لعله من الطبيعي ألا يستطيع أحد أن يدافع عن مفهوم ما يسمى بـ»التنسيق الأمني»، في ظل تخطي المحتل الصهيوني لكل الأعراف القانونية والإنسانية التي ستحيله إلى المحاكمة عاجلاً أو آجلاً، سواء كانت محاكمة قانونية أو شعبية نضالية.
في هذا السياق، يجب الاعتراف بعجز السلطة عن حماية شعبها أمنياً، وهو الأمر الذي يجب التوقف أمامه ملياً، لا لإبداء النقد لمجرد النقد، وإنما لرسم سبل الخروج من هذا المأزق الذي دفعتنا إليه عنجهية المحتل وغطرسته من جهة، وصمت العالم وتخاذله من جهة ثانية، وتراجع مواقفنا قادة وأحزاباً وشعباً، من جهة ثالثة ورابعة وعاشرة.
بالأمس القريب حققت مواقفنا السياسة على المستوى الدولي تقدماً ملحوظاً لا يمكن إنكاره، رغم تحفظ البعض، ونقد البعض الآخر للأداء السياسي العام، ولكنَّ نقطة ارتكاز هذا التقدم كانت نتاجاً طبيعياً لصلابة الموقف الذاهب بوضوح كامل الدسم لإدانة وفضح وتعرية المحتل في المحافل الدولية، ما يعني أن صمودنا وصلابة موقفنا، هو السبيل الأنجع لمجابهة هذا المحتل الجاثم على صدورنا بتواطؤ دولي جبان.
أما أن نبدي تفهما لغضبة محتلٍ مدعٍ على خلفية اختفاء مستوطنين لم يحتلوا فقط ما تبقى من أرضنا وحريتنا، بل ما تبقى من نخوتنا، هو الخطأ الذي دفعه لتقصد اقتحام مدننا، والتمركز عمداً أمام مراكز شرطتنا التي يعلمون مسبقاً أنها لن تجابههم، بقصد ضرب إسفين بين الشعب وشرطته.
نعم الكل الوطني المشتغل في الشأن السياسي، يعلم تمام العلم أن خياراتنا قليلة، ومساحات تحركنا ضيقة، في ظل انشغال الوطن العربي بأكمله في حروبه ومشاكله الداخلية، وتواطؤ الغرب إضافة إلى انشغاله بمصالحه المنتشره على أمتداد الكرة الأرضية، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال، التسليم بالأمر الواقع، أو التراجع أمام عنجهية هذا المحتل الغاصب الذي يتصيد الفرص لضربنا بكل الوسائل المتاحة، ومنها وأخطرها ضرب وحدتنا الداخلية التي بدأت بالالتئام لحظة اتخاذنا قرار إنهاء حالة الانقسام البغيضة.
وبالرغم من أن كلَّ الكلامِ بات مبتوراً من الفعل المضارع، لا حاضر له ولا ماضٍ، حيث لا تنتج الهندسة اللفظية حقوقاً سُلبتْ، ولا تُرجع أرواحاً أُزهِقتْ، يجب الانتباه جيداً لدور المجتمع المدني ومسؤوليته الوطنية والأخلاقية، بكافة مؤسساته ووسائل إعلامه، في الحيلولة دون وقوع الشعب في شرك أفخاخ المحتل لضرب وحدتنا الداخلية، فما حدث من هجوم بعض الشباب الغاضب على مركز شرطة رام الله فجر الأحد الماضي، إنما هو كل أمل المحتل الغاصب أن يراه ويسعد به، ويعمل على تفتيت نسيجنا الوطني المتماسك رغم كل هذه العقود من الاحتلال، وبالتالي هو أمر مرفوض ومستهجن بلا أدنى شك، وعليه، جدير بنا قيادة وشعباً، ألا نحوّلَ خلافنا السياسي المشروع حول مفهوم وأدوات وسبل «التنسيق الأمني» الذي من المفترض أن يكون من أجل تيسير حياة المواطن، إلى استسلامنا لواقع اغتصاب أمني، نكون للأسف شركاء فاعلين فيه بمحض فعلنا وأفعالنا وسوء تخطيطنا وفهمنا لواقعنا المعقد والمرير في آن.