في تاريخ الأمم، هنالك صفحةٌ، أو صفحات سوداء، لا تريد الشعوب العودة إليها، أو حتى تَذَكُرها. وقد تكون "المكارتية"، هي أكثر الصفحات سوادا في تاريخ الشعب الأميركي، التي نصت، أولى صفحات دستوره، على ضمان حرية الرأي، والكلمة لكل مواطن، حتى سميت أميركا، بدولة الحرية والديمقراطية، و"بزعيمة العالم الحر".
أصبح الحديث عن رؤية ترامب أو ما تسمى بصفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية أو تصفيتها وطرد الفلسطينين من التاريخ والجغرافيا حديثاً علنياً، ولم يعد في الخفاء. والعالم في معظمه استقبل هذه الصفقة بالاستهجان والسخرية الممزوجة بالمرارة لما حملته من استخفاف بالأسرة الدولية ومن انتهاك للنظم والقرارات التي صدرت عن المنظومة الدولية (الجمعية العامة ومجلس الأمن) بشأن القضية الفلسطينية.
لا مجال لتجميل الواقع العربي والحديث عن ربيع عربي وشعب عربي يريد تغيير واقعه وأنظمته الفاسدة والعملية، فلم يمض أسبوع على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لاتخاذ موقف عربي موحد من صفقة ترامب وصهره كوشنر المسماة صفقة القرن أو صفعته أو سرقته أو صفقة العار، فكل هذه المسميات لم تغير الأمر الواقع بأن صفقة ترامب هي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، بما في ذلك:
ما أن فاز ترامب في الانتخابات الأمريكية حتى أخذ يترجم مواقفه المنحازة للمشروع الصهيوني، ويتنكر لحقوق الفلسطينين والعرب مسلمين ومسيحيين. بدأت هذه الإجراءات بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومن ثم الاعتراف بضم اسرائيل لهضبة الجولان السورية، ثم جاء تصريح وزير خارجيته "بومبيو" بأن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية لا تتعارض مع القانون الدولي، وكان كل ذلك تمهيداً لإعلانه عن خطته المسماة بصفقة القرن، وقد جاء هذا الإعلان لترامب في مؤتمره الصحفي المشترك مع نتنياهو من خلال صفقته كإعلان للحرب
لستُ محلِّلًا سياسيًا، ولكن ما هو عارمٌ فوق سطح السياسة، إعادة صياغة للأشياء وفقًا لمصالح وغايات إسرائيلية أمريكية. غايات أمريكية كثيرة، أهمها، برأيي، تتمثل في إرضاء اللوبي الصهيوني، وترويج وعرض عضلات سياسية من قبل الرئيس الأمريكي أمام شعبه؛ لاختياره في دورة انتخابية جديدة، بصفته (حلّال مشاكل). أما الغايات الإسرائيلية وهي أيضًا كثيرة، أهمها، برأيي، استثمار غاية الرئيس الأمريكي المتعلقة بالانتخابات لصالح إسرائيل، وتنشيط اللوبي الصهيوني، وهذا يفسّر مدى ذكاء وهيمنة إسرائيل على البيت الأبيض (والأشقر
في العام 1965، ظن الأميركيون، أن هزيمة فيتنام الشمالية "الشيوعية"، وحلفائها من قوات الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، المعروفة باسم الفيتكونج، قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وذلك بعد أن وصل عدد القوات الأميركية، في فيتنام الجنوبية، إلى نصف مليون جندي، إضافة إلى أكثر من مليون جندي جنوبي.
هناك إجماع عالمي على أن إعلان صفقة القرن اليوم الثلاثاء في واشنطن وفي هذا التوقيت حيث يحاكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام مجلس الشيوخ بعدة تهم كفيلة بعزله من منصبه، وحيث تبدأ حملة الانتخابات للرئاسة الأمريكية كما يحاكم بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية المؤقتة أمام الكنيست لنيل الحصانة من الملاحقة القضائية في تهم فساد ورشوة، ويأتي هذا الإعلان لخدمة رئيسين فاسدين يستغلان صلاحياتهما لخدمة شخصيتهما بعيدا عن المصالح الحقيقية التي تقتضيها كونهما في أعلى الهرم السياسي في بلديهما.
كل من تابع احتفالات إسرائيل بالذكرى الخامسة والسبعين لتحرير مُعتقل أوشفيتز في بولندا بعد المجازر التي ارتكبت بحق اليهود و غيرهم من الأمم أبان الحرب العالمية الثانية، لا بد وأن لاحظ أن إسرائيل و بمكونها اليهودي طبعاً تعيش حالة من الايفوريا "أي النشوة"، وذلك بما أنجزته من تعاطف وتأييد دولي لم تحلم به مُنذ تأسيسها.