذهاب لإيصال كرت الدعوة له بحكم أن هذا الصهيوني هو جاسوس للشاباك وظيفته إرسال التقارير عن المدرسين العرب في الناصرة. تحصل مشادة بين الأب وابنه في الدقيقة 26 حول موضوع ارتباط شادي بصديقته ابنة أحد المناضلين في المنفى والذي ينتمي لمنظمة التحرير، يصر أبو شادي على العداء تجاه ارتباط شادي بعائلة مناضلة ويرفض أن يقوم ابنه بعدم المثول لأوامره بعزيمة "روني". لأن أفراد المنظمة في الخارج يعيشون في قصور وعلى حساب منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي فقدوا جزءا من ذواتهم وفلسطينيتهم إن جاز القول. وبما أن شادي يعيش في إيطاليا فإن من حق أبو شادي كما يزعم أن يتعامل مع وجودهم ومجبور على عزيمة الصهيوني "روني" لأنه يود أن يصبح مديرا للمدرسة، يرفض شادي الفكرة بقوله "إنت ما عمرك كنت بدك تصير إشي وإسا فجأة صرت بدك تصير مدير". يجيب أباه في مكان آخر من الفيلم بالقول "إحنا انجبرنا نعيش معهن فهل هذا يعني أني أقل وطنية" يرد شادي "العيشة ما بتنفرض على حدا العيشة اختيار".
أبو شادي وتضارباته في الرواية تبعث به لركوب موجة الأسرلة في المجتمع الفلسطيني في المناطق المستعمرة عام 1948 بالقول إن الحياة هنا أفضل من أماكن كثيرة في الخارج، يمتد النقاش لأكثر من ثلاث دقائق حول الدور التقليدي لمن يتماشى مع وجود الاستعمار ويحاول الاستفادة منه ويصر أبو شادي على أن تماهيه مع وجود الاستعمار مربوط بتربية عائلته والاهتمام بها وبوجودها، في مقابل رواية شادي عن الصهاينة ودورهم في صهر وعينا ومحاولة السيطرة عليه من خلال مناهج التعليم، ويؤكد كلامه بالقول "أي حياة في فلسطين التي ندرس فيها بمدارس الصهاينة ولا نعرف شيئا عن تاريخنا الفلسطيني ".
يقطع شادي المشهد الحواري في السيارة ويذهب مشيا إلى اللامكان، يلحقه أبو شادي فيرد ابنه بالقول " شو علاقة أبو ندى بواحد صهيوني مستعمر مقرن " ويكمل طريقه فيرد الأب عليه بأن شادي أعند من أمه التي سافرت وتركت أبو شادي وحيدا. يجتاح الغضب المشهد ويحصل حادث بين مركبة الأب وحيوان يقطع الشارع في الدقيقة التالية، يعود شادي سريعا ليرى الكلب لأنه تعود معاملة الحيوانات بلطف في إيطاليا عكس أبيه في الناصرة. ويفران من المكان لأن في هذا الفعل عقوبة " فعل الدعس والهرب". وعلى ما يبدو أن هذا المشهد هو مشهد متكرر في مجتمعنا التقليدي " قتل الحيوانات والفرار أو إكمال الطريق بدون تقديم أي مساعدة لهذه الكائنات".
ينفصل الأب عن ابنه في الفيلم أثناء احتدام النقاش حول عزيمة الصهيوني "روني "، ويحمل كل منهم بعض الضغينة تجاه الآخر، ثم يجتمعان على فنجان قهوة، يخبر شادي أبيه أن زوج أمه توفى، بالتالي هذا يعني أن أمه ستأتي للعرس. طبعا هذا ما حلل الأب وابنه أثناء ارتشافهما القهوة، والتي عاد فيها أبو شادي لتناول السجائر. في مشهد تمردي على ابنه وانتهى الفيلم في هذه اللحظة.
