بقلم: نبيل عمرو
ما هو الوصف الأكثر دقة للعملية العسكرية الإسرائيلية، التي بشّر صانعوها بطول أمدها، ما يعني انها سوف تستمر حتى لو تم العثور على المختطفين أو المختفين أحياءً أو أمواتاً. وهذه العملية ومن خلال الإجراءات الميدانية التي تتم بوتيرة متصاعدة، ومن خلال الغلاف السياسي الذي تجسده تصريحات القادة الاسرائيليين لتفسيرها، او لتحديد آفاقها، يبدو جليا ان التفتيش عن المختفين او المختطفين وان كان هو العنوان الا انه يأتي في مرتبة متأخرة من سجل الاهداف التكتيكية والاستراتيجية. انها حرب حقيقية، يمكن وضع عنوان لها، وهو إلغاء الاعتدال الفلسطيني لمصلحة الاذعان المطلق أو الاستسلام.
فيما مضى كان الفلسطينيون يسجلون أنفسهم ضمن المعتدلين في المنطقة والعالم، ويمارسون مرونتهم تحت هذا العنوان، ويعلنون مواقف محرجة لفرط تجاوبها مع متطلبات الاعتدال ورغبة العالم به، ولقد تكرست للاعتدال الفلسطيني ادبيات وتفسيرات وحيثيات، جوهرها ان سبب هذا الاعتدال ، هو كسب تأييد العالم في معركة غير متكافئة مع اسرائيل، وكان العالم وعلى رأسه امريكا، يقدر هذا ويزكيه، وينقط في حلق الفلسطينيين بعض الهبات والجوائز كي يستمروا فيه.
إلا أن اسرائيل كان لها رأي آخر، وأسلوب مختلف في التعاطي مع الاعتدال الفلسطيني، وبصورة موضوعية أو في سياق توزيع الأدوار، انقسم السياسيون الاسرائيليون إلى ثلاث فئات:
الأولى، فئة تُشكك في الاعتدال الفلسطيني، وتصفه بأقبح الأوصاف كالكذب والتحايل والنفاق، وأصحاب هذا المنطق هم اصحاب القرار.
والفئة الثانية، تعترف بالاعتدال الفلسطيني، الا انها دائما تطالب بالمزيد من المبادرات والطلبات، كي يقدم الفلسطينيون كل ما لديهم تحت عنوان اظهار الجدية وحسن النية.
أما الفئة الثالثة، و يجسدها عدد من المثقفين والسياسيين الهامشيين الذين يسخرون من نتنياهو، ولا يرونه جديرا بقيادة دولة اسرائيل، أي أنهم يثمنون الاعتدال الفلسطيني وفق منطق، «ليس حباً في علي وإنما كرها في معاوية».
ولقد وقع الفلسطينيون داخل طاحونة هذه الفئات الثلاث، فإذا بهم ومهما فعلوا غير مشكورين، ومهما تنازلوا فمطلوب منهم المزيد، ذلك أن مثلثا كهذا لا يمكن بأي حال ان يفضي الى محصلة محددة، او تقويم موحد حتى لأبسط البديهيات الفلسطينية.
ان حرب نتنياهو على الاعتدال الفلسطيني، وصلت مرحلة يتحدث فيه صاحبها عن اهدافه الحقيقية بلا تمويه، فهو لا يرى فلسطينياً واحداً جديراً بأن يمنحه صفة الشريك، ورغم كل ما تعرضت له السلطة، من انتقاد شعبي على تواصل التنسيق الامني ، الا ان نتنياهو ما زال يطلب المزيد ، ولم يبق عليه الا ان يطلب من السلطة بكل مستوياتها ومكوناتها ان تخرج الى الجبال بحثا عن المختفين وقد لا تحصل على كلمة شكراً لقاء ذلك .
ان تصعيد نتنياهو وبهذه الصورة ضد الاعتدال الفلسطيني، يعني انه يفضل خصماً من نوع آخر، ان لم يكن موجوداً على الارض فقد يقوم بصناعته، ويبدو انه وبعد تجربة طويلة مع الاعتدال المحرج، صار يفضل التشدد الصريح لعله بذلك ينقل الحالة الفلسطينية الى وضع يسيطر فيه عليها بصورة مطلقة.