في انتهاء الدقيقة 60، يتم إعلام المشاهد بأن الأم ستتغيب بسبب مرض زوجها الثاني، ولن تحضر حفل زفاف ابنتها، يخبر الأب ابنه بأنه لن يكمل العرس في حالة تغيب الأم، وأن بإمكانه تأجيل العرس للصيف وعليهم إخبار كل الناس بذلك. ويقول "مش راح أخلي أمك تبهدلنا قدام كل الناصرة كمان مرة " يقصد عن هربها مع عشيقها الثاني الذي هاجرت معه وتركت أطفالها صغارا بسببه. بينما يدافع ويتعاطف شادي في مواقف كثيرة مع أمه التي باعتقاده لن يرحمها المجتمع للأبد من هذه اللعنة المربوطة بالشرف والعائلة.
تذهب بنا المخرجة إلى لقاء بين شادي وجدته الطاعنة في السن، فما تلبث إلا أن تحضر مجموعة من المكاتيب التي تصل هذه السيدة من شركات الإنترنت والاتصالات من خلال البريد، وتستغل فرق العمر بينها وبين شادي بالقول "الإنترنت عندي بطيء خلينا نحكي مع الشركة نرفع السرعة" ثم تسأله "إنت ليش فش عندك فيسبوك؟"، يجيبها بأن فيسبوك أداة للتجسس تجيبه من طرفها بأنها مضطرة لملاحقة ومواكبة أمه وصورها المتواصلة. "كل ما نحكي عالكاميرا بعلق.. أمك بتقلي تحطيش بوست سياسي خايفة إنه اليهود يحبسوني". يجيب هو أنه لا يستبعد ذلك.
وفي منتصف الفيلم، يصادف شادي امرأة ستينية على ما يبدو كانت في صف أباه، ولم تره منذ مدة، قد تكون إحدى المعجبات به منذ طفولته، وتقدم لأبو شادي بعض الحلويات بطريقة درامية، يخبر شادي أبيه بأنها قد تكون معجبة به، يرفض أبو شادي الفكرة ويعتبرها حد تعبيره "هبل ".
يحتد النقاش في مقاطع كثيرة ثم ينفجر شادي في وجه أبيه بالقول "أمي عملت اللي بدها اياه ومعملتش حساب لحدا" يرد أباه "بالله بطولة يعني إنك تختار الطريق الهوين ".
من طرف الابن: يحصل مشهد مشحون بطاقة سلبية أثناء قيادة الأب للسيارة، فيعتكف الابن عن مواصلة الطريق ويوجه حديثه للأب " إنت بحياتك بتتغيرش ".
من طرف الأب: اطلع عالسيارة، أعند من أمك.
أغلب الشخصيات الثانوية في الفيلم من أقرباء وعاملين في مجال السيارات كالميكانيكي والبنشرجي وغيرهم، شخصيات يقابلها شادي في يوم التوزيع وتحاول دفع شادي باتجاه البقاء، بحكم أن أبيه وحيد كل الوقت، ويقوم بتدبير أموره وحده، وأن اخته عند زواجها ستجعل أباه وحيدا. بالتالي على شادي العودة والوقوف بجانب أبيه المسكين، الذي يفتخر بابنه شادي أمام الناس.
يجبر شادي أباه قبل نهاية الفيلم بقليل على محادثة أبو ندى صديقته "المناضل المنتمي للمنظمة " يرفض أبو شادي محادثته في بادئ الأمر ثم يقول له "إحنا بنتشرف فيك هون، بلادنا حلوة، فش أحلى من فلسطين ".
لا يحمل الفيلم مضمونًا أو رسالة واضحة بقدر ما يطرح أسئلة عن تغيرات مجتمعية قد تحصل، على صعيد الفكر، أو العادات أو حتى على صعيد التحرر، غير أن إشكالية اللا-حسم واللاحتمية كثيرًا ما تنتاب على أن هذه إشكالية تعاني منها الأفلام الفلسطينية تحديدًا إذ أنها تتصارع مع أمرين أولهما كون كاتب السيناريو والمخرج شخصًا واحدًا وهذا يفقد العمل بعدًا دراماتورجيًا وعمقًا حقيقيًا في القصة والرسالة، ومن جهة أخرى فإن الأفلام الفلسطينية التي تسعى إلى الشهرة العالمية والقبول في المهرجانات العالمية عادة ما تهادن قليلًا أو تميّع الرواية الفلسطينية لضمان مكان عالميّ لها، وضمان أقل معارضة ممكنة من الجمهور الغربي والأجندات الغربية المهيمنة على هذه المهرجانات.